هذه الأيام أيام الاختبارات الفصلية لكثير من مؤسساتنا التعليمية والتربوية، بكل ما تحمله من نجاحات وإخفاقات، ومشجّعات ومنغّصات، وقد تكون موسماً كذلك لتبادل الشكاوى بين المعلّمين وهي ظاهرة ليست جديدة، ويكفي أن نتذكّر هنا قصيدة الشاعر إبراهيم طوقان والتي يقول فيها: لو كان في التصحيح نفع يرتجى ** وأبيك لم أكُ بالعـيون بخيلا
ثم يختمها ببيته البائس اليائس: يا من يريد الإنتـحار وجدتـــه ** إن المعلّم لا يعـــيـش طويلا
بداية لا بد من الاعتراف أننا نواجه في كل عالمنا العربي معضلة في مخرجاتنا التربوية والتعليمية رغم وجود محاولات ليست بالقليلة للتطوير ورفع المستوى المطلوب والدخول في مجال التنافس الجاد والمفتوح.
إن الذي ينبغي التنبّه إليه أن المؤسسات التعليمية تختلف اختلافاً كبيراً عن المؤسسات الأخرى في أي مجال من المجالات، فأنت مثلاً لو أتيت بالقضاة الأكفاء النزيهين فإنه بإمكانك أن تطمئن على تحقيق العدل بين المتخاصمين، ولو أتيت بالأطباء الماهرين فإنك تطمئن إلى مستوى الرعاية الصحية التي سيقدمونها للمرضى، وكذلك قل مثلاً في نظام المرور والبنوك والمؤسسات التجارية..الخ، أما في المؤسسات التعليمية فإن إصلاح المعلّم وتطوير كفاءاته ومهاراته لا يضمن لك بالضرورة تطوير المخرجات، ذاك لأن عملية التعليم لها وجه آخر لا يقل أهمية عن التعليم؛ ألا وهو التعلّم، بل النظريات التربوية الحديثة تقدّم التعلّم على التعليم، وهذه فلسفة صحيحة وراقية إذا فهمت بشكل صحيح.
إن السؤال المحوري في هذه القصّة، هل المتعلّم جاء للتعلّم فعلاً؟ أم إن المعلّم يحتاج إلى جهد مضاف لخلق الدافعية للتعلّم؟ وكم هو الوقت الذي يحتاجه المعلّم لذلك؟ خاصة في نظام الساعات والفصول المقطّعة التي ربما لا يلتقي فيها المعلم بتلميذه إلا لأسابيع معلومة ولساعات محدّدة من كل أسبوع، ثم إذا كانت هذه هي مهمّة المؤسسات التعليمية فعلاً فلا بدّ إذاً من أن توضع لهذه المهمّة برامج وأدوات منضبطة ولا تترك للأساليب الوعظية والمحفّزات الشكلية أو الجزئية.
في تقديري أن الطرف المعني أكثر بصناعة الدافعية للتعلّم لدى التلميذ ومن مراحله الأولى هو المجتمع، بدءاً من الأب والأم ثم وسائل الإعلام ومنابر الجمعة والأنشطة والفعّاليات المجتمعية المختلفة.
إن ثقافة المجتمع التي تدرك قيمة التعليم، وأنه الروح التي تسري في كل مجالات الحياة، وأنه القاعدة الأولى لأي مشروع نهضوي، وأن هذا يتطلب صيانة المؤسسات التعليمية من حالات الغش والترهل وقلّة الاكتراث، وأن الغش في الامتحانات مثلاً إنما هو تهديد للأمن الوطني لأنه سيدفع بكفاءات مغشوشة في كل مفاصل الدولة، هذه الثقافة هي الكفيلة بتحسين مستوى التعلّم وصناعة الدافعية المطلوبة، إضافة إلى أن المجتمع بهذه الثقافة سيشكل رقابة واعية ومؤتمنة على عملية التعليم نفسها. إن المجتمع عليه أن يدرك أنه هو وليس غيره من يدفع ضريبة التعلّم الفاشل أو المترهّل، فالأب الذي يضغط على المعلّم للحصول على النجاح بأي طريقة كانت، هو نفسه الذي سيشعر بضعف الثقة تجاه أي خريج أو موظّف آخر وكذلك سيشعر ابنه أيضاً، مما يعني انهيار الثقة بكل المؤسسات الأخرى ومن ثمّ التوجّه الحتمي إلى البديل الأجنبي.