تشير معظم الدراسات إلى أن كرة القدم باتت ثالث أكبر اقتصاد في العالم ،بعدما أصبحت ميزانية الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” تفوق ميزانيات عشرات الدول، حيث أصبحت كرة القدم أكبر من رياضة، وتحولت إلى استثمار، وصناعة كبرى، تجذب الدول والمستثمرين والتجار والشركات الكبرى حول العالم. وهو ما نقل فيفا من مجرد مؤسسة رياضية إلى شركة متعددة الجنسيات وامبراطورية مالية ومؤسساتية عظمى تنمو في العالم بفعل استثماراتها الفلكية.
فيفا” التي تأسست في مايو 1904 في باريس، ويقع مقرها بمدينة زيورخ في سويسرا، وتضم 211 من اتحادات كرة القدم في العالم.. ازداد حجم ميزانيتها الى أكثر من 10 أضعاف حجمها للفترة الممتدة من 1995 إلى 1999 والذي كان 257 مليون دولار، وسجّلت فيفا عائدات بلغت 5,718 مليار دولار بين عامي 2011 و2014، وبلغ الاحتياطي النقدي لديه نحو 1,523 مليار دولار.
شهد عام 2014 الذي أقيمت فيه كأس العالم في البرازيل، تسجيل عائدات بلغت 2,069 مليار دولار، ما يعادل نحو ضعف عائدات كأس العالم السابقة التي أقيمت عام 2010 في جنوب أفريقيا والتي بلغت 1,291 مليار دولار.
وبلغت ميزانية فيفا للفترة الممتدة من 2015 الى 2018 حوالي 5 مليارات دولار، وحقق الاتحاد خلال هذه الفترة إيرادات بقيمة 2,3 مليار دولار من التسويق وتذاكر المباريات، و2,7 مليار دولار من بيع حقوق البث التلفزيوني للبطولات التي ينظمها الاتحاد.
فيفا.. ميزانية عشرات من الدول
تزيد ميزانية فيفا عن ميزانيات عشرات من الدول حول العالم، وتشكل بطولة كأس العالم التي تنظم مرة كل أربعة أعوام، الغالبية العظمى من إيرادات “فيفا”، حيث يوفر المونديال عائدات بأكثر من أربعة مليارات دولار، معظمها من حقوق البث التلفزيوني، وحقوق التسويق والتذاكر، في المقابل، تبلغ تكاليف إقامة المونديال نحو ملياري دولار.
يعيد الاتحاد الدولي توزيع أرباحه على المنتخبات المشاركة في كأس العالم، والأندية التي تستغني عن لاعبيها لخوض غماره ضمن فرق بلادهم القومية، ويعيد استثمار جزء كبير في تطوير كرة القدم من خلال المنح إلى الاتحادات الوطنية.
ولا تشمل تكاليف استضافة المونديال المبالغ المتعلقة ببناء الملاعب وغيرها من البنى التحتية التي يتكفل بها البلد المضيف، فالأمر يتعلق بالتكاليف التنظيمية.وفيما بلغت تكلفة كأس العالم 2014 في البرازيل 2.22 مليار دولار، بينما تبلغ التوقعات لمونديال روسيا 1.94 مليار دولار، بحسب التقرير المالي للفيفا.
انتعاش الاقتصاد الروسي
تشير التوقعات إلى أنه سيكون لكأس العالم تأثير إيجابي على الاقتصاد الروسي. صرح بذلك نائب رئيس وزراء البلاد ،أركادي دفوركوفيتش ،مضيفا أن الاستعدادات للمسابقة قد أسفرت عن 867 مليار روبل (حوالي 11 مليار يورو) ، أو حوالي 1 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الخمس الماضية.
وانتعش الاقتصاد الروسي بنسبة 1.5 ٪ في العام الماضي بعد التباطؤ الناجم عن العقوبات الغربية وانهيار أسعار النفط العالمية. يقول أركادي “انه حقا لأمر خطير للغاية.. بدون العالمية ، لا يوجد حاليا أي نمو اقتصادي في روسيا. ومع ذلك ، لم يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي بعد إلى هدف الحكومة البالغ نحو 2٪”.
بالإضافة إلى ذلك ، حذر البنك المركزي الروسي من أن البطولة قد تؤدي إلى زيادة في أسعار المستهلكين. وقد أدانت السلطات الروسية بالفعل الفنادق التي رفعت سعر غرفهم بشكل كبير. “بالنسبة للتضخم ،لن يكون هناك تأثير كبير”.
وتقول التوقعات أن مليار دولار هو حجم الزيادة المتوقعة فى الاقتصاد الروسي الذى ستحققه تنظيم روسيا للمونديال ،وسيؤثر تنظيم روسيا لمباريات كأس العالم بشكل كبير على اقتصادها ودعمه حتى أنه سيرفع من قيمة الناتج المحلى الإجمالى من 26 مليار دولار إلى 30.8 مليار دولار خلال عشر سنوات بين 2013 لـ2023.
كما أن دعم السياحة وتطويرها واحد من أهم نتائج تنظيم روسيا لهذه التظاهرة، وقامت روسيا بتطوير عالي المستوى في البناء، سيدعم كأس العالم الاستثمارات الحكومية ويشجع الروس على ممارسة الرياضة أكثر لذا فسيحصلون على إجازات مرضية أقل.
وتعد كأس العالم في روسيا الأغلى في التاريخ حيث أنفقت على تحضيرات كأس العالم 2018 ثلاثة أضعاف ما أنفقته جنوب إفريقيا. اذ بلغت تكاليف البطولة أزيد من 14 مليار دولار منذ عام 2013 وحتى عام 2017، تمّ إنفاقها على البنية التحتية للمدن، وبناء وتطوير ملاعب بمعايير دولية فى أكثر من 11 مدينة.
ويقول خبير الاقتصاد والأستاذ في كلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية “Ranepa”، يفغيني يتاكوف إن الأموال الموظفة في تنظيم البطولة ستعود على اقتصاد البلاد بتأثير مضاعف، متوقعا أن تتجاوز عائدات بيع تذاكر المباريات، والتي يفوق عددها 3.1 مليون تذكرة، مستوى خمسة مليارات دولار. كذلك يتوقع أن ينفق المشجعون الأجانب على السكن والطعام نحو 5 مليارات دولار، كما يعول منتجو وبائعو الهدايا التذكارية أن ينفق 1.5 مليون سائح أجنبي يتوقع أن يزوروا روسيا قرابة 1.5 مليار دولار، أي بمعدل 100 دولار للشخص
وقدر خبير الاقتصاد والأستاذ في كلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية “Ranepa”، يفغيني يتاكوف العائد الاقتصادي للبطولة بـ 1.6 تريليون روبل، وهو أكثر بنحو 2.5 مرة من الأموال المستثمرة في هذه البطولة.
ثورة “فيفا”
وفقا لصحيفة فاينانشال تايمز ،يريد رئيس “فيفا” جياني إنفانتينو مشروعًا بقيمة 25 مليار دولار لإحداث ثورة في عالم كرة القدم لتغيير وجه هذه الرياضة الأكثر شعبية. يرغب إنفانتينو في إصلاح كأس العالم للأندية وجعله منافسة كبرى، من خلال الجمع بين اللجنة التنفيذية للفيفا لتأسيس عقد مع “كونسورتيوم دولي”.
ووفقا لفاينانشيال تايمز ،سيتألف الائتلاف من المستثمرين الصينيين والسعوديين واليابانيين (سوفت بانك) الذين تعهدوا بضخ 25 مليار دولار في مسابقتين: كأس العالم للأندية بشكل جديد ورابطة الأم (أو كأس العالم للقارات).
ستملك فيفا 51٪ من أسهمها في إدارة المسابقتين. فيما يمتلك الكونسورتيوم نسبة الـ 49٪ المتبقية. ووفقا لبيانات إنفانتينو التي نقلتها الصحيفة ، فإن الكونسورتيوم سيكون “من بين أقوى المستثمرين في العالم”.
ويقترح الكونسورتيوم توسيع مسابقة كأس العالم للأندية التي تجمع اليوم سبعة فرق حول العالم إلى 24 فريقًا كل أربع سنوات بدءًا من عام 2021. وحتى عام 2033 ، من المتوقع أن يستثمر الكونسورتيوم 12 مليارًا. سيتم تقسيم 1.9 مليار دولار بين جميع المشاركين وفقا لنتائجهم. هذه الجائزة المالية تفوق حصة رابطة أبطال أوروبا التي تبلغ قيمتها 1.5 مليار دولار هذا العام.
من ناحية أخرى ،فإن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “اليويفا” أصدرت تحفظات على المشاريع التي تصورها الفيفا. وفيما يشير الاتحاد الأوروبي إلى ما أسماه “الاستعداد وعدم وجود معلومات ملموسة” للفيفا، أكد أن هذه المشاريع تطرح مشكلة جدول زمني مثقل قد يضر باللاعبين في كرة القدم. من ناحيتها قالت الرابطة العالمية لبطولات كرة القدم المحترفة ،منتدى الدوريات العالمية ، إنها “تعارض” أي إصلاح يضيف المزيد من المباريات للاعبين.
كرة تبيض ذهبا
من المعروف أن عدد لاعبي كرة القدم المسجلين في العالم يتجاوزون 265 مليون لاعب، وعدد الحكام والإداريين 5 ملايين، وعدد الأندية 301 ألف نادي، وعدد الفرق خارج الأندية كفرق المدارس والمؤسسات والشركات والمصانع مليوناً و750 ألفاً.
ومع تخطي عدد متابعي مباريات نهائي كأس العالم في البرازيل عام 2014 عتبة 3,2 مليار مشاهد عبر الشاشة الصغيرة، أي حوالي نصف سكان الكرة الأرضية، ووصول القيمة السوقية الإجمالية للاعبي المنتخبات المشاركة في كأس العالم الأخيرة الى نحو 7 مليارات و757 مليون دولار أميركي، وفي ظل انتساب 209 اتحادات وطنية الى “فيفا”، وغيرها الكثير من الأرقام الخيالية كتجاوز أجور بعض لاعبي كرة القدم أو ميزانيات أندية ميزانيات دول، أصبحت كرة القدم أكبر بكثير من مجرد رياضة، بل تحولت إلى صناعة كبرى تجذب رجال الأعمال والتجار والشركات الكبرى من حول العالم.
ولأن فيفا تحولت من مؤسسة رياضية إلى مؤسسة ربحية ،فقد تعرضت لانتقادات شديدة بسبب قبول رعاية شركات تقدم منتجات “غير صحية” لمباريات كأس العالم مثل شركة “بدويزر” المنتجة للبيرة وشركات مثل ماكدونالدز وكوكاكولا وبيبسي كولا التي تقدم كثيرا من المنتجات غير الصحية.