جدل كبير يثيره أستاذ الهندسة المدنية في جامعة دمشق د. محمد شحرور بآرائه وكتاباته، التي يقول إنها تندرج ضمن “القراءة الجديدة أو المعاصرة” للإسلام والقرآن والمفاهيم الإسلامية.
في هذا الحوار نتعرف مع الباحث يوسف سمرين على قراءة مغايرة لما يطرحه شحرور، ونناقش بعض أفكاره وآرائه..
ويوسف سمرين باحث فلسطيني، حصل على بكالوريوس فقه وتشريع من جامعة القدس- كلية الدعوة وأصول الدين، وعلى ماجستير في الفلسفة عن موضوع: (موقف ابن تيمية من المعرفة القَبْليّة وشيءٌ من آثاره الفلسفية). وله عدة كتب ورسائل، منها: (بؤس التلفيق.. نقد الأسس التي قام عليها طرح محمد شحرور)، (تناقضات منهجية.. في نقد رسالة الدكتوراه لعدنان إبراهيم)، (القراءة العلمانية للتاريخ الإسلامي)، (بيع الوهم.. تهافت طرح أيلال رشيد عن صحيح البخاري).
– ما موقع محمد شحرور فيمن يطرحون أنفسهم أصحاب قراءات متجددة للإسلام؟
محمد شحرور له مكانة بين أطروحات العديد من الأشخاص الذين يتحدثون عن قراءة جديدة للإسلام؛ على سبيل المثال ورد اسمه في رسالة عدنان إبراهيم المقدّمة إلى معهد الاستشراق في النمسا.
ويمكن وصف كتابات محمد شحرور بأنها ضمن التيارات التلفيقية، التي تلفق آراء متنوعة دون أن تجمعها منظومة متناسقة، ولذا لما نقدت أسس طرحه، سميته باسمه (بؤس التلفيق)، فنحن لسنا أمام بناء متسق ومتماسك، بل آراء متنوعة ترجع أصولها إلى مدراس فلسفية وكلامية مختلفة، والرجل زجَّها جميعًا باسم القراءة الجديدة للإسلام.
إن الفلسفة ميزتها أنها ليست مجرد آراء، فيمكن لأي شخص أن يجمّع آراء من هنا وهناك.. إنما الفلسفة منظومة متسقة تجمع الآراء، بحيث لا يحصل أي تناقض داخلي داخل المنظومة، وتقدر منظومته على حل العديد من المشاكل الفلسفية.. وهذا بالتحديد مفقود عند محمد شحرور، منها ضعفه بالجانب الفلسفي، بل غالب كلامه أنه يلوك بعض الاصطلاحات التي نجدها في “الديلكتيك الهيجلي” – فلسفة الجدل لدى الفيلسوف الألماني هيجل – دون أن يحقق معناه، أو يبين ارتباطها بما يقوله، وبعض الاصطلاحات من الكتابات الماركسية، والتي عانى معها نفس الشيء.
أما في العلوم الشرعية واللغوية، فالرجل ليس له باع في هذا، فكانت كتاباته، مجرد تلفيق، وتصيد خواطر مبعثرة، وهذا يرينا أن الأمية الدينية الثقافية قد تتأثر بأكثر أشكال الكتابات بؤسًا وضعفًا.
– بم يختلف شحرور عن غيره؛ من حيث الأفكار والأسلوب؟
ربما الكثرة الهائلة للاصطلاحات المفخّمة لما يكتبه، فتجده يصفه تارة بالقراءة الجديدة، وتارة بالمنهج.. وحتى حديثه وفق اصطلاحات مثل الصيرورة، والسيرورة، والجدل، ونحو ذلك من صيغ فلسفية هذه تتميز بها كتاباته، وهو يزعم أنه يسير على منهج علمي.
والواقع أن تلك الاصطلاحات لا يتحقق منها مذهب فلسفي واحد، ولا ينصر بها أي مدرسة كلامية معينة، بقدر ما ينصر خواطره، التي يختبئ في التعبير عنها خلف النصوص، وبحجة التفسير والقراءة الجديدة، ولو صرّح بمختصر أفكاره أمام الناس دون الزج بها بلغة دينية، لجاءت هزيلة.
– ما أهم الجذور المعرفية (الإبستمولوجية) لطرح محمد شحرور؟
يصعب اعتبار ما كتبه شحرور يعود إلى جذور محددة في نظرية المعرفة، فتجده تارة ينسخ عن الماركسيين بعض مقرراتهم، لكنه بنفس الوقت ينصر أقوالًا مثالية متنوعة.
فالرجل لا يتسق على مذهب محدد، في هذا الموضوع، ولا يمكن اعتبار أن ما كتبه كان تابعًا لمنهج علمي، أو نظرية فلسفية، بقدر ما كان تجميعًا دون جامع في كثير من الأحيان.
– نود مثالًا عن تناقض هذه الجذور؟
ينطلق شحرور من تقسيم المعرفة إلى مثالية ومادية، ويهاجم المثالية، ويعتبرها لا تثبت الحقائق الخارجية، ثم في نفس الوقت يدور مع المثالية مرارًا فيتحدث عن أن الكون مجرد كلامٍ، الشمس القمر النجوم مجرد كلام إلهي وهي فكرة مسبوقة عبر عنها سولجر فيما ينقله عنه ماكس بيكارد، الأشياء المعينة تتحول عنده إلى مجرد صفة يفترض أن تقوم بموصوف، هذا قمة الخلط في المعرفة، ولا هو مادية، ولا مثالية، إنه مجرد تعبير إنشائي.
فهذا يرينا أنه يتحدث باصطلاحات معينة قد يحسب القارئ أن خلفها منهجًا متسقًا، ولكنه ينفلت تمامًا من أي منهج بل يتحدث حتى ولو خالف ما يقرره.
– يقول شحرور: “كتاب الله أُنزل ليقرأه الناس كلهم، دون وسيط؛ وما عليهم ليعرفوا دينهم سوى العودة إليه وقراءته بأعينهم اليوم، لا بأعين السيوطي وابن كثير”.. كيف ترى فكرة قراءة القرآن الكريم من الناس كلهم، وفكرة تجاوز التراث التفسيري وليس فقط غربلته؟
عندما قال شحرور هذا الكلام، إلى أي شيء عاد؟ هو نفسه يقول بأن أفضل من فسّر آيات الخلق في القرآن هو تشارلز داروين، الذي لم يكن مسلمًا، وكان لا أدريًا في أحسن الأحوال! فهذا الرجل، يريد أن يحذف العلماء الذين قرأوا القرآن ودرسوا علومه، لصالح قوم لم يطلعوا عليه، اعتباطًا دون أي مسوّغ عقلي!
إن من يتجاوز كتب التفسير، والأصول، مثله مثل من يقول: فلنتجاوز اللغة العربية، والشعر العربي، والنثر العربي ونحن نتحدث عن العربية نفسها! فيَضحى الحديث عن أي شيء إلا اللغة.. ومَن يريد أن يتجاوز قواعد التفسير، وعلوم القرآن وأصول الفقه، ونحو ذلك- كما هي دعوة شحرور- فهذا لم يعد يُبقِ أي آلة ولا أي قانون للفهم الشرعي؛ وبالتالي يسهل عليه أن يقول أي شيء، ويقول هذا قلته تدبرًا.
بلغة أخرى، إنه يزج رأيه المنفصل عن أي منهجية علمية، في موضوع يفترض أن يكون فيه منهج يوصل إلى نتيجة معينة.
هذا نموذج على الخلط، وباستعمال بعض الاصطلاحات المبهمة.. مثلًا قوله بأنهم يقرأون القرآن دون وسيط، هنا نسأل: لو أن غير عربي أراد قراءة القرآن، ألا يحتاج إلى من يعلمّه اللغة التي يستطيع أن يقرأ بها حروف القرآن؟ فهل هذا يسميه وسيطًا مثلًا أم لا؟ إن سماه، كفانا الجواب عن شعاره (يقرأه بدون وسيط)؛ وإن لم يسمه وسيطًا، قيل له: فإن الحاجة إلى العلماء الذين يبينون للناس معاني القرآن ليست وسيطًا حتى تنفيه.. فكيفما كان فهو ينقض أصله.
– ما خطورة ما يدعو إليه بقوله: “ما أدعو له هو النظر إلى الإسلام من داخل التنزيل الحكيم لا خارجه، وقراءة هذا الكتاب وفق الأرضية المعرفية لكل عصر”؟ مع ملاحظة أنه هنا في الفقرة الأولى يطرح نفسه كمن يريد تفعيل القرآن لا تجاوزه.. وكأنه يغار عليه!!
شحرور يكثر من القواعد غير السليمة.. كيف يريد أن يقرأ الإسلام من داخله، وهو نفسه يريد أن يضعه على أرضية معرفية لكل عصر، فالأرضية المعرفية حتمًا ليست محصورة في الإسلام، فقد يكتشف غير المسلمين علومًا كثيرة دون أن يكونوا طالعوا القرآن.. ولكنه يقصد هنا ما صرح به مرارًا بالتقارب مع الليبرالية، بحجة أنها من معارف العصر، فهو يحاول إدخال المفاهيم الليبرالية في إطار من الخطاب الديني، كون الخطاب الديني أقرب إلى الأسماع.
إنه لا يتقارب مع معارف العصر بقدر ما أنه يتقارب مع أيديولوجيات سياسية، في أحسن الأحوال، ويسمي هذا بالمعارف!
– كيف ترى الحفاوة والتكريم الذي يناله محمد شحرور من البعض؟
متوقع، فقد يُحتفى بأي شخص، وليس هذا علامة على صحة منهجه.. في يومٍ من الأيام حصل تصويت على إعدام سقراط، في عصر كان يمجّد فيه الكثير من الطغاة، فهذا شيء متوقع، والصحة والخطأ لا تتبع الاحتفاء من عدمه، ويحضرني هنا مقولة لفوشيون: إذا ما غمرك الدهماء بالتأييد والإعجاب، فتحسس أخطاءَك.
– لكم اهتمام بالرد على من يثيرون جدلاً؛ مثل الرد على رشيد أيلال وعدنان إبراهيم، ومحمد شحرور.. هل ثمة قاسم مشترك بينهم؟
الصواب له مقاييس والخطأ لا ينحصر، لو قلنا بحقيقة علمية معينة، فهي محصورة، لكن الانحراف عنها هذا فيه احتمالات كبيرة، لكن تبقى بعض القواسم بين العديد من المذكورين.
وأهم هذه القواسم مغالطة تسمى بالإسقاط، أي أن تأتي لأيديولوجيا سياسية معينة، مثل الليبرالية، وتعتبر ما تقوله مسلّمات، ثم لما تحاكم الإسلام إليها ستجد أنه مختلف عنها، وبالتالي ترفض منه ما ترفضه الليبرالية.. فعمليًا، يكون الموضوع ليس تجديدًا للإسلام، ولا حتى قراءة خاطئة؛ بل إرادة منحرفة عن الحقيقة لنصرة هذه الأيديولوجيا، لا مجرد خطأ في الفهم.
– ما أهم التحديات التي تواجه الفكر الإسلامي المعاصر؟ وما الذي ينقصه حتى يكون أكثر فاعلية؟
التحديات كثيرة، وقديمًا كانت تحديات، وقد زال بعضها وبقي الإسلام بأصوله وقواعده وفروعه محفوظًا.. لكن واحدة من أهم التحديات اليوم تلك الأفكار الفلسفية التي يريد أصحابها زجها في الإسلام اعتباطًا، ويضمنون بهذا أن لا نحاكمهم لأفكارهم، بل يختبئون خلف النص المقدس..
فنحتاج إلى تفعيل الدراسة الفلسفية بين طلاب العلم الشرعي؛ ليعرفوا أي شيء أمامهم، وليكون لهم خبرة بأقوال الفلاسفة وأصولها، ومن يقلدون بعض التوجهات التي لا تتفق مع الإسلام ويريدون محاكمة الإسلام إليها.. مع جمعهم لذلك معرفة العلوم الشرعية.