لماذا أنجبني أبي؟ سؤال يتكرر علي كثيرا من مجموعة من الشباب والشابات في مقتبل أعمارهم مستنكرين لماذا أُنجبوا! يبحثون ضمن ذكرياتهم في مراحلهم الاولى الى أن وصلوا لهذا العمر عن مواقف جميلة وايجابية للأب المربي معهم فلا يجدون بها الا غيابه عن الساحة التربوية واثره المادي، ومنهم من يجدون منه التوبيخ والشك والتحقيق والتعنيف ومنهم من يجدون منه الاهمال وغيرهم الكثير الكثير. هنا نحتاج لأن نسأل أنفسنا ما السبب؟ لماذا لم يمنح هذا الأب أبناءه ما هم بحاجته من الحب والرعاية والتربية؟!.

في كل مرة أبحث بها عن الأسباب أجد مجموعة من العوامل التي ساعدت المربي لأن يفشل في تربيته ويفشل في أن يعبر عن حبه لأبنائه بالشكل الذي سيفهمه ابنه منه وليس بأسلوبه هو.

رجل وطفل يلعبان أمام نافورة مائية تتدفق بلطف، مع تسليط الضوء على الظلال والتباين في الصورة بالأبيض والأسود.
لماذا أنجبني أبي؟

في وجهة نظري من الأسباب التي أدت لهذا الجفاف الأبوي ما يلي:

المقولة المشهورة التي كبر عليها الكثير من المربين (زوجوه يعقل) او (متى تتزوج ونشوف أولادك) أو غيرها من المقولات التي كان نتيجتها رجلا يؤدي دورا آليا فُرض عليه من المجتمع ليجد نفسه فجأة أصبح أباً! من قبلها هو زوج لديه مجموعة من المسؤوليات التي لم يقتنع بها ولكنه أُجبر عليها.

نموذج آخر لشاب نشأ في أسرة لا تعرف طرق الحب أو التعبير عنه فما كان منه إلا أنه كرر ما نشأ عليه متجاهلاً أي نصيحة تربوية تترامى على مسامعه مكرراً (هذا ما وجدنا عليه آباءنا) هكذا نشأنا وكبرنا وما فينا إلا العافية هذا كله كلام فاضي التربية الحديثة او التربية الايجابية او غيرها ويتجاهل قسوته على نفسه قبل قسوته على أبنائه وتخبطه في قراراته وتذبذبه في مشاعره!.

وهناك ذلك الأب الخائف من الغد فهو دائما في مرحلة سباق مع الزمن سعياً وراء تأمين مستقبل أبنائه الأحباء على قلبه فمن حبه الشديد لهم أضاعهم فظل حبيساً في طريق الخوف وفقد أبناءه على قارعة الطريق ينهلون من المال الذي جمعه لهم لتأمين المستقبل دون أن يشعروا بذلك الحب العظيم الذي يحمله ذلك الأب في صدره.

ومن الصور المؤلمة التي يعتصر القلب لها الأب الذي فشل في دوره كزوج فترك الأم وترك معها الأبناء! ولم يكن في حياة أبنائه إلا مجرد شخص منبوذ من أم مجروحة لا تعرف إن كانت هي الجانية أم المجني عليها.

ومنهم من منح كل الحب والعطاء لأحد أبنائه دون البقية ليزرع في قلب الآخرين الغيرة والكره والبغض له ولإخوته ولنفسه وكيف سيعرف أن يحبها إن لم يجد هذا الحب من والده؟.

رجل يحمل طفلاً على كتفيه في غروب الشمس، مع silhouettes واضحة ضد السماء البرتقالية. تعبر الصورة عن الحب والروابط الأسرية في لحظة جميلة.

وتبقى هذه الدائرة في تضخم وازدياد تؤثر سلباً على أهم عمود في المجتمع وهو الأسرة التي بصحتها سيقوم المجتمع وينهض في جميع المجالات، ومن أهم الأدوار التي يجب علينا جميعا أن نتكاتف عليها هي أن يقف كل شخص راشد وواع ناصحاً ومذكراً لكل أب لا يقدس دوره في تربية أبنائه لا يعرف أنه يجب أن يكون القدوة لطفله، أن يكون هو المصدر الأول للحب لابنته، أن يكون هو المدرسة الأولى للقيم، ولا ننسى أنه من أهم الادوار التي لا بد أن تُقدم للشباب والشابات الناشئين المقبلين على الحياة في كل جوانبها هو دور المؤسسات التربوية والمدارس في تقديم برامج تأهيلية وتربوية تساعد وتدعم هذه الفئة على حسن الاختيار وعلى حسن التربية لأبنائهم في المستقبل والأهم منها هي تربية النفس وتهذيبها.

فكم أرجو ان يكون للمؤسسات التعليمية وخاصة في المراحل الثانوية والجامعات دور اساسي في تقديم هذا الوعي المجتمعي والتربوي الذي لا يقل أهمية عما يقدمونه من علوم تطبيقية معرفية وفنية، فكما أن العلوم تبني العقول فالوطن يبنى بالأسر.