إن تكريم الله تعالى لآدم عليه السلام يتميز بكونه تكريما إلهيا مباشرا، كما يتجلى في جوانب متعددة، وكون آدم أبا للإنسانية فبالتالي فإن تكريمه هو تكريم لكل البشر.
ولكن العرض القرآني في سورة البقرة لهذا التكريم كان مدهشا، فما أصول مظاهر التكريم الإلهي لآدم؟
7 أصول لتكريم الإنسان في سورة البقرة
الجواب: تظهر لنا هنا سبعة أصول للتكريم كما يلي:
الأصل التكريمي الأول
بيان الخريطة الحقيقية للحياة الإنسانية، بعيدا عن التخمين، والتيه، والضياع، والضلال، ويبصرنا بذلك قوله تعالى: { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون } [البقرة: 28]
الأصل التكريمي الثاني
تهيئة البيئة المناسبة للحياة الإنسانية، فالإنسان هو السيد الأول للأرض، ويبصرنا بذلك قوله تعالى: { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم } [البقرة: 29]
هنا توقن بالنظرة الإسلامية للإنسانية.. إنها نظرة مدهشة، لقد خلق الله لنا ما في الأرض جميعا، وبذلك ترى الإنسان “أعز، وأكرم، وأغلى من كل شيء مادي، ومن كل قيمة مادية في هذه الأرض جميعا، ولا يجوز إذن أن يستعبد، أو يستذل لقاء توفير قيمة مادية، أو شيء مادي.
الأصل التكريمي الثالث
التكريم بالإعلام عن خلق آدم: {وإذ قال ربك للملائكة } [البقرة: 30] ف{إذ} اسم مبهم، يدل على حدث في زمن مضى، ويلزم الإضافة إلى الجمل أبدا، أي: كيف تكفرون بالله وقد خلق لكم ما في الأرض جميعا، واذكروا إذ قال للملائكة تكريما لكم: { إني جاعل في الأرض خليفة }، فاسمعوا القصة الحقيقية لوجودكم على الأرض، بدلا من الأوهام، والخرافات، والأساطير التي يتم بها إضلال العقل البشري.
ولا يظهر سبب مقنع يتناسب مع جلال الألوهية، وواقع البشرية لإخبار الله تعالى ملائكته عن هذا المخلوق الجديد الذي سيكون خليفة في الأرض إلا سبب واحد، هو تكريم الله تعالى آدم وذريته؛ بإعلام العباد المكرمين من الملأ الأعلى -وهم الملائكة عليهم السلام- عن خلق البشرية.
الأصل التكريمي الرابع
التكريم بجعل آدم خليفة في الأرض: { إني جاعل في الأرض خليفة } [البقرة: 30]
فالوجود الإنساني يعكس الرحمة الإلهية، والتكريم الرباني، والخلافة في الأرض ليست عقوبة، بل تشريف يتضمن التكليف، حيث قرره الله قبل الخلق الإنساني، وأعلم به الملائكة، فقال: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة: 30] فكأنه قال: إني خالق بشرا، وجاعله خليفة، فوصول الجنس البشري إلى الأرض ليقوم فيها بوظيفته الوجودية، كان محسوما من قبل.
الأصل التكريمي الخامس
تكريمه بالعلم، والمعرفة (الاستعداد الإنساني للمعرفة) { وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} [البقرة: 31].
الأصل التكريمي السادس
تكريم آدم عليه السلام بإسجاد الملائكة له: { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا } [البقرة: 34]
فكانت الطاعة لله، والسجدة لآدم، أكرم الله آدم بأن أسجد له ملائكته.
وتجد آية الحجر، وص، تدلان على أن الأمر بالسجود تم الإعلام به قبل خلق آدم ، حيث قال الله -جل شأنه-: { وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون (28) فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (29) فسجد الملائكة كلهم أجمعون } [الحجر: 28 – 30]، { إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين (71) فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين } [ص: 71، 72]
اجمع بين هذه الآيات جميعا ليتضح لك أن الأمر بالإسجاد أمر مستقل، تم قبل خلق آدم عليه السلام، والعطف بالواو هنا، فأذعنت الملائكة لذلك دون مراجعة.
والسجود في الإسلام أعلى أنواع الذل أمام الله الرب الأجل؛ إذ هو أخفض طأطأة للرأس، ليلامس الأرض، لقصد التعظيم، أو التكريم لمشاهد بالعيان، أو لمشاهد بالجنان.
الأصل التكريمي السابع
رسم خريطة المستقبل بالتمييز بين الأولياء الحلفاء وبين الأعداء: {فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} [البقرة: 34]
اعرف عدوك، واحذر خطواته؛ فقد جمع إبليس بين ثلاث صفات إجرامية هي المراحل المتدرجة للوصول إلى مرحلة الإجرام الكامل: { إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين } [البقرة: 34]، فالإباء: رفض السمع والطاعة، والاستكبار: طلب تكبير نفسه فوق حجمها، فرفع نفسه إلى مرتبة فوق مرتبة المخلوق، والكفر: يعني التغطية الذي يؤدي إلى الجحود.
والمبادرة إلى السمع، والطاعة، والانتظام في النظام الكوني العام الذي وضعه خالقه، أعظم معين على ترك النزعة الإبليسية، والبعد عن اليأس والندم، والأحزان والألم.