قال تعالى : (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن) [سورة الرحمن: 29] هذه الآية فيها جملتان، الأولى : “يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ”، ومعناها أن كل المخلوقات محتاجة إليه، تطلب منه بلسان حالها أو مقالها كل ما تريده من رزق ورحمة ومغفرة وما إلى ذلك.
والجملة الثانية: هي (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن) والكلام في تفسيرها كثير، ولكن يجب أن ونعلم أن الله سبحانه علم كل شيء قبل أن يخلقه، وكتب في اللوح المحفوظ ما سيكون عليه كل مخلوق وما يجري على العالم كله، فعِلْمُه سبحانه لا يتغيَّر في أي يوم من الأيام، أي مطلقًا سواء أردنا بالأيام أيام الدنيا، أو أردنا أنها يومان، يوم للدنيا ويوم للآخرة، هو بقدرته سبحانه ينفذ مضمون علمه، وذلك يقتضي إشرافه الدائم على شئون خلقه، لا يشغله شأن عن شأن، فهو ليس مثلنا إذا شغلنا بشيء شغلنا عن الآخر في اللحظة الواحدة، على حد قوله تعالى : (مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) ([سورة الأحزاب : 4]
وهو بوجوده الدائم وألوهيته المستمرة حاضر لا يغيب، مسيطر على الكون كله، ومتصرف فيه بقدرته حسب علمه وإرادته، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويشفي سقيمًا ويُسقم سليمًا، ويبتلي معافى ويعافي مُبتلى ويعز ذليلاً ويذل عزيزًا، ويفقر غنيًا ويغني فقيرًا إلى غير ذلك من سائر التصرفات، وهي كلها ـ كما عبَّر بعض الكاتبين ـ أمور يبديها ولا يبتديها، أي يظهرها وهي معلومة له من قبل، فلا يبدأ عملها عند وجودها.
والإله الذي بهذا الوصف لا يمكن حصر أفعاله ولا أوامره التي ينفذ بها مقاديره، قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفَدَتْ كَلِمَاتُ الله إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [سورة لقمان : 27] وقال : (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) [سورة الكهف : 109] وهو حده القادر على السيطرة على العالم كله، كما قال سبحانه (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) [سورة فاطر : 41].
وبعد، فإن قوله تعالى : (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن) يقوي فينا الإيمان بالحاجة الدائمة إليه، فلا نرجو أحداً سواه؛ لأنه حاضر لا يغيب، يجيب المضطر إذا دعاه، ويستجيب لمن ناداه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [سورة فاطر : 15] (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [سورة يس : 83].