قال تعالى : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لنريه من آياتنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الإسراء: 1] آيات الله تعالى في القرآن الكريم تخاطب العقل والقلب، وتظهر في الكون المنظور، وفي أنفسنا، وسير الحياة الإنسانية. من خلال دراسة هذه الآيات، يمكن للمؤمنين تعزيز إيمانهم وفهمهم لرحمة الله وقدرته.
مصطلح الآيات في القرآن الكريم
آيات الله تعالى عديدة تخاطب العقل والقلب وكما نجدها في كتابه المسطور “القرآن الكريم” نراها في الكون المنظور و في أنفسنا وسير الحياة الإنسانية. في بدء سورة الإسراء بيّن الله تعالى الغاية من رحلة الإسراء والمعراج فقال { لنريه من آياتنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1] وهي سنة الله تعالى مع الأنبياء والمرسلين؛ ففي شأن إبراهيم عليه السلام قال تعالى: { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } [الأنعام: 75] ، وفي شأن موسى عليه السلام { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى } [طه: 23] ، فالأنبياء هم أشد الناس بلاء ولكي يتحملوا هذا البلاء لابد من رؤية الملكوت بأبصارهم وبصائرهم، ليدركوا أن ما يوجهونه من مصاعب ومتاعب ليست شيئا يذكر أمام قدرة الله تعالى وسعة ملكوته سبحانه.
استقبال البشر لآيات الله
الآية هي العلامة الدالة على قدرة الله تعالى وعظمته، وقد جاءت في كتاب الله تعالى بعدة صيغ (آية ، آيات ، آياتنا ، آياتي ، آياته ، الآيات لآيات) ، وحتى نزداد معرفة بربنا وإيمانا به سبحانه لابد أن نتابع هذه الآيات ببصر المؤمن وبصيرته لأن هناك من ينظر بملء عينه لكنه لا يبصر { وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } [الأعراف: 198]، وهناك من يبصر لكنه يعرض {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105] ، هذه صفة الغافلين يعجب أحدهم بجمال الخلق وحسن الصورة ؛ كمظهر شروق الشمس وغروبها والغابات والحدائق يلتقط الصور لكنه لا يفكر أبدا في الخالق العظيم سبحانه وتعالى الذي أحسن كل شيء خلقه، لا يقول: تبارك الله أحسن الخالقين كلما رأى منظرا مبهرا.
ينظر إلى الجمال الموجود في كل زاوية من زوايا الكون فلا يدرك محبة الله تعالى للخلق ، حين هيأ لهم المخلوقات لكي تؤدي دورها وفي ذات الوقت زينها لهم ، فالأجساد تنال حظها وكذلك العيون والأرواح.
ينظر المسلم اليقظ إلى كل هذا الجمال المنتشر في الكون بقلبه مع عينه ، فيصل إلى جمال الروح التي تتواجد في مكان فتحل فيه السكينة والرحمة والألفة ، ويتحول القبح في اللفظ والموضوع والمشاعر إلى جمال في كل شيئ، يدخل من منّ الله تعالى عليه بالجمال إلى مكان فيحوله من الخراب إلى العمار ، ومن السوء إلى الحسن ومن الفوضى إلى حسن الترتيب.
ينظر المؤمن إلى كل هذا الجمال الموجود في الكون فيدرك أن جمال الروح يزداد بمرور الأيام واستدامة حسن الصلة بالله تعالى ، في حين يذبل الجسد ويبقى جماله في خانة الذكريات.
آيات الله تعالى في الإحياء
يلفت الله تعالى انتباهنا إلى آياته سبحانه في النباتات فيقول جل جلاله: { وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [الرعد: 4]
آية التنوع النباتي
يوجد حوالي 400,000 نوع معروف من النباتات في العالم، مع اكتشاف 2000 نوع كل عام. وهناك الآف الأنواع التي لم تكتشف بعد خاصة في الغابات الاستوائية، والمناطق النائية. هذا التنوع النباتي يلعب دورًا أساسيًا في الحفاظ على التوازن البيئي ويوفر العديد من الفوائد للبشرية.
آيات كثيرة يمكن أن نجدها في التنوع النباتي منها: أن لكل نبات رزق معلوم من الماء وما يحصل عليه من الأرض ، ومع تجاور هذه النباتات وكونها تسقى بماء واحد وتنبت في أرض واحدة إلا أن لكل نبات طعم وشكل وفائدة تختلف عن غيره، هذه الحقائق ترشد الناظر البصير إلى الخالق العظيم و تقوي إيمان المؤمنين.
آيات الله تعالى في الإهلاك
ومن الحديث عن آيات الله تعالى في العمران إلى الحديث عن آيات الله تعالى في الإهلاك، وقبل أن نتطرق إلى هذه القضية المهمة أحب أن ألفت النظر إلى أن البعض يصف الإله عند المسلمين بأنه إله الغضب والانتقام والقتل والتدمير، بينما هو عند غيرهم هو إله الرحمة والتجاوز، وهذا الوصف الخاطئ جاء من اتباع الهوى ، لم يسع صاحبه إلى النظر في القرآن الكريم أو في السنة المطهرة ليجد آيات كثيرة من مثل { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} [الرعد: 6].
قال ﷺ : (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي، فَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ) [2] وما إهلاك المجرمين إلا رحمة للعالمين؛ وذلك بعد أن يرسل الله تعالى لهم رسلا مبشرين ومنذرين وبعد أن يرسل لهم الآيات الكثيرة التي تقودهم إليه سبحانه، وبعد أن يسعوا في الأرض فسادا وبعد أن يمهلهم الله تعالى مرات ومرات ، لكنهم يزدادون طغيانا وأذى للكائنات كلها حين ذلك تنزل العقوبات الإلهية كآية دالة على قدرة الله تعالى.
ومن آياته تعالى في إهلاك المجرمين قوله سبحانه { وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ * قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } [النمل: 48-53] جريمة هؤلاء هي الإفساد في الأرض وقتل الأبرياء والتنصل من الجريمة ، لا يمكن أن تبقى هذه الجرائم دون عقوبة، ومن رحمة الله تعالى أن بيّن لنا لماذا أهلكهم ولماذا خلت بيوتهم منهم؟؟
هذه العقوبات العامة من زلازل وبراكين وحرائق وأوبئة يمكن النظر إليها من عدة جوانب: فهي عقوبة إلهية لمن نسي ربه وأفسد في الأرض ، وهي تنبيه للغافلين الذين ألهتهم الحياة الدنيا حتى لا ينالهم غضب الله تعالى ، وتنبيه للمغرورين بالعلم فلازال علمكم ناقص وما يغيب عنكم أكثر مما تعرفونه، وهي اختبار للمؤمنين لكي يصححوا مسارهم.
قال تعالى : { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [السجدة: 21] ينزل البلاء بالمؤمن والكافر والعاصي ، لكن استقبال البلاء يختلف بحسب إيمان العبد بربه قوة وضعفا ووجودا وعدما ، قال النبي ﷺ :« إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَصَابَهُ السَّقَمُ، ثُمَّ أَعْفَاهُ اللهُ مِنْهُ كَانَ كَفَّارَةً لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ، وَمَوْعِظَةً لَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ إِذَا مَرِضَ، ثُمَّ أُعْفِيَ كَانَ كَالْبَعِيرِ عَقَلَهُ أَهْلُهُ، ثُمَّ أَرْسَلُوهُ، فَلَمْ يَدْرِ لِمَ عَقَلُوهُ، وَلَمْ يَدْرِ لِمَ أَرْسَلُوهُ.»[3]
كل الخلق يمرضون؛ ينظر المؤمن إلى المرض على أنه ابتلاء من الله تعالى إذا رضي وصبر فله عند الله تعالى حسن الجزاء، ويكون هذا المرض ممحاة لذنوبه وداعيا لأن يراجع نفسه في المستقبل ، أما المنافق فيمر عليه المرض كفترة صعبة لا يستفيد منها أجرا ولا موعظة.
آيات الله في الصراع بين الحق والباطل
منذ بدأ الخليقة والصراع بين الحق والباطل قائم ، وآيات الله تعالى فيها كثيرة تثبت المؤمنين وترد الباحثين عن الحقيقة إلى الله عز وجل { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ؤ [آل عمران: 13] النصر من عند الله تعالى يؤتيه من شاء من عباده ، ويجري سبحانه وتعالى من الأسباب ما يثقل موازين المؤمنين عندما يحققون الإيمان فيستعدوا بما يستطيعون من قوة وينتبهوا لتحركات عدوهم. قال تعالى { وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } [الفتح: 20]
الخاتمة
آيات الله في القرآن الكريم هي دلائل على قدرته وعظمته، وتظهر في مختلف جوانب الحياة والكون. فهم هذه الآيات يتطلب التدبر والتفكر، مما يقوي إيمان المؤمنين ويبعدهم عن الغفلة والمعاصي.