ضمن فعاليات التعاون الثقافي المشترك بين مركزالدوحة الدولي لحوار الأديان والمؤسسة العامة للحي الثقافي – كتارا، عقدت ندوة ثقافية بعنوان «الحوار وبناء السلام في الرواية العربية» وذلك بحضور ومشاركة نخبة من الباحثين والأكاديميين المتخصصين في الأدب العربي والدراسات الإنسانية والحضارية والأديان .
وعن أهمية الندوة، أكد سعادة الدكتور إبراهيم بن صالح النعيمي، رئيس مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، أن هذه الفعالية تأتي ضمن رؤية المركز الهادفة إلى توسيع دوائر الحوار، من خلال توظيف الأدب والفنون الإنسانية كجسور للتلاقي بين الثقافات. وأضاف: “إن استثمارنا للمنصات الثقافية الكبرى مثل مهرجان كتارا للرواية العربية ليس مجرد مشاركة رمزية، بل هو وعي بأهمية الأدب في بناء السلام. فالرواية حين تروى بصدق ووفق أصول فن الرواية، تكون قادرة على تفكيك الصور النمطية، وتعميق الفهم المتبادل بين الشعوب، وتجسيد القيم التي نؤمن بها في المركز، وهي التسامح، والاحترام، والتنوع.”
وقد عبر الأستاذ محمد الشهواني، رئيس قسم الأدبيات الثقافية بإدارة الشؤون الثقافية في كتارا، عن تقديره لأهمية هذه الندوة ودورها في إثراء فعاليات مهرجان كتارا للرواية العربية، موضحًا أن مثل هذه اللقاءات الفكرية تُسهم في تعميق البعد الثقافي للمهرجان وتوسيع آفاقه المعرفية. وأشاد بالتعاون البنّاء بين مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان وكتارا، معتبرًا إياه نموذجا للتكامل بين الثقافة والفكر الإنساني، معربًا عن أمله في أن يستمر هذا التعاون في مبادرات قادمة تُعزّز الحوار والتفاعل الثقافي بين المؤسسات الوطنية.
كما نوه سعادتهبأهمية الشراكــة المؤسسية بين المراكز الفكرية والمنصات الثقافية في قطر، مؤكدا أن التعاون مع كتارا يمثّل نموذجاً راقياً للتكامل بين الجهود الثقافية والعلمية في الدولة، وقال في هذا السياق: “إن التعاون بين المؤسسات الوطنية في مجالات الثقافة والحوار لا يثمر إلا وعيا أعمق، وإشعاعا أكبر لما تحققه دولة قطر من إنجازات إنسانية عالمية. فعندما تلتقي جهود الحوار الديني مع الإبداع الأدبي، تتكوّن منظومة متكاملة لبناء الوعي، وتعزيز حضور قيم التعايش في الفكر العربي والإنساني المعاصر.”
كما ثمن الأستاذ خالد المهندي، مدير مكتبة كتارا للرواية العربية، الجهود المشتركة بين الجانبين، مؤكدًا أن احتضان كتارا لهذه الندوات الأدبية والفكرية يُجسّد رسالتها في دعم الإبداع العربي وإبراز دور الأدب في تعزيز قيم التسامح والتعايش والسلام.
ومن جانبه، قدم الدكتور أحمد عبد الرحيم، الباحث الأول بمركز الدوحة الدولي لحوار الأديان والقائم بأعمال مدير المركز، مداخلةً أوضح فيها أهداف المركز ورؤيته، مشيرًا إلى حرصه على اختيار موضوعات نوعية تُجسّد رسالته في تعزيز الحوار والتفاهم بين أتباع الأديان والثقافات، من خلال المناقشات العلمية الجادة والمنصّات الفكرية الرصينة.
وشارك في الندوة نخبة من الأكاديميين والباحثين المتخصصين في الأدب العربي والدراسات الإنسانية، حيث قدّم الدكتور بدران بن لحسن، مدير مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، مداخلة بعنوان «تجليات التعايش والحوار في رواية “أربعون عامًا في انتظار إيزابيل” للروائي الجزائري سعيد خطيبي، الفائز بجائزة كتارا عام 2017»، تناول فيها كيف تجسّد الرواية مفهوم الحوار الإنساني وتفاعل الثقافات من خلال السرد الأدبي.
كما قدمت الدكتورة نبراس إبراهيم، الباحثة والصحفية المتخصصة في الأدب والإعلام، والحاصلة على ماجستير في الدراسات الأدبية ودكتوراه في الدراسات الإعلامية، ورقةً بعنوان «المرأة العربية في الرواية صوتًا للحوار وصانعةً للسلام: قراءة في ثلاثية غرناطة للأديبة رضوى عاشور»، ركّزت فيها على دور المرأة في الأدب العربي كقوة فاعلة في بناء الوعي الإنساني والحضاري.
من جانبه، تحدّث الدكتور مختار خواجة، الباحث في الدراسات الحضارية والاستشراقية والروائي المعروف، في مداخلته المعنونة «الحوار الحضاري في الرواية: موسم الهجرة إلى الشمال للطّيب صالح نموذجًا»، عن التفاعل الثقافي بين الشرق والغرب، وكيف جسّدت الرواية مفهوم الحوار الحضاري ومساءلة الآخر من منظور أدبي إنساني.
وقد أدار الندوة الدكتور سيكو مارافا توري، الباحث الأول في مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، الذي تولّى تسيير الجلسة بحوار علمي متوازن بين المتحدثين، مع تسليط الضوء على البعد الإنساني المشترك بين الرواية والحوار وبناء السلام.
هذا وقد تناولت الندوة أربعة محاور رئيسية:
- المحور الأول: مدخل علمي إلى العلاقة بين الحوار والرواية، حيث تحدث الدكتور بدران بن لحسن عن التكامل المعرفي بين قيم التسامح وفن الرواية، وأشارت الدكتورة نبراس إبراهيم إلى التفاعل بين الأدب والإعلام وقضايا المرأة في الرواية العربية، بينما ناقش الدكتور مختار خواجة حضور قيم السلام في أعمال الأديب السوداني الطيب صالح.
- المحور الثاني: التعريف بالشخصيات المختارة ونبذة عن أعمالهم، حيث استعرض الدكتور بدران رواية «أربعون عامًا في انتظار إيزابيل» للروائي الجزائري سعيد خطيبي، وتناولت الدكتورة نبراس «ثلاثية غرناطة» للأديبة رضوى عاشور، فيما عرض الدكتور مختار خصوصية رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» ومكانتها في الأدب العربي الحديث.
- المحور الثالث: نماذج عملية للحوار وبناء السلام في الرواية العربية، بدءاً بتحليل مظاهر التعايش في الرواية الأولى (قدّمها الدكتور بدران)، ثم طرح الدكتورة نبراس كيف يمكن للمرأة في الرواية العربية أن تكون صوتاً للحوار وصانعةً للسلام، وأخيراً عرض الدكتور مختار كيف تجسّد رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» ثقافة الحوار والتفاعل الحضاري بين الشرق والغرب.
- المحور الرابع: فن الرواية وقضايا الحوار وبناء السلام، حيث بيّن الدكتور بدران أهم القضايا الفنية والسردية التي ميّزت رواية «أربعون عامًا في انتظار إيزابيل» ودورها الإنساني، ثم أوضحت الدكتورة نبراس أبرز عناصر البناء الروائي في «ثلاثية غرناطة» من حيث المكان والزمان والحدث والحبكة، واختتم الدكتور مختار بمناقشة أدوات السرد الروائي والمقاربات النقدية والفكرية لقراءة جديدة لرواية «موسم الهجرة إلى الشمال» في ضوء قيم التعايش والسلام.
خلال الجلسات أثرت مداخلات المشاركين وأسئلتهم الحوار العلمي والثقافي، حيث طرح الحضور تساؤلات حول قدرة الرواية على مواجهة الخطاب الكراهية، وإبراز تجارب التعايش، وناقشوا كيفية ترجمة الدلالات الإنسانية للروايات إلى مبادرات ثقافية مؤسسية.
وأوصى المشاركون بضرورة تعزيز التعاون المؤسسي بين المراكز البحثية والثقافية في العالم العربي لدعم الأدب الملتزم بالقيم الإنسانية، وتشجيع المشاريع الأدبية التي تركز على التعايش والسلام، بما يسهم في ترسيخ دور الثقافة العربية في بناء عالم أكثر إنصافاً وتفهماً.
في الختام، تقدّم الأستاذ محمد شهواني، رئيس قسم الأدبيات الثقافية في كتارا، بتكريم المشاركين وتقديم شهادات تقدير للضيوف المتحدثين ومدير الندوة، تقديراً لمساهمتهم في إثراء الحوار الثقافي والفكري، وتعبيراً عن تقدير المركز للجهود البحثية التي تسهم في نشر ثقافة السلام والتفاهم بين الشعوب.
