يُمثل الحجر الأسود من حيث كونه جزءاً من الكعبة المُشرَّفة النُّقطة التي يبدأ منها الطّواف وبها ينتهي، ممّا يعني وجود قيمةٍ خاصّةٍ له، وقد أخذ المُسلمون ذلك النُّسك الخاصّ بالبدء بالحجر الأسود في الطّواف من فعل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، كما يُشرَع لمن طاف بالبيت أن يبتدئ بتقبيل الحجر الأسود إذا أمكنه ذلك، لفِعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فما حقيقة و سر تلك القيمة للحجر الأسود، وما قصّته وقصة إضافته إلى الكعبة؟

لقد سطر بعض المؤرخين رؤيتهم ووصفهم للحجر الأسود عبر التاريخ  فرأى بعضهم السواد في رأسه فقط ، وسائره أبيض ، وطوله قدر ذراع .ويُروى أنه مكون من خمس عشرة قطعة، سبع قطع مغطاة بمعجون بني يراه كل مستلم للحجر، وهو خليط من الشمع والمسك والعنبر موضوع على رأس الحجر الكريم .

أما عن فضائل وأحكام الحجر الأسود فكثيرة جدًّا، وهي مبسوطة في مواضعها من كتب الفقه وغيرها، ونسوق بعضا مما ورد :

هل جاء الحجر الأسود من السماء؟

الحجر الأسود جاء به ملك من السماء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله – – : “نزل الحجر الأسود وهو أشد بياضًا من اللبن فسودته خطايا بني آدم”، رواه الترمذي وحسنه.

وفي رواية: “الحجر الأسود من الجنة” رواه النسائي. وفي رواية: “نزل الحجر الأسود من الجنة كان أشد بياضًا من الثلج حتى سودته خطايا أهل الشرك”، رواه أحمد. وروى أبي بن كعب عن النبي أنه قال: “الحجر الأسود نزل به ملك من السماء.

كذلك أخرج كل من الترمذي وأحمد والحاكم وابن حيان قول رسول الله :”إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة” . وقد جاء عن عمر رضي الله عنه “أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله، فقال : “إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي – –  يقبلك ما قبلتك”، رواه البخاري .

وروى ابن خزيمة في صحيحه، وأحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله – -: “إن لهذا الحجر لسانا وشفتين يشهد لمن استلمه يوم القيامة بحق .

وثبت عن النبي أنه كلما حاذى الحجر الأسود في طوافه أشار إليه أو استلمه بمحجنه، وقبَّل المحجن (وهو عصا محنية الرأس)، وثبت عنه كذلك أنه استلم الركن اليماني، ولم يثبت عنه أنه قبله، ولا قبل يده عند استلامه.

وتذكر كتب السير والتاريخ بناء قريش للكعبة المشرفة قبل مبعث النبي – – ،حيث نصبه – –  بيديه الشريفة في موضعه الذي فيه. وبقي منصوبا في مكانه لم يطرأ عليه تغيير، حتى وقع الحريق العظيم في الكعبة المشرفة في حصار جيش الحصين ابن نمير لعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، فتصدع الركن من الحريق ثلاث فرق، فشده ابن الزبير بالفضة. وقد تعرض الحجر الأسود لعدة أحاث في التاريخ.

وفي جزء مناسك الحج من كتابه “زاد المعاد” أحكم ابن القيَم النصوص الشرعية، ثم القواعد الشرعية واللغوية، وحاول أن يتثبت من جميع النصوص التي وظفها والآراء الفقهية التي ساقها وناقشها. فالحج التزام وانضباط يفوق أيَّ انضباط يعرفه أهل الدنيا في حركة حياتهم، ففي الحج ترى هذا الإنسان السيد الأعلى لكل المخلوقات كَمْ هو منكسر خاضع مهما كانت منزلته، وكم هي طمأنينة النفس البشرية حين تُقبِّل حجرا وهي راضية خاضعة، بل ويحزن الإنسان إذ لم يتمكن من تقبيل الحجر.

المستشرقون والحجر الأسود

حينما قرأ المستشرقون الأحاديث النبوية عن الحجر الأسود ظنوا أنه قطعة من “البازلت” الذي جرفته السيول من الحرات المجاورة وألقت به إلى منخفض مكة المكرمة . وبعيدا عن المستشرقين، نجد شخصية شهيرة مثل الجاحظ مثلا، يهاجم رجال الحديث، لأنهم – كما يقول – لا يحكّمون عقولهم فيما يجمعون ويروون. فهو لا يقبل مثلا ما يرويه هؤلاء الرواة عن الحجر الأسود من أنه كان أبيض اللون واسودَّ من ذنوب البشر، ويقول ساخرا: “ولماذا لم يعد إلى لونه بعد أن آمن الناس بالإسلام؟!”.

“الحقيقة” العلمية 

ما هي الحقيقة العلمية للحجر الأسود؟ علميا، الجواب على هذا السؤال هو أنه حجر من نوع “Tektites التيكتيت” الذي يتميز بلونه الأسود المائل للخضرة أو في بعض الأحيان يميل للون البني أو الرمادي وقد يُعرف هذا الحجز باسمه الثاني وهو الزجاج الطبيعي.

ينتج هذا النوع من الزجاج عندما يضرب نيزك الصحراء، فالصحراء مغطاة بالرمال التي هي في الغالب مكونة من رمال السيليكا أو (رمال الكوارتز). يسبب ارتطام نيزك صغير في الصحراء انفجارا هائلا بقوة انفجار هيروشيما النووي أو أكبر ويخلق حفرة كبيرة. لحظة الارتطام تسبب الحرارة الهائلة الناتجة عن قوة الانفجار صهر الرمال وخلق حجز التيكتيت أو الزجاج الطبيعي، في بعض الأحيان يطلق عليها اسم الرمال المحترقة.

هل أصل الحجر الأسود نيزك؟

أجريت العديد من النقاشات حول طبيعة الحجر الأسود في الماضي، فقد وُصِف على أنه مجموعة أحجار مختلفة مكونة من “البازلت” وقطعة من الزجاج الطبيعي ونيزك حجري. نشر بول باتريتش الذي كان مسؤولًا عن الأحجار الكريمة في الإمبراطورية النمساوية المجرية أول تقرير شامل عن الحجر الأسود في عام 1857 والذي قال بأن أصل هذه الأحجار نيزكي. ووجد روبرت ديتز وجون ماكهون في عام 1974 أن الحجر الأسود كان في الواقع من السيليكا.

أما مسألة اكتشاف موقع ارتطام النيزك في صحراء العرب، فهذا بالفعل ما قام به المستكشف البريطاني هاري سانت جون – Harry St. John عام 1932 في رحلته في صحراء الربع الخالي بحثًا عن مدينة أوبار-Wabar الأسطورية. لم يجد جون المدينة لكن ما وجده كان أهم! فقد وجد موقع اصطدام النيزك في الأرض والمدهش أن تلك المساحة الشاسعة كانت مغطاة بقطع من “الأحجار السوداء” تتراوح أحجامها من حصى صغيرة إلى قطع بحجم سيارة! أشارت الدراسات اللاحقة إلى أن سرعة النيزك كانت تقريبا من 40 إلى 60 ألف كلم / ساعة. وكان بوزنِ أكبر من 3500 طن، ما تسبب في انتشار وبعثرة الأحجار السوداء المتكونة إلى أماكن متفرقة.

جاء التأكيد عام 1980 إذ قدمت إليزابيث تومسن من جامعة “كوبنهاغن” ورقة بحثية بهذا الخصوص. فقد أشارت الورقة إلى أن الحجر الأسود هو جزء من الزجاج أو حجر متحول من آثار نيزك سقط قبل حوالي 6,000 سنة في منطقة الوبار في صحراء الربع الخالي والذي يبعد 1,100 كم شرقا عن مدينة مكة.

وحسب هذه الفرضية، فإن التماثل بين تركيب الحجر الأسود في مكة وبين الأحجار السوداء المبعثرة في موقع الاصطدام كبير جدا، فكل منهما مكون من زجاج السيليكا الممزوج ببقايا عناصر النيزك من الحديد والنيكل. ويدلل أصحاب هذا الرأي على أن الحجر الأسود في مكة ليس قطعة متماسكة واحدة بل مجموعة من أحجار صغيرة مُلصقة ببعضها حوالي 12 أو 13 قطعة صغيرة بحجم التمرات، وهو يعني أن الحجر عبارة عن حصوات صغيرة وليس حجرا واحدا.

كيف وصل هذا الحجر إلى مكة؟

تشير بعض النظريات إلى أنه قبل الإسلام، كان لكل قبيلة كعبتها الخاصة، والتي تحتضن حجرا أسودا، وكان الطواف حول كعبة القبيلة سبع مرات وتقبيل الحجر الأسود جزء مهم من تقاليد القبائل كما كانت تلك الكعبات مؤشرا لأهمية القبيلة. فالقبيلة التي تملك كعبة تؤمها أعداد كبيرة هي أرفع مكانه من مثيلتها التي تملك كعبة شبه مهجورة. وكانت الكعبة التي ترجع لقبيلة قريش من أهم كعبات جزيرة العرب انعكاسًا لمكانة القبيلة وأهمية مكة التجارية.

أشهر كعبات الجزيرة قبل الإسلام بعد كعبة مكة كانت كعبة بيت ثقيف، وكعبة بيت اللاّت، وكعبة نجران، وكعبة شداد الأيادي، وكعبة ذي الشرى، وبيت الأقيصر، وبيت رضا، وكعبة رحيم، وبيت العزى وبيت ذي الخلصة.

وتقول هذه النظرية أن جميع هذه الكعبات تشترك في صفتين أساسيتين، فجميعها أبنية مكعبة وجميعها أُطر لأحجار سوداء. وهذه الأحجار السوداء هي أحجار نيزكية ومما لا شك فيه أن هذه الأحجار هي بقايا النيزك الذي اصطدم بالأرض قرب منطقة “أوبار”.

هذا النيزك هو سبب وجود الكعبات المختلفة قبل الإسلام. فكما يخبرنا التاريخ أن البشر في جميع أنحاء العالم بما لديهم من معتقدات مختلفة قدّسوا الشهب والنيازك. فعلى سبيل المثال: تم العثور على النيازك عند القبور الهنديّة في الولايات المتحدة ما يوحي بأنهم كانوا يقدسونها.

نجد أيضا أن الإغريق قّدسوا النيازك وهناك حجرٌ في معبد أبولو (في دلفي، واحدة من أهم المواقع الدينية اليونانية)، وكما تقول الأسطورة أن هذا الحجر جاء بسبب أن الإله كرونوس قد التهم أربعة أبناء، وعندما ولدت ريا زيوس خدعته وأعطت له الحجر بدلا من زيوس، الذي شرع بابتلاعه، ثم اكتشف كرونوس أنه حجر فرماه من السماء إلى الأرض وهذا المكان يعد مركز الأرض، الذي أصبح موقع معبد أبولو.