يميل معظم الناس إلى التثبت بعاداتهم ومعاييرهم ورؤيتهم للحياة، وينظرون إلى كل ذلك وكأنه جزء عزيز من شخصياتهم، مع أنهم يعرفون أن كثيراً منها تم تبنيه واكتسابه بفعل الضغط الاجتماعي أو بفعل المعلومات والأفكار والمعطيات المتوفرة.
نحن في حاجة اليوم إلى كسر كثير من تقاليدنا الشخصية القديمة، لأنها باتت تشكل سداً منيعاً في وجه التقدم والتلاؤم مع ظروف العصر، ولدّي ملاحظتان سريعتان في هذا الشأن:
– لعل من أكبر الأخطاء التي يرتكبها الواحد منا -على صعيده الشخصي- نظره إلى نفسه وكأنه جزيرة معزولة عن كل محيطها، فهو لا يأبه بكل الأشياء الجديدة ، ولا يعبأ بأي تغيير يحدث مهما كان عظيماً، مع أن المتأمل يجد أن الكون كلّه مكوَّن من مجموعة من المنظومات.
ولا يشكّل الإنسان استثناء من القاعدة، فكل مفردة مما في حوزتنا هي عبارة عن جزء من منظومة معينة: الذكاء والمال والجمال والكياسة والمهارة والاستقامة والفكر والفهم.
– إن هذه الأشياء تتمتع بوجودين: وجود ذاتي، يمكن قياسه ولمسه وتحديده، ووجود يمكن أن نقول: إنه (اجتماعي).
ولتوضيح الفكرة يمكن أن نشبه ما لدينا من مهارات وإمكانات بالورقة النقدية، فهي ذات قيمة نقدية محددة، فـ(الدولار) مثلاً هو الدولار، لكن قوته الشرائية تختلف من بلد إلى بلد، فإذا ذهبت إلى بلد شديد الغلاء مثل (اليابان) وجدت أن الدولار لا يكاد يشتري أي شيء، وإذا ذهبت إلى بلد مثل أفغانستان وجدت أن الدولار يشتري العديد من الأشياء.
إذن لسنا نحن الذين نحدد قيمة ما لدينا، وإنما يحدده (السوق) بأوسع ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وكما قال أحدهم: “ما قيمة الشهادات التي حصلت عليها، وما قيمة الدورات التي حضرتها، وما قيمة نظرة الانبهار التي يمنحك إياها أبواك وإخوتك، ما قيمة كل هذا إذا وجدنا أنك منذ ثلاث سنوات لم تستطع الحصول على وظيفة جيدة مع كثرة بحثك وشدة حاجتك؟!”، هذا يتطلب من كل واحد منّا أن يقوّم كل ما لديه من أفق محيطه ومن خلال القيمة العملية له.
قد رأيت بعض الأشخاص الذين يعجبك كلامهم عن الإدارة وعن التطوير والتحديث، لكنهم يعملون في مؤسسات فاشلة، ولهم مع ذلك تأثير محدود فيها.