الأسئلة الدينية التي ترد من السيدات بالغة الحساسية والدقة، والمؤسف أن بعضنا قد يجيب عنها بإجابات خالية من العلم والفهم.. سأقتصر على مسألتين يظن النساء أن الحديث الشريف ضدهن بسببيهما؛ وأسهم في هذا الظن صنف ذكوري، وصنف أنثوي.
المسألة الأولى؛ حديث النبي ﷺ : “أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية”.. العلماء الذين بحثوا في فقه النص قالوا إن اللام في كلمة “ليجدوا” للتعليل لا للعاقبة، وقالوا إن المعنية بالنص هي المرأة المتعطرة (لأجل) أن يجد الرجال ريحها، ويدخل في المحظور (نية) لبس المرأة لعباءتها؛ وإن لم تتعطر، ودليلهم ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها : “أنهن كن يضمخن جباههن بالمسك ثم يحرمن ثم يعرقن فيسيل على وجوههن فيرى ذلك رسول الله ﷺ فلا ينكره”..
وخلاصة الفهم الصحيح للنصين هو أن على المرأة إن خرجت لمجامع الناس، وغلب على ظنها المرور بالرجال عدم التعطر بما ينفذ ريحه إلى الأنوف، بدليل قوله ﷺ : “إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا”، أما عكس ذلك فقد أجاب عنه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز بقوله لسائلة من الدار البيضاء: “يجوز لها ـ المرأة ـ الطيب إذا كان خروجها إلى مجمع نسائي لا تمر في الطريق على الرجال” – المجلة العربية، عدد (168)، عام 1412 ـ.. أما إزالة رائحة العرق، وغير ذلك مما يشبهه فلا شك أنه لا خلاف في لزومه؛ ونصوص الفقهاء دالة على “سنية قطع الرائحة الكريهة” المنبعثة من الجسم نفسه، أو من الملابس المصنوعة من الألياف الصناعية، أو التعرض للزحام، أو الأجواء المشمسة، أو ارتفاع معدَّل السموم بالجسم، أو تناول بعض الأنواع من الأطعمة والأدوية وغير ذلك.
المسألة الثانية، حديثه ﷺ : “أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله”، والذي فهم منه بعض السيدات عدم جواز نزع المرأة لملابسها إلا في بيتها، حتى إن بعضهن إذا تزوجت تمتنع عن المبيت في بيت غير بيت زوجها، مع أن هذا لم يقله أهل الفهم الصحيح؛ ومنهم اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة الذين ذكروا في إجابتهم عن خلع المرأة لملابسها في بيت أهلها أو أقاربها، والحديث الذي سبق ذكره: “أن مراده ـ ﷺ ـ والله أعلم: منعها من التساهل في كشف ملابسها في غير بيت زوجها على وجه ترى فيه عورتها، وتتهم فيه لقصد فعل الفاحشة ونحو ذلك، أما خلع ثيابها في محل آمن، كبيت أهلها ومحارمها لإبدالها بغيرها، أو للتنفس ونحو ذلك من المقاصد المباحة البعيدة عن الفتنة؛ فلا حرج في ذلك”، ومنه يفهم أنه لا حرج على المرأة من وضع ثيابها خارج بيتها، أو كانت مشتركة في أحد النوادي النسائية المغلقة، أو المكان الخاص بتجريب القياسات ونحو ذلك إن أمنت من أن يطلع عليها مطلع.
وأخيرا: لا يوجد نص إلا وله أنواع متعددة من الفهم، وكل منا سيفهمه بحسب نصيبه الذي آتاه الله إياه من الفهم، وحسب قدراته، ومواهبه؛ يستوي في ذلك الذكر والأنثى.