يوم القيامة هو أعظم ما يمر به البشر من الأيام، وبه أهوال عظيمة، كتب فيها العلماء والفقهاء، وتعرض لها الأئمة والمُصنفون في مؤلفاتهم، واصْطلحوا على كلمة: أهوال يوم القيامة، فيما يخص أحداث يوم القيامة.
والذي قرره المحققون من أهل العلم، أن ترتيب ما يحصل يوم القيامة يكون كالتالي:
1 – إذا بُعِث الناس وقاموا مِنْ قبورهم ذَهبوا إلى أرْض المَحْشر، ثمَّ يقومُون في أرض المَحشر قياماً طويلا، تشتدّ معه حالهم وظمؤُهُم، ويَخافون في ذلك خوفاً شديداً؛ لأجل طول المقام، ويَقينهم بالحِساب، وما سيُجري الله عزّ وجل عليهم.
2 – فإذا طالَ المُقام رَفَعَ الله عزّ وجل لنبيه ﷺ أولاً حوضه المَورود، فيكون حوضُ النّبي ﷺ في عَرَصات القيامة وساحاتها، إذا اشتدّ قيامهم لرب العالمين، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنَة.
فمَنْ مات على سنّته، غير مًغَيِّرٍ ولا مُحْدِثٍ ولا مُبَدِّلْ: وَرَدَ عليه الحوض، وسُقِيَ منه، فيكونُ أول الأمان له أنْ يكون مَسْقِيَاً منْ حوض نبينا ﷺ، ثمّ بعدها يُرْفَعُ لكلّ نبي حوضه، فيُسْقَى منه صالح أمّته.
3 – ثمّ يقومُ الناس مُقاماً طويلاً، ثم تكون الشّفاعة العُظمى – شفاعة النبي ﷺ- بأن يُعَجِّلَ الله عزّ وجل حساب الخلائق، في الحديث الطويل المعروف: أنّهم يسألونها آدم، ثم نوحاً ثم إبراهيم، ثمّ موسى، ثم عيسى، عليهم الصّلاة والسّلام، ثمّ يأتون إلى النّبي ﷺ ويقولون له: يا مُحمّد، ويصِفُونَ له الحال، وأنْ يسأل الله تعالى أنْ يقي الناس الشدّة، ويُريحهم مِنَ الموقف، بسرعة الحساب، فيقول ﷺ بعد طلبهم: اشْفع لنا عند ربّك، يقول: “أنا لها، أنا لها”، فيأتي عند العَرش، فيخرّ فيَحمد الله عز وجل بمحامد يفتحها الله عزّ وجل عليه، ثمّ يقال: “يا مُحمّد، ارْفع رأْسَك، وسَلْ تُعْطَ واشْفَعْ تُشَفَّعْ”. فتكون شفاعته العُظمى في تعجيل الحساب.
4 – بعد ذلك يكون العَرْض؛ قال تعالى: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ) سورة الحاقة: 18، أي: عَرض الأعمال.
5 – ثمّ بعد العَرْض يكون الحِسَاب.
6 – وبعد الحِسَاب الأول تَتَطاير الصُّحف، والحِساب الأول مِنْ ضمن العَرْض؛ لأنّه فيه جدالٌ ومعاذير، ثُمَّ بعد ذلك تتطاير الصُّحف، ويُؤْتَى أهل اليمين كتابهم باليمين، وأهل الشّمال كتابهم بشمالهم، فيكون قراءة الكتاب.
7 – ثمّ بعد قراءة الكتاب: يكون هناك حسابٌ أيضاً لقَطع المَعْذرة، وقيام الحُجّة بقراءة ما في الكتب.
8 – ثمّ بعدها يكون المِيزان، فتُوزن الأشْياء التي ذكرنا.
9 – ثمّ بعد المِيزان يَنْقسم الناس إلى طَوائف وأزواج؛ أزواج بمعنى كلّ شكلٍ إلى شكله، وتُقَامْ الألوية -ألوية الأنبياء- لواء مُحمد ﷺ، ولواء إبراهيم، ولواء موسى إلى آخره، ويتنوّع الناس تحت اللواء بحسب أصْنافهم، كل شَكْلٍ إلى شكله.
والظّالمون والكفرة أيضاً: يُحْشَرُونَ أزواجاً، يعني متشابهين كما قال: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ) الصافات:22-23.
يعني بأزواجهم: أشكالهم ونُظَرَاءَهُمْ، فيُحْشَرْ علماءُ المشركين مع علماء المشركين، ويُحْشَرْ الظّلمة مع الظّلمة، ويُحْشَرْ منكرو البعث مع منكري البعث، وهكذا.
10 – ثُمَّ بعد هذا يَضْرِبُ الله عز وجل الظُّلمة قبل جهنم والعياذ بالله، فيسير الناس بما يُعْطَونَ منَ الأنوار، فتسير هذه الأمة وفيهم المنافقون، ثُمَّ إذا ساروا على أنوارهم ضُرِبَ السُّور المعروف (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى) الحديد:13-14. الآيات.
فيُعْطِيْ الله عز وجل المؤمنين النور، فيُبْصِرُون طريق الصراط.
وأمّا المُنافقون فلا يُعْطَون النُّور، بل يكونون مع الكافرين يتهافتون في النّار، يمشون وأمامهم جهنم، والعياذ بالله.
11 – ثمَّ يأتي النَّبي ﷺ أولاً ويكون على الصّراط، ويسأل الله عز وجل له ولأمته، فيقول: “اللهمّ سلّم سلّم، اللهمّ سلّم سلم”؛ فَيَمُرْ ﷺ، وتَمُرُّ أمته على الصّراط، كُلٌ يمرُّ بقدر عمله، ومعه نورٌ أيضاً بقَدر عَمله، فيمضي مَنْ غَفَرَ الله عزّ وجل له، ويَسْقط في النار، في طبقة المُوحّدين، مَنْ شاء الله عز وجل أن يُعَذّبه .
ثم إذا انتهوا من النار: اجتمعوا في عَرَصَات الجنة، يعني في السّاحات التي أعدها الله عز وجل لأن يقْتَصَّ أهل الإيمان بعضهم من بعض، ويُنْفَى الغل حتى يدخلوا الجنة وليس في قلوبهم غل.
12 – فيدخل الجنة أول الأمر، بعد النَّبي ﷺ: فُقراء المُهاجرين، ثمّ فقراء الأنْصار، ثم فقراء الأمة، ويُؤَخَّر الأغنياء لأجل الحساب الذي بينهم وبين الخَلق، ولأجل محاسبتهم على ذلك”.