من وجهة نظر نظرية الانفجار الكبير «Big Bang Theory» أقربِ النظريات العلمية للصحّة من حيث الأدلة؛ فمنذ حوالي 13.8 مليار سنة، شيءٌ ما متفرد، صغير، كثيف وشديد السخونة أخذ في التوسّع مكوّناً ما ندعوه اليوم الكون، ومنذ ذلك الحين استمر توسّعه المثير، طارحاً تساؤلاً مهماً: ماذا لو توقّف هذا التوسع؟ ماذا لو توقّف تباعد المجرات والنجوم والكواكب بعضها عن بعض؟ هل سيتجمد الكون؟ أم ينطوي في نقطة فريدة كما كان قبل الانفجار الكبير؟
قبل عشرينيات القرن المنصرم، ساد الاعتقاد بأن الكون مستقر إلى أن لاحظ الفلكي الشهير إدوين هابل Edwin Hubble أن المجرات تبتعد شيئاً فشيئاً عن بعضها، وبعد سنوات أظهر مِقْرَاب هابل الفضائي أنها لا تبتعد فحسب بل أن الكون ينمو بوتيرة متزايدة باستمرار.
وقد فاجأت هذه الملاحظةُ علماء الفيزياء الفلكية تماماً؛ ذلك أنهم اعتقدوا أن التَوَسُّع الكوني آخذٌ في التباطؤ بشكل فعلي تحت تأثير قوّة الجاذبية، ولتفسير هذا الاكتشاف غير المتوقع؛ افترضوا وجود قوّة تتغلب على قوّة الجاذبية وتعجّل الاتساع الكوني، وقد أطلقوا عليها اسم “الطاقة المظلمة” Dark Energy.
بناءً على هذه الاستنتاجات، أصبح الآن مقدار قوّة الطاقة المظلمة هو ما يحدد اتساع أو انكماش الكون، وللإجابة عن تساؤلنا؛ لنفترض بدايةً أن قوّة هذه الطاقة تقلصت بمرور الوقت فأصبحت بمقدارٍ مساوٍ تقريباً لقوّة الجاذبية؟ كيف سيكون شكل الكون؟
إن حدث- في يومٍ ما- ذلك فإن الكون سيصبح شبيهاً بما تخيّله ألبرت آينشتاين (Albert Einstein) قبل 100 عام، قبيل اكتشاف هابل، وسيصبح الكون ثابتاً لا ينكمش ولا يتمدد، يترتب على ذلك في النهاية أن تستنفد النجوم جميع الغازات التي تحتاجها للتكوين، وسيولد عدد قليل من النجوم الجديدة، بينما تضمحل النجوم الحالية شيئا فشيئاً، سيغدو الكون أكثر ظلمة، مكتظاً بالثقوب السوداء، وفي ذلك الوقت ستكون أرضنا قد اختفت منذ وقت طويل؛ حيث امتصتها نجمةٌ حمراء عملاقة ندعوها اليوم «الشمس».
في مرحلة ما، ستصل درجة حرارة الكون إلى الحد الأدنى لدرجة الحرارة (الصفر المطلق 0 k)، والتي تساوي على المقياس المئوي (C°273.15- ( ،(-459.67°F). وعند هذه الدرجة تتوقف حتى الذرّات بنفسها عن الحركة، وتنعدم الحياة في الكون كليّاً!
لننظر الآن من زاوية أخرى، ماذا لو ضعفت الطاقة المظلمة بشكل كبير؟ وأصبحت طاقتها أقلّ من قوّة الجاذبية؟ ولم يعد بإمكانها المقاومة بأي شكل من الأشكال؟ في الحقيقة ما إن تستولي الجاذبية على المشهد حتى تقوم بسحب كل شيء في اتجاه عكسي، وسيبدأ الكون بالانطواء على نفسه، وستجتذب المجرات سوية وتندمج في مجرة واحدة عملاقة.
مع اندماج النجوم ببعضها، سيصبح الفضاء أشد سخونةً من الشمس، ومكتظاً بالثقوب السوداء مرّة أخرى نتيجة لانفجار النجوم، وستبتلع الثقوب السوداء كل شيء حولها: الكواكب، النجوم، والمجرات بأكملها. في نهاية المطاف يتشكل ثقب أسود هائل وعظيم يبتلع الكون بالكليّة ضامّاً إيّاه في نقطة فريدة، ساخنة، صغيرة كثيفة بشكل لا يصدق.
عند هذه النقطة يعود الكون إلى ما كان عليه في البداية، ومن يعلم؟ قد ينفجر هذا الشيء المتفرد الذي تشكّل للتو في انفجار عظيم «Big Bang» آخر مكوّناً كوناً جديداً مميزاً بنجومٍ وكواكب وأشكال حياة جديدة. علميّاً ليس هنالك من يعرف كيف سينتهي الكون، بل إننا نجهل حتى ماهية تلك الطاقة المظلمة التي تجعل كوننا يتمدد، وبالرغم من وجود عدّة نظريات تحاول التنبؤ بمصيرنا، تبقى مجرد فرضيات بعضها جيد وبعضها يحتاج الكثير وربما تكون خاطئة بمجملها.