يعاني الآباء والأمهات من حيرة لا حدود لها في كيفية التعامل مع الفتاة المراهقة، أكثر مما يعانون مع الإبن المراهق، وذلك لأسباب عديدة تتعلق بالدين والعادات والتقاليد وغيرها. فالفتاة التي تريد التحرر وعدم الالتزام بقواعد ونظام البيت، تُصعّب المهمة كثيرا على أهلها، فكيف تتقربين من ابنتك المراهقة؟ وكيف تعامليها من دون أن تظلميها أو تسببين لها جروحا نفسية؟
هناك الكثير من العائلات يملكون الطريقة التربوية الصحيحة في التعامل مع أبنائهم، طريقة تكون في العديد من الأحيان متطورة وعصرية، ولكن هناك بعض تفاصيل هذه الأساليب، تخص مرحلة المراهقة بالدرجة الأولى.
مميزات مرحلة المراهقة
هذه المرحلة -كما ذكرها الدكتور علاء الدين كفافي في كتابه “رعاية نمو الطفل” وغيره من المتخصصين في المجال التربوي- تتميز بالتالي:
- المراهقة ليست أزمة في كل المجتمعات؛ ففي حين ينظر المجتمع الحديث إلى المراهقة على أنها أعنف أزمات النمو، فإن المجتمعات البدائية تنظر إليها على أنها مرحلة من مراحل النمو الطبيعية، والتي يحتفلون بها أحيانا على أنها علامة فارقة في حياة الفرد، فقد بدأ يعتمد على نفسه ويستقل، خاصة من الناحية الاقتصادية، إلى جانب محاولة هذه المجتمعات تهيئة الزواج لهؤلاء البالغين، ومن ثم يواكب النضج الاقتصادي النضج الجنسي، فلا يشعر المراهق بصراعات وأزمات كما يحدث في المجتمعات الحديثة (باعتبار أن آفات المجتمعات الحديثة تنتشر عبر التلفاز والفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة، فأصبح العالم وكأنه قرية صغيرة كما يتردد الآن؛ ولذا فإن مرحلة المراهقة في كل المجتمعات تقريبا تأثرت بهذه التقنيات الحديثة، وأصبحت هذه المرحلة في معظم المجتمعات تعاني من أزمات شبيهة بأزمات المراهقة في المجتمعات الحديثة).
- كما تتسم هذه المرحلة بأنها مرحلة صراع المتناقضات، فالمراهق يرغب في الاستقلال عن والديه، ولذا نجد التمرد والعناد من أهم سمات هذه المرحلة، خاصة مع الوالدين اللذين يمثلان القيود على هذه الاستقلالية، كما ينتج الصراع بين ميله للجنس الآخر وما يحتمه عليه الدين أو التقاليد من عدم إشباع هذه الاحتياجات بشكل غير مشروع أو مقبول اجتماعيا أو دينيا.
- المراهق يصطدم كثيرا مع السلطة بكل أشكالها، فقد يصطدم مع الوالدين، وقد يصطدم مع المدرس بالمدرسة، أو المشرف بالنادي، لأن كل هؤلاء يمثلون قيودا عليه، ويحولون دون تنفيذ رغباته (انتهى كلام د.علاء الدين كفافي).
- نجد المراهقين يشعرون بالاغتراب عن باقي فئات المجتمع فيما عدا أصدقاءهم ومن يعيشون سنهم، ويرون أن الناس من حولهم لا يفهمونهم ولا يقدرون مشاعرهم، ولذا يلجئون إما للانطواء والانزواء وأحلام اليقظة، وإما للتعبير عن هذا التمرد بالاعتراض الدائم والتصادم مع من يكبرونهم أو من يمثلون السلطة الضابطة، ويكوّنون مع أصدقائهم ما يعرف بالشلة (أي المجموعة)، ويحرصون كل الحرص على إرضاء الأصدقاء بكل الوسائل، وينفقون في سبيل ذلك وقتا وجهدا ومالا، كما يقلد بعضهم بعضا، ويؤثر كل منهم في الآخر، سواء في قراراته أو أفكاره أو اتجاهاته، ويحاولون دائما التواجد معا.
المراهقة وفكرة السلطة
وبناء على ما سبق، علينا -نحن الآباء- أن نستوعب أمرا غاية في الأهمية، وهو أن المراهقين رغم تمردهم على السلطة الضابطة بشكل عام وعلى الوالدين بشكل خاص فإنهم في أشد الحاجة إلى هذه السلطة رغم زعمهم بعدم حاجتهم إليها، ولا نعني بالسلطة الضابطة القيود الصارمة التي لا مرونة فيها، بل أعني تلك السلطة القائمة على الحماية والاحتواء والحب والحزم، وهو الأمر الذي يجب أن تتسم به كل تعاملاتنا مع المراهقين ومع أبنائنا جميعا.
كيف نتفهم هذه السمات؟ وكيف نتعامل معها بحكمة شديدة وبهدوء أشد؟، وما هي الأساليب التربوية الصحيحة التي تتبعينها بالفعل؟، وما الأساليب الأخرى التي تحتاج إلى تعديل؟، وهو أمر يتطلب من الوالدين أن يدعم كل منكما الآخر، ولنبدأ الآن بخطوات عملية لتحقيق هذا الهدف:
كيف تتقربين من ابنتك المراهقة؟ .. خطوات عملية
- الاهتمام بالاستماع والإصغاء للبنت المراهقة، وتقبل ما تقوله وما تفكر فيه،أمر في غاية الأهمية.فالضحك والاستمتاع بلحظات الحياة من أفضل الطرق في التعامل مع الفتاة المراهقة في مثل هذه الفترة، وهذه ميزة لا يملكها الكثير من الناس-للأسف- فعلى من يملكها أن يتمسك بها.
- على أي أم أن تكف تماما -حتى في داخلها- عن المقارنة بين الفتاة المراهقة وأختها في أي شيء، وخاصة في رد فعل كل منهما تجاه تعاليم وقرارات البيت؛ لأن كلا منهما نسيج وحده، كما أن الفرد الذي يناقش ويحاور ويجادل هو أفضل بكثير -ما دام في حدود الأدب- ممن يستمع وينفذ دون نقاش، وهو يكتم حقيقة مشاعره تجاه هذه القرارات، فالبنت الكبرى مثلا من الممكن أن تشعر بالقهر والظلم ولا تستطيع أن تعبر عن رفضها لبعض التعليمات، فلا بد من ترك مساحة للمناقشة وللاعتراض، ولكن بشرط أن يتسم هذا الحوار وهذه المناقشة بالاحترام المتبادل بين جميع الأطراف.
- على الأم أن تجلس مع زوجها وتحاول التفاهم معه على الأطر والقواعد الأساسية لما هو مسموح وما هو غير مسموح، بحسب ما يمليه عليهما الدين وعُرف البيت، فعلى سبيل المثال: الاتفاق على موعد العودة إلى البيت وعدم التأخر عنه، مسألة الرحلات والخروج مع الأصدقاء، الأوقات غير المسموح بها لاستعمال الهاتف، الحد الأقصى للفترة الزمنية التي تستغرقها مسألة استعمال الهاتف…إلخ.على الوالدين العمل على إرساء قواعد بمعينة في البيت، وذلك بعد عرضها على الأبناء، والنقاش فيها، والاستماع إلى آرائهم، والعمل على التوصل لحل مناسب للآباء وللأبناء جميعا (إلا إذا كان ما يطلبه الأبناء مبالغ فيه: كالذهاب لرحلات مختلطة والمبيت فيها، فهو أمر مرفوض حتى لو ادعت الابنة أن المعلمات يقمن بالمحافظة عليهن، أو أن معظم صديقاتها يذهبن إلى هذه الرحلات، فهذا أمر خارج النقاش، وهو قرار لا رجعة فيه، والذي يساعد على اتخاذ مثل هذا القرار الحاسم الخلفية التربوية الدينية التي نشأت عليها الابنة منذ صغرها). وبعد أن يتم الاتفاق على كل القواعد والأطر الأساسية، مهم جدا عدم التراجع تحت أي ظروف على هذه القواعد، مهما حاول الأبناء الإلحاح أو البكاء أو استخدام أية وسيلة من وسائل الضغط.
- عليك أنت وزوجك أن تُظهرا الثقة بما تقومان به وعدم التردد؛ لأن ذلك يجرئ الأبناء على خرق القواعد، بل والتجرؤ عليكما كأبوين، فلا تتصرفا وكأنكما لا حول لكما ولا قوة مع أبنائكما، أو كأنكما قليلا الحيلة تجاه ما يصدران من تصرفات؛ فهذا المظهر من قلة الحيلة يجعل الأبناء غير واثقين في قراركما حتى لو كان صحيحا.
- لمزيد من التقرب من البنت المراهقة، يمكنك للأم أن تتحد معها فيما تهتم هي به (أي البنت)، كما يمكن أن تهدي إليها بعض الهدايا الرمزية التي يمكن أن تفرح بها، وخاصة الحلي والملابس، ولا نعني بذلك الدخول في منافسة مع الأب في كسب حب ومودة ومكانة الاأم عند ابنتها، بل المقصود هو أن تضع الأم رصيدا كبيرا من الحب والتفاهم اللذين معهما يمكن أن تتقبل البنت النصح والإرشاد، بل لتعي أيضا أن ما يفعله الوالدان وما يقررانه هو بلا شك في صالحها.
- النصيحة الأخيرة لمسألة كيف تتقربين من ابنتك المراهقة؟ هي موجهة للأم بالدرجة الأولى: لا تلعبي دور المعلم مع زوجك، خاصة في طريقة توجيهه للأبناء، فهو يضيق ذرعا بذلك؛ وأحيانا يترك للأم اتخاذ القرارات حينما يجد أن قراراته وأسلوبه لا تعجب الأم، أو أن لها تحفظات عليها دائما، ولذلك على الوالدين أن يجلسا أولا وقبل كل شيء مع بعضهما البعض لوضع النقاط على الحروف، شرط ألا تُشعر الأم الأب بأستاذيتها، وبأنه تلميذ يتلقى منها دروسا في التربية وفي كيفية توجيهه الأبناء، وهذا ليس حرصا على العلاقة بينهما فحسب لكن حرصا على العلاقة الأسرية بأكملها.