ظهر مؤخرًا، وبالتحديد في شهر مارس من عام 2022 كتاب “أسطورة إفريقيا وعالمها الشيخ عثمان بن فودي” للأديب والدبلوماسي القطري الدكتور علي بن غانم الهاجري، ليضيء أرشيف المكتبات العربية والعالمية بشخصية لا تزال مغمورة في العالم العربي رغم ما لها من تأثير كبير في قارة إفريقيا السمراء عامة وفي غرب إفريقيا خاصة. ويمثّل ظهور هذا الكتاب قفزة نوعية في التأليف عن شخصية الشيخ عثمان بن فوديو، حيث يعد الكتاب أحد أهم الكتب التي كتبت في الآونة الأخيرة، وبالتحديد في القرن الحادي والعشرين حول شخصية الشيخ عثمان بن فودي. وهو كتاب يسعى إلى التعريف بهذا العَلم الفذّ من أعلام القارة السمراء مع إبراز دوره الريادي في مختلف الأصعدة.
والدكتور غانم الهاجري صاحب مشروع بحثي عملاق يحاول من خلاله التنقيب عن كنوز الإرث الحضاري الإسلامي وإبراز الدور الرائد لأبناء هذه الثقافة في صرح الفكر الإنساني قاطبة من أقصى المعمورة شرقا إلى أقصاها غربا، فألف كتابا حول أسرة مينغ الصينية التي أسست أعظم إمبراطورياتها على يد كبيرها تشودي ومؤسس دبلوماسيتها وأعظم بحاريها تشنغ خي، ثم أتحفنا بكتاب آخر بعنوان: “السلطنة الجبرية”، ثم واصلت سفنه البحثية الإبحار تشق عباب البحار فكان من ثمار ذلك أنه انطلق نحو الغرب باتجاه ديار الأندلس ليطلعنا على شخصية عظيمة من خلال كتابه “الحاجب المنصور أسطورة الأندلس”، ثم وقف أخيرا في الشواطئ الإفريقية ليعرّفنا بأحد أهم رواد العمل الإنساني هناك، إنه عثمان بن فودي، تلك الشخصية المجدّدة للفكر والثقافة والتنمية في القارة السمراء.
ويهدف هذا المقال إلى إلقاء الضوء على جانب واحد من أهم الجوانب التي غطّاها هذا الكتاب القيم، ألا وهو سيرة الشيخ عثمان بن فودي.
الشيخ عثمان بن فودي ومكانته في تاريخ القارة السمراء
يُعدّ الشيخ عثمان بن فودي من أهم الشخصيات العلمية والسياسية التي تركت بصماتها الواضحة في سماء القارة الإفريقية، والذي “سجّل له التاريخ بمداد من ذهب صفحة فاخرة من الأمجاد، فهو من الشخصيات العلمية والقيادية الإسلامية، التي أخذت على عاتقها مسؤولية الإصلاح والتوعية العامة في القارة الإفريقية” (1) ، بل “إن الشيخ عثمان بن فودي كان قائدا ومصلحا ومجدِّد، ومؤسس إمبراطورية تعدّ الأولى من نوعها في التاريخ الإسلامي في غرب القارة السمراء؛ عُرفت ب”الدولة الفولانية” (1219-1321 ه/ 1804-1903م) نسبة إلى قبيلة “الفولاني” التي ينتمي إليها الشيخ عثمان، تمتد من غربي “النِيجَر” غربا إلى حدود “البرنو” شرقا، وإلى الجنوب حتى “أدماوا” شمال الكاميرون، وإلى مشارف الصحراء الكبرى شمالا، وظل أولاده وتلامذته يحكمون الدولة طوال قرن من الزمان” (2).
فصول الكتاب
تمّ تقسيم هذا الكتاب القيم إلى أربعة فصول، تناول الفصل الأول سيرة مفصلة عن الشيخ عثمان بن فودي وصفاته، وعالج الفصل الثاني حركة الشيخ عثمان بن فودي الإصلاحية والمراحل التي مرت بها، وعرّج الكتاب في الفصل الثالث على الجهود التي بذلها الشيخ عثمان بن فودي في إرساء نظم الحكم والإدارة، ثم وقف في الفصل الرابع والأخير على جهود الشيخ عثمان بن فودي العلمية. ويهم الكاتب في هذا المقال الموجز أهم ما ورد في الفصل الأول من الكتاب.
ركّز الفصل الأول من الكتاب على سبعة عناصر مهمة، وهي كالآتي:
- اسم الشيخ عثمان بن فودي ونسبه
استعرض الكاتب آراء المؤرخين حول اسم الشيخ عثمان بن فودي، مبينا اختلافات المؤرخين حول اسمه ولقبه. إلا أنه رجح رأي الوزير جنيد، لكونه ينتمي إلى نفس أسرة الشيخ عثمان بن فودي، وهذا الرأي يتمثل في الآتي: “فهو سيدنا عثمان بن محمد فُودُي بن عثمان بن صالح بن هارون بن محمد غُورطُو بن جُبّو بن محمد سنب بن أيوب بن ماسران بن أيوب بن بابَ بن أبي بكر بن موسى جكّل، وهو من أبناء إمام دمب (3). كما أشار إلى نسب الشيخ عثمان بن فودي وما ورد في ذلك من أقوال المؤرخين، حيث ذكروا بأن نسبه يرجع إلى القبيلة الفولانية (Fulani) العريقة في الإسلام، وبأنها قبيلة اختلف المؤرخون في أصلها، حيث هناك من ذهبوا إلى أنهم من الفرس نزحوا من آسيا، أو من اليهود أو من أصول صومالية أو نوبية أو حبشية، أو عربية. إلا أن الكاتب رجّح أنه ينتمي إلى أصل عربي الأخير لأسباب علمية أشار إليها، منها: إقرار الفولانيين أنفسهم بأن نسبهم يرجع إلى سلالة عقبة بن نافع بدليل دامغ (4).
- هجرة أجداد الشيخ عثمان بن فودي
أشار الكاتب -معتمدا على عدد من المراجع العلمية- إلى أن الجد الأكبر للشيخ عثمان بن فودي موسى جُكّل هاجر إلى “السودان الأوسط”، من “السنغال” الكائنة في “السودان الغربي”. ثم ذكر اختلاف روايات المؤرخين حول تاريخ الهجرة وأسبابها، إذ رأى بعض المؤرخين بأن هجرتهم كانت في القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي نتيجة غزو المرابطين، وقيل نتيجة قيام ثورة في البلاد، وقيل نتيجة الاشتباكات السياسية على السلطة. وكانت هجرة هذه المجموعة الفلانية إلى بلاد الهوسا في القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي، وبالتحديد إلى أرض “قنّ”، ثم انتشروا في بلاد هوسا فيما بعد (5).
- مولده ونشأته ودراسته
تضاربت روايات المؤرخين واختلفت في تاريخ ولادته، فهناك من يذكر ولادته في عام 1169ه / 1755- 1756م، وقيل في 29 صفر 1168ه/ 15 ديسمبر 1754م ولكنهم يتفقون أن ولادته كانت في قرية “مارتا” بحي “التوردب” على أطراف إقليم “غوبر” من منطقة “صكّتو” (Sokoto) من بلاد “الهوسا” في نيجيريا الحالية. أما فيما يتعلق بوفاته فقد رجح الكاتب الرواية التي ذكرت أنه توفي في الفاتح من محرم 1166ه / 8 نوفمبر 1952م. وأما بالنسبة لنشأة الشيخ فقد نشأ في أسرة متدينة ومثقفة بثقافة علمية عالية، حيث أن أغلب مدرسيه وعلمائه كانوا من الآباء والأجداد والأعمام، فدرس اللغة العربية وقرأ القرآن الكريم وحفظه، وقد ساعده والده على تنمية ملكة التعمق في العلوم الدينية. وقد ورد أن الشيخ عثمان بن فودي بدأ تعليمه على يدي والده الشيخ محمد بن عثمان (فودي)، فتعلم منه مبادئ اللغة العربية، وقرأ عليه القرآن الكريم، ومبادئ العلوم الشرعية واللغوية، وأخذها كذلك عن والدته “حواء” وجدته “رقية”.
كما درس بعد ذلك على يدي بعض الشيوخ في منطقته. ويعد الشيخ جبريل من الشيوخ الذين أثّروا في الشيخ عثمان تأثيرا كبيرا، وبخاصة في حركته الإصلاحية. وهكذا أخذ الشيخ عثمان بن فودي ينهل من شتى العلوم حتى أتقن العلوم المشهورة في عصره، من علوم دينية من: تفسير وفقه وعلومه، وفرائض، وحديث، وعلوم اللغة من: نحو، وصرف، ومعاني، وبيان، ودرس الحساب، وعلوم السياسة، والتاريخ (6).
إقرأ أيضا :
جهود العلماء الأفارقة في نشر الثقافة العربية والإسلامية
- زوجاته وأبناؤه
تزوج الشيخ عثمان بن فودي أربعا من الزوجات على الأقل، ورُزق بعدد من الأبناء والبنات. ولكن أشهر أبنائه محمد بلّو الذي نشأ نشأة علمية؛ إذ كان لا يفارق والده في مجالسه، وقد خلّف إرثا علميّا بحدود 200 مؤلف في علوم شتى، وهو من خلف والده بالحكم على عرش الدولة الصكتية(7).
- صفاته ووفاته
تطرق كتاب “أسطورة إفريقيا وعالمها الشيخ عثمان بن فودي” أيضا إلى الصفات التي تميز بها الشيخ عثمان بن فودي والتي أهلته ليقوم بدور المصلح الديني بالطريقة المناسبة، حيث أنها “كثيرة هي تلك الصفات التي اجتمعت في شخصية الشيخ عثمان فودي، فلم يكن هذا الشيخ الذي استطاع أن يُبني أسس دولة دامت مدة قرن (1219-1321ه/ 1804-1903م) في حقيقة أمره، إلا رجلا تشبع بثقافة إسلامية واسعة، ومُنح من الصفات الخلقية، والمواهب العقلية، والشجاعة في الرأي، والصدق في الإيمان، والإخلاص في العمل، وحسن الموعظة..”. أما بالنسبة لوفاته فقد ذكر الكاتب أنه “بعد ثلاثة وستين عاما من الكفاح والنضال توفي الشيخ عثمان بن فودي عام (1232ه/1817م)، بعد مرض استمر به سنة، ودُفن في مدينة “سوكوتو” وخلفه ابنه الشيخ الإمام محمد بلّو” (9).
- أقوال بعض العلماء العارفين بالشيخ عثمان بن فودي
أشاد بالشيخ عثمان بن فودي كثير من العلماء العارفين به منهم، المرأة الصالحة أم هانئ الفلانية، والشيخ مختار بن أحمد الكانتي القادري، والشيخ العلامة عبد الله بن فودي، والشيخ العلامة محمد بلّو، والسلطان المغربي سليمان العلوي(9).
الخاتمة
قدم مؤلف هذا الكتاب نبذة حول سيرة الشيخ عثمان بن فودي، بدءً بنسبه واسمه وهجرة أجداده، مرورًا بمولده، ونشأته، ودراسته، وصولاً إلى زوجاته وأبنائه، وصفاته، ووفاته، وانتهاءً بحياته الدينية، وأقوال بعض العلماء العارفين بالشيخ عثمان بن فودي. ولا شك أن مؤلف الكتاب الدكتور علي بن غانم الهاجري قد بذل جهدا كبيرا من أجل أن يقدم للقارئ العربي كشكولا يجمع في طياته الدرر الثمينة حول هذه الشخصية العظيمة. وهذا من شأنه أن يفتح آفاق واسعة ويمهد السبيل للمؤرخين العرب من أجل تركيز بوصلتهم والقيام بأعمال علمية جادة حول قارة إفريقيا السمراء التي ظل تاريخها مغمورا لدى كثير من العرب.
(1) الهاجري، علي بن غانم (2022) أسطورة إفريقيا وعالمها الشيخ عثمان بن فودي، ط1، منشورات ضفاف/منشورات الاختلاف، ص:11
(2) المرجع نفسه، ص11-12.
(3) الهاجري، علي بن غانم، ص17-19
(4) الهاجري، علي بن غانم، ص20-23
(5) الهاجري، علي بن غانم ، ص24-28
(6) الهاجري، علي بن غانم، ص29-36
(7) الهاجري، علي بن غانم، ص37-38
(8) الهاجري، علي بن غانم، ص39-42
(9) الهاجري، علي بن غانم، ص50-52