استقبلت قرية موريا قبل أيام البابا فرانسيس، الذي قام بزيارة اللاجئين العالقين في جزيرة ليسبوس اليونانية، في خطوة ربما تلقي الضوء على أكبر أزمة إنسانية يعيشها العالم اليوم، حيث منع عشرات الآلاف من العبور إلى أوروبا بموجب الإتفاقية الاخيرة بين تركيا والإتحاد الأوروبي.
منذ أن ظهرت في واجهة الأحداث شهدت جزيرة ليسبوس اليونانية أكبر التحركات البشرية منذ الحرب العالمية الثانية ، وأضحت ممرا لآلاف المتطوعين الراغبين بتقديم المساعدة للاجئين. أكثر من 50 الف متطوع مروا بهذه الجزيرة منذ بدأ اللاجؤون من النساء والرجال والاطفال ، ومعظمهم من سوريا، بالوصول إليها بالقوارب المتهالكة عبر البحر.
عادل الزمراني متطوع هولندي من أصول مغربية، كان سابقا يدير شركة للعقارات في امستردام، يصف تجربة التطوع هذه بأنها غيرت حياته. وهو يأمل أن تكون زيارة البابا للجزيرة قد تركت أثرا مهما في نفسه وأن تكون دافعا له للتحرك بشأن اللاجئين بشكل أكبر.
وكغيره من المتطوعين جاء الزمراني إلى ليسبوس بعدما صدمته صورة الطفل السوري إيلان الكردي الذي وجد ميتا على الشاطىء بعد محاولة عائلته العبور إلى جزيرة كوس في سبتمبر الماضي.
قبل هذه الحادثة لم يكن الزمراني(38 عاما) قد سمع بجزيرة ليسبوس قط. كانت جزيرته المفضلة هي إيبيز حيث يقضي وأصدقاءه أوقاتا ممتعة في كل عام. لكن بحلول شهر أكتوبر كان مشاركا في أطول قافلة غذاء أوروبية إلى اليونان. يقول: لقد شاهدت التغيير الذي يمكن أن أحدثه في حياة الكثير من البشر، وهو أمر يحقق لي الرضا أكثر بآلاف المرات مما يمكن أن يحققه لي عملي في بيع العقارات.
يتابع الزمراني: ربما لا نستطيع إيقاف الحرب في سوريا، لكن عملنا في هذه الجزيرة جعلنا ندرك أننا نستطيع تغيير حياة الكثير من البشر.
مشهد ما قبل نهاية العالم
إذا كان التعاطف هو ما يحرك المتطوعين فإن المبادىء هي ما تجعلهم يصرون على البقاء والاستمرار في العمل في ليسبوس، فضلا عن شعورهم بالصدمة الناتج عن اقترابهم من المأساة، وإدراكهم لغياب التعاطف من قبل حكومات دولهم.
عندما وصلت ستيفي دي بوس( معلمة يوغا وعارضة سابقة) إلى الجزيرة، وهي أيضا متطوعة من هولندا، كانت تقضي وقتها على الشاطىء وحيدة تحاول الشعور بالسلام والحب والتناغم، بحسب ما قالت. مساعدة اللاجئين ممن يصلون في حالة من الإنهاك وبملابسهم الغارقة بالمياه لم يكن ما توقعته.
وفي الصيف الماضي بدأت أعداد اللاجئين الواصلين بالتزايد بشكل كبير ، وفي يوم واحد ساعدت دي بوس(33 عاما) نحو 450 شخصا على متن تسع قوارب. تقول : هذا أمر يغير حياتك إلى الأبد، ويغيرها بطريقة جميلة. اشعر أنني في نعمة كبيرة. ولا أريد أن أتذمر، لكن هناك نار تشتعل في داخلي لأن ما أراه ليس عادلا، فهؤلاء خاطروا بكل شيء للوصول إلى هنا، وكل ما تريد أوروبا فعله هو ترحيلهم.
الشعور بالغضب أمر مشترك على نطاق واسع بين المتطوعين. ويرى بنجامين جوليان (25 عاما) من ايسلندا، والذي يمضي وقته متنقلا من مكان إلى آخر في الجزيرة، وبالكاد يحصل على قدر يسير من النوم، أن قضية اللاجئين ليست فقط قضية عادلة لكنها أيضا وحدت الكثير من اليساريين في الغرب كما فعلت قضية فيتنام، في مواجهة حكومات دولهم. وهناك القليل ممن لا يرون في الاتفاق الأخير مع تركيا بخصوص اللاجئين مؤشرا على أن أوروبا تسير في ممر مظلم.
بالنسبة للأسترالية أليسون تيري إيفانس فان ليسبوس هي شاهد على مشهد ما قبل نهاية العالم.. “الأنين الصادر عمن أسعفهم حظهم بالوصول إلى الشاطىء،نساء وأطفال يبكون، ورجال يكتمون صراخهم، وصمت المئات ممن انتهوا غرقى ، كل ذلك مرعب”. تقول: من الصعب ان ترى البحر الآن كما كنت تراه في السابق.
أليسون تسعى الآن لتشكيل مجموعة جديدة تقوم بغسل ملابس اللاجئين، بالإضافة الى مجموعة سابقة تقوم بالعمل نفسه، لمساعدة 53 الف لاجىء ومهاجر اغلقت الحدود أمامهم الآن بسبب الاتفاقية التركية- الأوروبية.
طقس عبور
بعض التبرعات وصلت الى اللاجئين في هذه الجزيرة عبر مفوضية اللاجئين، وفنانين بريطانيين ونجمة هوليوود سوزان سراندون. لكن لا يبدو ذلك كافيا.
أحمد خان، المستثمر والذي عمل كمساعد للرئيس السابق للولايات المتحدة الأميركية بيل كلينتون، أمضى بعض الوقت في الجزيرة، ومثل غيره من المتطوعين يشعر بالغضب بسبب ما وصفه ب”اللامبالاة القاسية من قبل الأثرياء، وعجز أصحاب النفوذ”.
يقول خان(44 عاما) الذي أسس مركزا للعبور ومول عمليات البحث والإنقاذ في الجزيرة : إن الأمر كله وصمة عار. تطوع المواطنين العاديين جيد، لكن أين هو الأثرياء؟!. هذا ما شاهدناه سابقا في رواندا. يقتطع الناس العاديون من مواردهم المحدودة للمساعدة، بينما اسمع هنا عن يخت يكلف في الأسبوع الواحد مليون دولار، ثمن الوقود الذي يزود به يمكن أن ينفق على تعليم أطفال لاجئين لمدة عام.
تقول كافيتا كابور(محامية أميركية مختصة بحقوق الإنسان): جلست على الشاطىء مع شاب باكستاني صغير وقلت لنفسي كان يحتمل أن أكون أنا في مكانه، الفرق الوحيد أن أجدادي استطاعوا المغادرة وأنا اليوم أحمل جواز سفر يتيح لي التحرك.
تقول كابور: إيماني بقدرات البشر هو ما دفعني للمجيء إلى ليسبوس. أمام أزمة بهذا الحجم فإن اليونان كلها، التي توفر لنا الفرصة للمساعدة، وليست فقط ليسبوس، هي طقس عبور لنا جميعا.