إنَّ الإشارة القرآنية إلى تعليم الله عز وجل لأبينا آدم عليه السلام الأسماء كلها في قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [سورة البقرة: 31]؛ “أي أسماء كل شيء بمسمياته”، تبقى لمحة من لمحات الإعجاز الإنبائي الغيبي التي لو لم يخبرنا بها ربنا تبارك وتعالى ما كان أمام الإنسان من سبيل للوصول إليها، وتضاربت آراء غير المسلمين في تفسير نشأة اللغة عند الإنسان، كما ضربنا مثلاً واحداً على ذلك بكتاب مايكل كورباليس الذي سبقت الإشارة إليه، “وغيره كثير”.
فقد خلق الله أبوينا آدم وحواء عليهما السلام وفي فم كل واحد منهما لسان ينطق به، وجعل لكل منهما حَنجرةً، وعدداً من الأوتار الصوتية، وشفتين، وصفّين من الأسنان، ورئتين، وهذه هي المكونات الأساسية للنطق، التي يحركها المخ والجهاز العصبي، وينظّم حركاتها في أثناء الكلام حتى تخرج الحروف والألفاظ جلية واضحة، والمنطق السوي يحكم بأن الله تعالى لم يزوّد أبوينا آدم وحواء عليهما السلام بهذا الجهاز المتقن للكلام ثم يدعهما أبكمين لا يعرفان لغة يتكلمان بها، ولا يجدان إلا الإشارة وسيلة للتفاهم بينهما.
وتكفي في ذلك أيضاً الإشارة إلى أن اللسان البشري يتألف من سبع عشرة عضلة متشعّبة في مساحته بالكامل “ثماني عضلات منها مزدوجة، وعضلة واحدة مفردة، ويتخلل هذه العضلات ويحيط بها أعداد من الخلايا والأنسجة المتخصصة التي من بينها أنسجة دهنية وليمفاوية، وأعداد من الغدد اللعابية التي تُبقي اللسان رطباً باستمرار، ويغلَّف ذلك كله بغشاء مخاطي رقيق، وبناء على هذا التركيب المرن جداً يستطيع الإنسان تحريك لسانه في كل الاتجاهات بمرونة كبيرة كذلك، وترتبط عضلات وأنسجة اللسان بالفك الأسفل بواسطة عظمة ذات رأسين تحكم حركتها ولا تعوقها.
وأما الشفتان اللتان يَستكمل وجه الإنسان بهما جماله وإحساسه وقدرته على النطق فهما مليئتان بالأوعية الدموية التي تتفرّع بكثافة عالية في الأغشية المخاطية المكوِّنة لهما، ولذلك تبدوان باللون الأحمر، وهناك حزمة متمركزة من العضلات اللافّة حول الشفتين لتمثّل واحدة من مجموع العضلات المعقّدة المعينة على النطق بالكلام، والمحدِّدة لتعبيرات الوجه، وتؤدي الشفتان في الإنسان دوراً مهماً في النطق، فعند الكلام تجمع الحبال الصوتية في مكان واحد، وتهتزّ جراء حركة تيار الهواء الخارج عند الزفير، كما يتحرك كل من اللسان والشفتين والأسنان فيتمكن الإنسان من النطق بالكلام.
وكذلك صمّمت القدرة الإلهية المبدعة كلاً من الأنف والفم في الإنسان على أن يعطيا جميع المواصفات الخاصة بإطلاق الصوت، وفي الوقت الذي تبدأ فيه الكلمات بالخروج من الفم بسلاسة فإن اللسان يأخذ وضعاً من الاقتراب والابتعاد من سقف الفم بمسافات محددة، وتتقلص الشفتان أو تتوسعان، ويتحرك في هذه العمليات العديد من العضلات بشكل سريع حتى يتحقق النطق عند الإنسان، ولولا هذا البناء المحكم بجهاز النطق ما استطاع الإنسان الكلام على الإطلاق، ومن هنا يمنُّ الله الخالق البارئ المصور على الإنسان بقوله: ﴿أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [سورة البلد: 8-10].
وهل يمكن لعاقل أن يتصور خلق أجهزة الكلام المعقّدة في الإنسان بغير تقدير الله؟
وهل يمكن أن يقدّر الله سبحانه للإنسان هذا كله ثم لا يعلّمه لغة يعرف بها أسماء الأشياء؟
ومن هنا يأتي هذا النص القرآني: “وعلّم آدم الأسماء كلها”.
معجزة علمية حقيقية، كما يأتي معجزة إنبائية غيبية، تشهد للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية، بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله، وحفظه بعهده الذي قطعه على ذاته العليّة في نفس لغة وحيه –اللغة العربية-وحفظه دون نقصٍ أو زيادةٍ واحدةٍ على مدى أربعة عشر قرناً أو يزيد، وتعهّد بهذا الحفظ تعهّداً مطلقاً إلى أن يشاء الله، حتى يبقى القرآن الكريم حجّة الله البالغة على الخلق أجمعين إلى يوم الدين.
المصادر والمراجع:
1. زغلول النجار، من آيات الإعجاز الإنبائي والتاريخي، 1/95.
2. علي الصلابي، قصة بدء الخلق وخلق آدم عليه السلام، ص 413-416.