روى الإمام مسلم عن العباس بن عبد المطلب ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع رسول الله ـ ﷺ ـ يقول: “ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ رسولاً” وفي رواية ثانية “ذاق حلاوة الإيمان” وورد في حديث آخر: “ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان.
إذن فللإيمان حلاوة وطعم يتذوقه من كان أهلاً لذلك، وطعم الإيمان لا يتغير فهو حلو دائمًا، وإنما الذي يتغير هو حال من يتذوقونه، كالمريض الذي لا يستشعر عذوبة الماء الفرات، فليس العيب في الماء، ولكن العيب في الحالة المرضية التي حالت دون التذوق.
قال القاضي عياض: معنى الحديث: صح إيمانه واطمأنت نفسه وخلص باطنه. وأساس الوصول إلى حلاوة الإيمان إيمان صادق وعبادة صحيحة ومجاهدة للنفس والشهوات، وأما الطريق إلى حلاوة الإيمان فهي كما بينها الحديث:
الرضا بالله ربًّا:
والرضا بالله ربًّا يعني الرضا بشريعته، علمًا وحكمًا وتطبيقًا، رضًا نفسيًّا داخليًّا أولاً، ورضا عمليًّا خارجيًّا ثانياً، فيتولد في النفس مرشد للخير يأخذها إلى طريق الله، فيصبح همّ المرء إرضاء الله ـ سبحانه ـ لا إرضاء الناس ، فإن أخطأ وهو في طريقه، فالله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
إن الرضا بالله صفة عظيمة لها نتيجة عظيمة، فقد قال سبحانه في وصف أصحاب رسول الله ﷺ: “رضي الله عنهم ورضوا عنه”
الرضا بالإسلام ديناُ:
والرضا بالإسلام هو جزء من الرضا بالله تعالى، وإنما جاء ذكره هنا للتنبيه على أن هناك فئة من الناس قد رضيت بالله بمفهوم خاطئ قال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله[، وقد نتج عن هذا الانحراف أنهم حاربوا الإسلام، وكذلك من أسباب ذكر الإسلام تخصيصًا هنا التأكيد على عظمته، وعلى أنه هو الدين الذي ارتضاه الله ـ سبحانه ـ لنا، وأنه هو الطريق الوحيد لنيل رضا الله ـ سبحانه ـ وبالتالي نيل الجنة والفضل العظيم منه عز وجل.
الرضا بمحمد ـ ﷺ ـ رسولاً:
وقد ذُكر رضا النبي ـ ﷺ ـ في الحديث مع أنه جزء من رضا الله ـ تعالى ـ لنفس الأسباب السابقة؛ ولأن النبي ـ ﷺ ـ له حق، وحق رسول الله ـ ﷺ ـ على أمته التعزير والتوقير، كما قال تعالى: (لتعزروه وتوقروه) ولا يكون ذلك إلا بالالتزام بهديه، ورضا النفس والتسليم بكل ما يقضي به، والالتزام بأوامره ]وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا[، ]وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينًا[،] فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا [.
إن حلاوة الإيمان إذا خالطت بشاشة القلوب تجعل صاحبها مع الله ـ سبحانه ـ في كل وقت وحين، في حركات العبد وسكناته، في ليله ونهاره، مع الله خالقه وبارئه وموجده وناصره، ولذلك أمرنا رسولنا أن نقول دائمًا: “رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمد-ﷺ – نبيًّا.
اللهم إنا نشهدك أنا رضينا بك ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد – ﷺ- رسولا.