لا أدري لماذا يجنح الخطاب الوعظي عندنا إلى التفسير القدري الغيبي خاصة فيما يتعلق بالأوبئة والكوارث والزلازل، ويتم الاستشهاد عادة بمثل قوله تعالى ( وما يعلم جنود ربك إلا هو) مما يوحي للمتلقي البسيط ولغير المسلمين خاصة أن (الله) بالمنظور الإسلامي كأنه عدوّ للبشر، وهو في حالة حرب دائمة معهم، هكذا صرٓح لي أحدهم – تعالى الله عن قوله- قال: إن رب المسلمين مصاب بالسادية!!
إن قول الخطيب على منبر الجمعة مثلا: إن هذا الوباء كورونا جندي من جنود الله، يوحي للمتلقي بأننا نحن المسلمين متعاطفون مع هذا الوباء!! حتى لو كان الخطيب لا يقصد ذلك.. إذ عباد الله لابد أن يتعاطفوا مع جنود الله!! هذه هي الرسالة التي يتلقاها الناس.
بينما الموقف الشرعي العملي التكليفي أن نفهم الناس أن هذا الوباء خطر على البشرية وأننا نحن المسلمين مأمورون شرعًا بمكافحة هذا الوباء ومستعدون للتعاون في ذلك مع كل البشر.
لاحظوا أين يقودنا التفسير القدري وأين يقودنا التفسير الشرعي العملي، من هنا نؤكد المنهج الإسلامي الصحيح أنه نؤمن بالقدر إيمانًا إجماليا دون تحكم أو تحليل أو تفسير، فهذا كله من غيب الله الذي لا يمكن الجزم به إلا بوحي، بينما الواجب التكليفي المتعلق بما ينبغي أن نفعله إزاء كل قضية أو نازلة هو مجال البحث التفصيلي المعمق ، والذي لا تبرأ ذمتنا أمام الله إلا به.
إن الفرق بين رسالة ( كورونا جندي من جنود الله) و بين رسالة (كورونا شر محض وعدو يجب علينا مكافحته) فرق عميق في نظرتنا للإسلام، ونظرتنا للعلاقة بين الله تعالى وخلقه، ونظرتنا للمسؤولية الإنسانية في إعمار الأرض وحمايتها وفق رسالة الإنسان الكبرى (إني جاعل في الأرض خليفة).