هناك أمر يقدر عليه الكبير والصغير والصحيح والمريض والقادر والعاجز والقائم والقاعد بل والمستلقي على ظهره وفي هذا العمل الجليل وفي أهله يقول الله تعالى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191] الذكر أمر ملازم للعابدات يسبقها ويتلوها قوله {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [الجمعة: 10]، وهذا الذكر منه ما هو مفرد، ومنه مجموعة من الأذكار تساق مع بعضها أو متتابعة، ومن ذلك الباقيات الصالحات، قال الله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46].
وفي شأن التحفيز على ذكر الله تعالى بها يقول النبي ﷺ: خُذُوا جُنَّتَكُمْ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، مِنْ عَدُوٍّ حَضَرَ ؟ قَالَ : لاَ بَلْ مِنَ النَّارِ ، قُلْنَا : مَا جُنَّتُنَا مِنَ النَّارِ ، قَالَ : سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلا إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ، فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُقَدِّمَاتٍ وَمُعَقِّبَاتٍ وَمُجَنِّبَاتٍ ، وَهُنَّ {الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ}. [مصنف ابن أبي شيبة] وصف النبي ﷺ هذه المجموعة من الأذكار بعدة أوصاف جليلة فهي حماية لصاحبها من النار وتجعله في مقدمة الصالحين كما أنها تبقى بعد ان يتوقف العمل ويزول صاحبها.
بل كل العبادات تنقضي ويفرغ المسلم منها وذكر الله تعالى باق لا ينقضي ولا يفرغ منه {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا} [مريم: 76]
الباقيات الصالحات تلبي في نفس المؤمن حب الجمال والتعمير، فمن منا لا يرغب في تزيين مسكنه بالورود والرياحين والأشجار ليدخل على قلبه السرور هناك غرس أبقى يدوم طويلا تضعه اليوم لتجد آثاره باقية لا تزول تجدها في الدنيا والآخرة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا، فَقَالَ: «مَا تَصْنَعُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟» قَالَ: أَغْرِسُ غَرْسًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى غَرْسٍ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ؟» قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ يُغْرَسُ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ» [المستدرك على الصحيحين وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ” وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ جَابِرٍ]
لهذه الكلمات تأثيرها على قلب المسلم فذكر الله تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله وينبغي أن يكون لها تأثير في حياته فلا تمر على لسانه دون تفكر أو تبصر ودون أن تهديه للتي هي أقوم.
إن لهذه الكلمات معان عظيمة نحاول الوقوف مع بعضها:
سبحان الله
التسبيح تنزيه لله تعالى عن كل نقص وتعظيم وتوقير له جل جلاله، وهذا لا يمكن إلا بمعرفة الله تعالى وأسمائه وصفاته وكلما عرف العبد ربه كلما ازداد تعظيما له وتوقيرا ومن المعاني التي ينبغي أن ننزه الله تعالى عنها :
1-أن يكون خلقنا عبثا {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ } [المؤمنون: 115] والعبث لا يليق بالله تعالى وقد حدد الله تعالى مقاصد الخلق يقول الله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56] إذا كانت هذه هي الغاية من الخلق فأين تقع العبادة في سلم أولوياتنا مع ملاحظة أن مفهوم العبادة يتسع ليشمل كل حركة يتحركها المسلم فيها رضوان الله تعالى والإحسان لخلقه من إنس وطير وبهائم ونبات وغير ذلك وإذا أنعم الله علينا بنعمه فهل نستخدمها لتحقيق الغاية من خلقنا أو غير ذلك.
2-ننزه الله تعالى أن يجري شيء في ملكه بلا حكمة ولا تدبير، ومهما تعسر علينا فهم مراد الله تعالى من الأمر كإماتة الصغير الذي يتعلق به قلب والديه وإبقاء الكبير الذي يأس من الحياة وإغناء بعض الأغبياء وافتقار كثير من أهل الذكاء، كل ذلك لحكمة عليا قد نفهمها أو نفهم بعضها أو يفهمها البعض ويجهلها الكثيرون، لكن الحكمة موجودة قد يعجز الإنسان عن تفسير حزنه أو غضبه ومع ذلك يتطاول ليفسر الحكمة العليا!!
قد يلهمه الله تعالى ذلك إذا سلم بأن الله تعالى هو الحكيم العليم الذي لا يغيب عنه مثقال ذرة في السموات والأرض تحركت أو سكنت، وهو سبحانه الخبير السميع البصير، وعندما يوقن بذلك حق اليقين يفتح الله تعالى له آفاق الفهم والإدراك، وهذه المصائب التي تتنزل على الصالحين من عباد الله تصفي كدرهم وترفع درجاتهم وتقربهم من ربهم وتكشف لهم عن مواضع الضعف عندهم، وغير ذلك من الحكم العظيمة فنزه الله تعالى أن يقع شيء في ملكه سبحانه بلا حكمة.
3- نزه الله تعالى أن يساوي بين المحسنين والمجرمين {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21]لا يمكن أن يساوي الله تعالى بينهما فلكل جزاؤه {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى } [النجم: 31]
4- نزه الله تعالى أن يكتب لك رزقا ثم تتصور أن أحدا يمكن أن يمنعه أو ينقصه {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [فاطر: 2]
5- نزه الله تعالى أن يترك من أنفق في سبيله دون أن يعيد لهم أضعاف أضعاف ما أنفقوا ، فقد كان أحد المقاولين حريصا على عمارة بيوت الله تعالى رغبة فيما عند الله عز وجل من خير، وذات يوم تقدم لمناقصة، وقالوا له: هذه المناقصة ستخرب بيتك، قال الرجل – في ثقة -: ما كنت لأعمر بيته ويخرب بيتي! هذه الكلمة الصادقة خرجت من قلب ينزه الله تعالى عن النقص، وينزهه سبحانه عن عدم مكافأة عباده أحسن المكافأة.
6- نزه الله تعالى أن يترك عباده الصالحين الصادقين في عبوديتهم له سبحانه، الذين بذلوا جهدهم لتكون كلمة الله هي العليا يوما ما، فقد استعلى اليهود بما يملكون من أسباب القوة وأوهموا المسلمين بأن رايتهم ستبقى مرفوعة، فأسلحتهم كثيرة وحصونهم منيعة ومكرهم كبير، لكن الله تعالى هون من شأن كل ذلك وقال {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ } [الحشر: 1، 2]، فلا يليق بمسلم أن يظن بأن الله تعالى سيترك أوليائه دون مدد ولا معونة
الحمد لله
الحمد يسبقه إقرار الإنسان بنعم الله تعالى عليه واعترافه بجميل إحسانه سبحانه، والقلب السليم هو الذي يحمد الله تعالى على كل نعمة وإن رآها الناس بسيطة، والحق أن كل النعم عظيمة لكن البعض لا يقدر النعمة حق قدرها حتى يفقدها كليا أو جزئيا، انسدت أنف أحدهم على إثر مرض وصعب عليه التنفس، وبينما يعاني الإرهاق ويحتاج إلى قدر من الراحة، يعجز عن التنفس وبقي على ذلك حتى أدرك قيمة النفس، وكلما استطاع أن يأخذ نفسا حمد الله تعالى على نعمة التنفس، كان النبي ﷺ يحمد ربه على كل نعمة ويستشعر فضل الله تعالى عليه، فالله تعالى هو الذي ساق هذا الرزق ولولاه سبحانه لبقي الإنسان عريانا عطشانا جائعا ضالا، وعندما يستقر في وجدان الإنسان هذا المعنى فقد حقق شكر ربه، حكي أن موسى عليه السلام قال: يا رب كيف أشكرك والشكر نعمة منك، قال: الآن شكرتني حين عرفت أن النعمة مني.
قدم النبي ﷺ نموذجا عمليا لحمد الله تعالى والثناء عليه عند نزول المصائب، وذلك لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ، قَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي، فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا، فَقَالَ: ” اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ [مسند أحمد قال محققوه رجاله ثقات]
وعلّمنا كذلك كيف نؤدي شكر الله تعالى على نعمه في يومنا وليلتنا، فعَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ” مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: اللهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ، إِلَّا أَدَّى شُكْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ “[ السنن الكبرى للنسائي]
لا إله الإ الله
قال ﷺ :”أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ “[ موطأ مالك ] وبها وبالإقرار للنبي ﷺ بالرسالة يدخل الإنسان في الاسلام
الله أكبر
من أوائل ما كلف به رسول الله ﷺ {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1 – 3] وهذه الآية وقعها شديد وتأثيرها عجيب، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَرِّ وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ؟» قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: ” لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ، فَإِذَا جَاءُوهَا نَزَلُوا، فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلَاحٍ وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ، قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا – قَالَ ثَوْرٌ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ – الَّذِي فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الْآخَرُ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيُفَرَّجُ لَهُمْ، فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا[صحيح مسلم]
الله أكبر كلمة تهز كيان الكفار وتزلزل قلوبهم وإذا تزلزلت القلوب سقطت الأسلحة من اليد.
الله أكبر كلمة ترد المسلم إلى الحق إن استقوى بمتاع الحياة الزائلة.
الله أكبر كلمة تفتح أبواب الرجاء إذا تراكمت الهموم والمشاكل وأظلمت الدنيا أمامنا.