كثيرا ما نسمع عن انهيار سعر صرف عملة معينة مقابل العملات الأجنبية، وتكون الحروب والاضطرابات السياسية هي السبب في بعض الأحيان، لكن تبقى للعوامل الاقتصادية اليد الطولى في الكثير من حالات تذبذب – بل وحتى انهيار- بعض العملات في أحايين كثيرة.
ويعتقد البعض أن كل الدول تسعى لأن تكون عملتها أقوى من العملات الأخرى، لكن ذلك غير دقيق، فقد تعمل بعض الدول على تخفيض قيمة عملتها أمام العملات الأجنبية كالصين – مثلا -التي تهدف إلى مضاعفة صادراتها، وبالتالي فكل دولة تدير سعر صرف عملتها بشكل يتناسب مع طبيعة اقتصادها. ويتأثر سعر الصرف عادة بوضعية اقتصاد الدولة وسياساتها النقدية والمالية بالإضافة لعوامل أخرى.
ماهي أهم العوامل التي تلعب دورا في تغير سعر الصرف بين عملتين بالنقص أو الزيادة ؟
ولعل ذلك ما يفسر تتبع الصين في بعض الأحيان لسياسة الولايات المتحدة في هذا الشأن؛ فعندما رفع الاحتياطي الفدرالي سعر الفائدة في مارس 2017 لجأ المركزي الصيني لرفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل من أجل كبح هروب الأموال للخارج، واستقرار سعر اليوان مقابل الدولار عند الحد المطلوب.
ثانيا: التضخم
عند زيادة الكمية المعروضة من النقود في أي دولة دون أن توازي تلك الزيادة زيادة مماثلة في المعروض من السلع والخدمات في تلك الدولة فسيؤدي ذلك لزيادة الأسعار، وهو ما يصطلح على تسميته بالتضخم، ومن المعروف أن للتضخم في أية دولة تأثيرا على سعر صرف عملتها؛ فلو افترضنا أن هناك علاقات اقتصادية وتبادلا تجاريا بين بلدين وأن التضخم زاد في البلد الأول خلال فترة معينة بنسبة 5% أما في البلد الثاني فبقي التضخم ثابتا، فمن الطبيعي أن ينخفض سعر صرف عملة البلد الأول مقابل سعر صرف عملة البلد الثاني بنسبة معينة قد لا تكون نفس النسبة لأن التضخم ما هو إلا عامل واحد من بين مجموعة من العوامل المتداخلة.
من ناحية أخرى فإن الدول ذات المديونية العالية تعتبر أقل جاذبية للمستثمرين لأنها عرضة لمعدلات أعلى من التضخم مما يعني انخفاض قيمة العملة.
ثالثا: وضعية الميزان التجاري
الميزان التجاري هو السجل الذي يحوي صادرات وواردات دولة معينة من السلع والخدمات، فإذا كانت الصادرات أكبر من الواردات فذلك يعني حصول فائض لدى الدولة المعنية أي أن العملات الصعبة التي دخلت الدولة أكثر من العملات الصعبة التي خرجت منها في تلك الفترة، وهو ما من شأنه أن يزيد عرض العملة الأجنبية مقابل المحلية وبالتالي زيادة سعر صرف الأخيرة مقابل العملات الأخرى، أما في حالة ما إذا كانت الواردات أكبر من الصادرات فسيحصل العكس وينخفض صرف العملة المحلية مقابل الأجنبية. وفي حالة تعادل الواردات والصادرات فسوف لن يكون هناك تغيير في سعر العملتين ناتج عن الميزان التجاري.
رابعا: الاحتياطي النقدي
من المعروف أنه في حالة وجود عجز في ميزان المدفوعات في دولة ما فالإجراء الذي يتبادر إلى الذهن هو تخفيض قيمة العملة المحلية حتى يحدث التوازن المطلوب، غير أن المصرف المركزي للدولة المعنية إذا كان يملك احتياطيات كبيرة من النقد الأجنبي أو الذهب، فمن الممكن حينئذ ألا يتم تخفيض العملة لأن هذه الاحتياطيات قد تغني – ولو مؤقتا – عن ذلك الإجراء؛ فالمصرف المركزي قد يلجأ في بعض الأحيان لحماية العملة المحلية من الانهيار من خلال شرائه لكميات كبيرة منها، بهدف رفع الطلب عليها وبالتالي رفع سعر صرفها مقابل العملات الأجنبية، كما قد يلجأ بالمقابل –إذا أراد خفض قيمة العملة المحلية- إلى بيعها من أجل زيادة الطلب على العملات الأجنبية وبالتالي تخفيض سعر العملة المحلية إلى الحد المطلوب.
خامسا: الاستقرار
تتميز الدول التي تملك اقتصادات قوية وتتمتع بقدر وافر من الأمن والاستقرار بوفرة الاستثمارات الأجنبية وتزايد الطلب على المنتجات المحلية من قبل المستهلكين الأجانب وهو ما يزيد الطلب على عملات هذه الدول وبالتالي يرفع من قيمتها مقابل العملات الأخرى.
أما الدول غير المستقرة أو التي تفتقر للأمن والأوضاع فيها يمكن أن تنفجر في أي وقت، فهي طاردة للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال الأجانب وحتى الوطنيين، وستتأثر بذلك عملتها المحلية فتكون ضعيفة جدا مقابل العملات الأخرى، لأن قوة العملة إنما هي انعكاس لقوة اقتصادها، فكلما كان اقتصاد دولة ما قويا كلما كانت عملتها قوية والعكس صحيح، والاقتصاد لا يمكن أن يكون قويا في ظل التدهور الأمني وعدم الاستقرار لأن رأس المال جبان كما يقال .