لا يهدف الكتاب إلى “بناء تفسير محكم لتاريخ مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر، أو لجيش محمد علي وانتصاراته، او حتى لبنية الجيش الداخلية وصراعاته الاجتماعية ” ولكنه إلى جانب كل ذلك “يهدف قبل كل شيء إلى إسقاط مجموعة متنوعة من الحصون التقليدية المنيعة في تقاليد الكتابة التاريخية ، المصرية خصوصا.” هكذا يقدم المترجم شريف يونس كتاب “كل رجال الباشا.. محمد علي وجيشه وبناء مصر الحديثة” لمؤلفه خالد فهمي ، رئيس قسم التاريخ بالجامعة الاميركية في القاهرة .
الكتاب ينقض الكثير من المسلمات الراسخة في الثقافة العامة المصرية والعربية حول دور محمد علي باشا في بناء مصر الحديثة، ويحاول المؤلف عبر صفحات الكتاب التاكيد على البعد العثماني لشخصية محمد علي ،وكيف أثر ذلك في مشروعه وتجربته في مصر وتطلعاته . ويرى خالد فهمي ان وضع تجربة محمد علي في الاطار العثماني يسمح بتفسيرها وفهمها بشكل أفضل، فهو في النهاية وال عثماني مرتبط باسطنبول وبكل ما يجري فيها ، ويتاثر باي صراعات قد تؤثر على حكمه لمصر .
ويجادل فهمي في ان انجازات محمد علي وانتصاراته ما كان لها أن تكون لولا مساهمة ومساعدة المصريين أنفسهم ، بغض النظر عن قوة وفعالية إدارة محمد علي لمصر .
من دفع ثمن نهضة مصر التي تحققت في القرن التاسع عشر ، النهضة التي شملت قطاعات كثيرة وكبيرة ، وما إذا كانت هذه النهضة تستحق التضحيات والأثمان التي دفعها الشعب المصري .
ويتحدث فهمي عن مؤسسة الجيش كمثال على ذلك ، لكنه يحاول قراءة هذا التاريخ من زاوية مختلفة ، ليست زاوية الجنرالات والقادة والساسة وانما الجنود الصغار .
ويطرح فهمي تساؤلا كبيرا حول من دفع ثمن نهضة مصر التي تحققت في القرن التاسع عشر ، النهضة التي شملت قطاعات كثيرة وكبيرة ، وما إذا كانت هذه النهضة تستحق التضحيات والأثمان التي دفعها الشعب المصري .
وهو ينقض فكرة ان مصر كانت تعيش في جمود وتخلف قبل محمد علي ، مشيرا إلى أن هذه المقولات( الادعاءات ) رددها محمد علي في إطار الترويج لنفسه كقائد فذ ، ورددتها ذريته ممن حكموا مصر من بعده .
يقول فهمي في مقدمة كتابه ” مهمتي الأساسية أن الفت النظر إلى أهمية الفرد العادي الذي لا ينتمي إلى الصفوة في صنع التاريخ، وهي مهمة صعبة لا مراء، وصعوبتها تكمن إلى حد ما في عدم قدرتنا نحن على التخلي عن اعتقاد رسخناه في أذهانا مفاده أننا لا نصنع تاريخنا بأيدينا ، وأن علينا أن ننتظر من سيهبط علينا من السماء لينتشلنا من وهدتنا التي لا نستطيع إزاءها شيئا. ” ويضيف فهمي أن كتابة تاريخ مصر أثناء حكم محمد علي بشكل نقدي لا يغفل دور بسطاء المصريين “يطرح مسألة المصادر ، وتحديدا إذا كانت تلك المصادر متواجدة،وإن وجدت هلى تتيح لنا بالفعل كتابة تاريخ من أسفل”؟.. ويتابع ان هذا الكتاب يؤكد بالفعل وجود المصادر “التي تمكننا من النظر لمحمد علي بشكل نقدي ، كما نمتلك من الوثائق ما يمكننا من أن نضع أيدينا على إسهامات بسطاء المصريين وتضحياتهم في النصف الاول من القرن التاسع عشر ” الامر الذي يطرح تساؤلا آخر عن سبب إفال وتجاهل تلك المصادر والوثائق في كل ما سبق وكتب عن حقبة محمد علي .
هذا الكتاب يؤكد بالفعل وجود المصادر “التي تمكننا من النظر لمحمد علي بشكل نقدي ، كما نمتلك من الوثائق ما يمكننا من أن نضع أيدينا على إسهامات بسطاء المصريين وتضحياتهم”
الكتاب الذي يقع في نحو 400 صفحة يتضمن سبعة فصول تتناول الكثير من مراسلات محمد علي باشا ، ويستند فهمي فيها بشكل أساسي على وثائق “دار الوثائق المصرية”، تعرض أيضا للحياة الاجتماعية والعسكرية القاسية التي عاشها الفلاحون المصريون الذين تحولوا إلى جنود .
يبدأ الفصل الأول بعرض لحملة الشام (1840-1831) اهم الحملات التي خاضها جيش محمد علي ، وينتهي الفصل بتحليل صلح “كوتاهية”الذي أنهى الجولة الأولى من المواجهة العسكرية بين محمد علي والسلطان محمود الثاني.ويكشف الفصل الثاني النقاب عن أصول فكرة بناء جيش حديث ، ويعرض الفصل الثالث لعملية تدريب المجندين الجدد “الكارهين للتجنيد في معظم الحالات”. ويتناول الفصل الرابع المعركة الرئيسية التي خاضها جيش محمد علي ضد الجيش العثماني وهي معركة “قونية”(ديسمبر 1832 )، بينما يقدم الفصل الخامس رؤية للجندي في المعسكرات والثكنات . وفي الفصل السادس يطرح الكاتب ” السؤال المركزي عن الدور الذي لعبه الجيش في خلق النزعة القومية المصرية خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر”. وينهي الفصل السابع برواية عما قد تبدو عليه سيرة محمد علي العملية إذا ما وضعت في سياقها الأوسع ..السياق العثماني.