كل فترة نستمع لدعوات نسائية تدور حول سؤال: “ماذا تريد النساء؟”، ونسمع عن حركات نسائية للدفاع عن المرأة، وجمعيات للدفاع عن المرأة ضد عنف الرجال، حتى أصبحت هناك حركة “فيمينزم” – بمعني النسوية- منتشرة كالوباء، وصعدتها بعض القوى النسائية بما يشبه النظرة العنصرية لكل ما هو غير أنثوي على غرار فكرة “الجندر” التي طرحها مؤتمر بكين بشأن حقوق المرأة، التي تعني مساواة المرأة بالرجل في كل شيء ربما حتى في الرضاعة! وسط كل هذا لماذا لا يطرح السؤال: ماذا يريد الرجال؟
وفي وقت ما بدأت مجموعة من النساء مع بداية انتشار الإنترنت معركة جديدة اسمها: “ثورة ليلي”، وهي عبارة عن يوم عالمي لما يسمى: “المرأة المضطهدة من قبل عالم الذكور”، في صورة ثورة نسائية على تقاليد المجتمعات العربية التي تعلي من شأن الرجل وتقلل من شأن المرأة، ولا تهتم بأحلامها أو أفكارها، وإن كانت صاحبات هذه الثورة أكثر موضوعية حينما قلن: إنهن لا يعادين الرجل، ويرغبن فقط في تحقيق كيانهن.
قد يكون هناك شيء من المنطق والحق في هذه الحركة النسائية المباركة التي تنادي بمنع اضطهاد الرجل للمرأة، وتطالب بإعلاء شأن المرأة وتكريمها، ولكن الغريب أنه لم يسأل أحدا من الرجال –وطبعا النساء– نفسه، أو يثير يوما هذا السؤال: “ماذا يريد الرجال؟”، أو يطرح مطالب رجالية في مواجهة الهجمة النسائية الشرسة؟!
مطالب رجالية
في قصة من فيلم أمريكي عنوانه: “ما الذي تريده النساء؟” ركز المخرج على فكرة قالها “داروين” منذ زمن تدور حول الحيرة مما تريده النساء فعلا في الحياة، وكان الفيلم يركز على فكرة رجل يعمل في مجال الدعاية لمنتجات النساء أصابته صاعقة، فاكتسب حاسة سابعة تتلخص في قراءة ما يدور في عقل النساء ولا يصرحن به من مشاعر أو أحاسيس، ووقتها فقط عرف كيف تفكر النساء، فأسعد ابنته التي كانت تشكو من أنه لا يفهمها، وحل مشكلات زميلاته في العمل، وأصبح أكثر تقديرا للإنسانة التي كانت تنافسه في عمله، وكان يدبر لها المكائد لطردها، فأحبها وتزوجها.
وهنا نسأل النساء بدورنا: لماذا لا يفكر النساء في ماذا يريد الرجال؟ مثلما يفكر الرجال في ماذا تريده النساء؟
ولماذا لا يسألن أنفسهن عن سر تهرب الرجال من النساء بعد الزواج؟ أو لماذا يعزف الرجال عن الزواج أصلا؟ ولماذا يلجئون للزواج بأخرى ثانية وثالثة ورابعة؟ ولماذا يقول غالبية الرجال: “لو دخل الزواج من الباب يهرب الحب من الشباك”؟ ولماذا يقدر الشباب البنت العاقلة الهادئة ويهربون من المتفذلكة أو المتحذلقة أو التي تهمل بيتها غالبا وتتفرغ لمعارك طواحين الهواء والمعارك الوهمية حول حقوق النساء؟!
غالبية النساء يتحدثن عن أن الرجل يفكر بمشاعره وبشهواته وإرضاء نزواته في الحب والزواج والعلاقات الحميمة وما إلى ذلك، ولو افترضنا أن هذا التفسير عن اهتمام الرجل الشديد بمشاعره وعواطفه وحواسه العاطفية والجنسية قبل أي شيء صحيح -وهو ليس كذلك بشكل مطلق أو بهذا المعنى- لماذا لا تلبي النساء هذه المشاعر للرجال؟ لماذا لا تسأل الزوجة نفسها ما الذي يدفع زوجي للخرس معي بعد الزواج ويتوقف عن حبي أحيانا، ويلجأ للزواج من أخرى (يجدد بها شبابه) كما يقولون، ولماذا يحب غيرها أصلا أو على الأقل يفتر حبه لها ويتحول إلى إنسان شارد منتهي الصلاحية جاف المشاعر؟
وبعد ما العيب في أن الرجل يتزوج على زوجته، لا عيب ولا حرام، أليست الجمعيات النسائية تصدع دماغنا يوميا بوجود ملايين العوانس والمطلقات والأرامل ممن لهن حق علينا في الرعاية والزواج والعفاف، حتى إن إحدى هذه الجمعيات النسائية المصرية تبنت فكرة تعدد الزوجات بشرط أن يكون الزوج مقتدرا ماديا؟ أليس لهؤلاء الأخوات الفضليات مشاعر وأحاسيس ورغبات مثل الزوجات يرغبن في أن يلبيها لهن الرجال؟!
الله سبحانه وتعالى شرّع الزواج من أربع، ووضع في قلب الرجل كمية حنان وعواطف وحب كبيرة يمكن أن توزع على هؤلاء الأربع، ومن ثم فليس صحيحا ما يقال من أن الرجل لا يستطيع أن يحب أكثر من واحدة، هذا المثل ربما ينطبق على المرأة فقط وليس الرجل، لدواعٍ خلقها الله فيها وفيه، وهو الخبير بمن خلق سبحانه.
لهذا نستغرب شكاوى بعض الزوجات من إهمال الرجل لها، أو بحثه عن الحب خارج البيت خصوصا من تقول: إنها تزوجت عن حب، وتستغرب أين ذهب الحب دون أن تجلس مع نفسها مرة واحدة وتسأل: ما الذي تغير فيها؟ أو حتى تسأل زوجها، نعم تسأل زوجها أو حتى تسأل شخصا آخر يهديها إلى عيوبها!
وأستغرب أيضا شكاوى بعض البنات من أنهن يتزين ويظهرن مفاتنهن حتى يتكالب عليهن الرجال، ولكن عند الزواج يجدن الرجل يلجأ إلى الفتاة صاحبة الجمال الهادئ وغير المتكلفة أو التي تجتذب الرجال بحديثها الشيق!
صحيح أنه لكل قاعدة شواذ، وأن هناك رجالا يظلمن النساء، ولا ينفع معهم شيء من حب أو حنان لأن “عينه فارغة”، ولا يفكر سوى بغرائزه، وله عيوب يحتاج لمن يرشده إليها، ولكن هذه القاعدة تنطبق أيضا على نماذج من النساء كالمرأة المتسلطة أو المفترية أو المهملة أو تلك التي تتفنن في النكد الزوجي ولا يهدأ لها بال قبل أن يطلقها زوجها، أو يتزوج عليها، أو “يطق يموت”، وحين تسألها تقول: “هو أنا أخطأت؟!”.
لماذا لا تسأل النساء ماذا يريد الرجال؟ لماذا لا تسأل المرأة نفسها من البداية: ماذا يريد زوجي خصوصا أنها أكثر إنسانة في الوجود تعلم برغباته وأحواله الصحية والنفسية والجنسية؟ ولماذا لا تجلس معه وتسأله “بشفافية”: “أنت متضايق من ماذا أو ماذا تريد”؟ أو “ما الذي لا يعجبك في؟ “؟لماذا لا تلبي له رغباته وحاجاته أيا كانت طالما أنها حلال، بل لماذا لا تتركه يتزوج عليها لو أيقنت أنها غير قادرة على تلبية هذه الطلبات؟
أذكر أن أحد الأصدقاء جلس يوما يفضفض، وكان صريحا جدا، ويتحدث بفكاهة عن رفض زوجته تلبية مطالب زواجية معينة له، ويقول: إن هذه الأمور –للأسف- أصبحت مطلوبة له في ظل هذا الزمن الصعب المليء بالفتن والمثيرات والفضائيات، وأنه يود أن يحصن نفسه بأن تفعل له هي ذلك بدلا من أن يتزوج أخرى تفعل له ما يريد، أو يفعله في الحرام لو وسوس له الشيطان وشياطين النساء؟ ومع أني استغربت قوله وقتها فقد عدت وسألت نفسي: لماذا ترفض أي زوجة أن تريح زوجها وتلبي له رغباته؟ بعدما أبلغني صديق آخر أن زوجته قالت له: “لا هذا (ما يطلب).. ولا هذا (الزواج عليها)، ويسألني: ماذا أفعل؟!
دروس خصوصية للزوجات
أكيد أن المسألة ليست مطالب رجالية جنسية فقط، ولكني بدأت بها كمثال، ولكن هناك أمورا أخرى أكثر إلحاحا وتشغل تفكير الرجل، أبسطها وأهمها أنه يريد حبا وحنانا أكبر كلما تقدم به العمر وزادت الهموم، وهذه حقائق علمية يجب أن تُدرس للزوجات في المدارس.
ولا جدال في أن للزوجة مثل حق الزوج فيما تريد وما ترغب فيه، كما أن لها حالات مزاجية مثله، وعليها هموم ثقيلة أكثر منه في رعاية شئون المنزل ورعاية الأبناء، ومن ثم على الزوج أن يراعي أبعاد كل هذه الحقائق.
ولكن.. لماذا لا تراعي الزوجات مطالب الأزواج في “قليل” من مشاعر أو مفاجآت حلوة مفترض أن تقوم بها باعتبارها “النصف الحلو” كما يقال ويفضلن أن يتركنه ينظر حوله؟! لماذا لا تسأل كل زوجة نفسها عن الفارق بين معاملتها وشكلها وهيئتها الحالية مع زوجها، ونفس الحال عندما تزوجت، وتسعى على الأقل لردم الهوة السحيقة بين واقعها الجميل القديم في نظره عندما تزوجا، وواقعها (اللهم احفظنا) بعد بضعة سنوات من الزواج.
لكل فعل رد فعل
ثم دعوني أسأل: ما هو رد فعل الرجل بعدما يطلب هذه الأمور من زوجته سواء كانت عواطف أو رغبات أو حتى توفير الهدوء والراحة له، تلبيها له الزوجة وتحبه وترضيه؟ “هل سيضربها مثلا (!).. أكيد لا، وسيحدث العكس تماما، وسيرد لها هذه العواطف والحب أضعافا مضاعفة؛ لأن العلاقة هنا بين “اثنين”، وليس “الرجل فقط” من سيستمتع بها!
ذهبت يوما إلى السينما مع صديق زوجته منكدة عليه، وكان الفيلم اجتماعيا والزوج والزوجة آخر انسجام، والزوجة تتفنن في الغرب في لبس ما يبهج زوجها، وتهتم بنفسها بشكل كامل، وتفاجئ زوجها بمفاجآت نسائية لطيفة تبهجه وتجدد حياته، وتظهر له في أبهى صورة، فبادرني صديقي معلقا: “حظنا في الدنيا صفر يا صديقي”، ودخلنا في مقارنة بين “جنون” المرأة الغربية في التفنن لزوجها، و”جنون” المرأة العربية في التنكيد والعكننة على زوجها!
وانتهى النقاش لعدد من عيوب المرأة العربية كان على رأسها: أنها لا تهتم بشكلها ومظهرها لزوجها، وأنها مسرفة لا تدخر شيئا وما إن تجد الفلوس مع زوجها حتى تبادر بإرهاقه بمئات الطلبات بدل أن تشجعه على الادخار، وما إن تقع أي مشكلة بينهما حتى تنقل مشاكلها لزميلاتها وأهلها وتصبح كل مشاكلهم معلنة للكافة، فيتدخل الأهل وتتسع الخلافات، ناهيك عن حرص بعضهن على “الندية” في التعامل مع الرجل خصوصا لو كانت امرأة عاملة، وهذه الندية تغيظه تماما!
ثم دعوني أسال: لو أن زوجة عملت من نفسها حبيبة لزوجها ساعتين مثلا، ومثلت عليه فيلما عاطفيا، وأسعدته بنهر عواطفها “على الآخر”، وتصادف أنها لم تطبخ له طعام الغداء، “هل تعتقدون أنه ممكن أن يثور عليها لعدم تجهيزها الطعام له، أم سيقول لها: “لا يهمك”، “ويدعوها للعشاء في مطعم أو يطلب لها أي طعام من الخارج.
صدقوني: “لابد أن تسأل كل سيدة نفسها: ماذا يريد الرجال؟ أو على الأقل ماذا يريد مني زوجي؟ ماذا يحتاج؟ وغضبان مما؟ ونفسيته تعبانة لماذا؟”، وتقف بجانبه سواء كان في مشاكل في عمله أو تجارته أو صحته أو أي شيء آخر، وصدقوني كل الأمراض النفسية والاكتئاب بين الرجال والنساء سببه نقص الحب والعواطف.
على جثتي!!
أحد الرجال كتب عن فكرة الزواج الثاني في مدونته يقول: إنه يحب زوجته، ولكنه يشعر بحزن شديد لأحوال المطلقات والعوانس والأرامل خصوصا أنه يعرف البعض منهن، وبلغ به الأمر أنه أحب واحدة منهن بعدما اقترب منها لتلبية بعض احتياجاتها، وأنه جلس مع زوجته مرات يفضفض معها في مشكلات هؤلاء النسوة وغيرهن في بلدان أخرى بها أعداد كبيرة من الشهداء نتيجة الحروب، فأوشكت (الزوجة) على ذرف الدموع لأحوالهن، وكانت متحمسة تماما لمسألة زواج الرجل زيجة ثانية منهن لتلافي المشكلات الاجتماعية المتزايدة.
ماهي المشكلة؟..
المشكلة أنها بعد أن اقتنعت تماما بأن هذا الأمر شرعي، وأنه من حق الرجل الزواج، وأن الله عمل الزواج مثنى وثلاث ورباع لأسباب في علم الخالق، منها: مشكلات هؤلاء المطلقات، أو قتلى الحروب، أو الميل النفسي للرجل لزوجة أخرى غير زوجته، وكيف أن الإسلام حصن العفة بهذا الزواج الثاني، بعد كل هذا سألها بخبث: هل توافقين إذن “أنا أتزوج واحدة ثانية عليكِ وأعفها وأرتاح برضه معاها ومعاك”، ونأخذ الثواب معا، ضحكت وقالت وهي تنصرف عنه: “على جثتي”،
ماذا يريد الرجال؟ مايريدون في الواقع لا يتعدى الحب والحنان، وأن تمارس الزوجة دورها الطبيعي كزوجة دون أي تكلف أو مطالب فارغة جريا وراء مطالب جمعيات نسائية متغربة، ما يريده الرجال ليس “سي السيد”، ولكن أن تدرك نساء هذا العصر أن رجال اليوم أكثر مشقة وتحملا لضغوط هائلة تؤدي للكساح والعجز المبكر من رجال العصور السابقة الأكثر هدوءا،
ماذا يريد الرجال؟ يريدون أن تدرك المرأة ما عليها من حقوق تجاه أسرتها وأولادها، وأن تدرك بدورها أن مفتاح حصولها على حقوقها هو إسعاد الزوج!