مصادر التشريع الإسلامي هي الأدلة الشرعية التي يستنبط منها الأحكام الشرعية، والأدلة (جمع دليل)، والدليل في اللغة: الهادي إلى أي شيء حسي أو معنوي. وفي الاصطلاح: مصادر التشريع الإسلامي هو ما يتوصل بصحيح النظر فيه إلى حكم شرعي عملي مطلقاً. أي سواء أكان الاستنباط على سبيل القطع (أي اليقين) أم على سبيل الظن (وهو رجحان أحد الاحتمالين على الآخر بدليل)، فيصير الدليل قسمين: قطعي الدلالة، وظني الدلالة.

التشريع الإسلامي: هو مجموعة الأنظمة التي شرعها الله تعالى للأمة الإسلامية في القرآن الكريم، أو في السنة النبوية، وكذلك باجتهادات الفقهاء، فما ثبت فيه نص شرعي يقال لـه: شـريعة، وما تقرر بالاجتهاد في ضوء النص يقال له: فقه.

تصنيف  مصادر التشريع الإسلامي

لمصادر التشريع الإسلامي تصنيفات، منها:

1ًـ المتفق عليه والمختلف فيه:

مصادر التشريع الإسلامي أو الأدلة المتفق عليها بين جمهور العلماء بالاسـتقراء، أربعة، وهي:

الكتاب أو القرآن، والسنة، والإجماع، والقياس.

أما مصادر التشريع الإسلامي المختلف فيها والتي لم يتفق جمهور الفقهاء على الاستدلال بها كثيرة، أشهرها سبعة، وهي:

الاستحسان، والاستصلاح أو المصالح المرسلة، والاستصحاب، والعرف، ومذهب الصحابي، وشرع من قبلنا، وسد الذرائع.

وضابط هذا التصنيف للأدلة: هو أن الدليل إما وحي وإما غير وحي.

والوحي من الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: إما متلو متعبَّد بتلاوته، وإما غير متلوّ في الصلاة، فإن كان وحياً متلواً؛ فهو القرآن، وإن كان وحياً غير متلو؛ فهو السنة.

وإن كان غير وحي: فإن كان رأي جميع المجتهدين في عصر فهو الإجماع، وإن كان إلحاق أمر بآخر في حكم لاشتراكهما في العلة (الوصف الظاهر المنضبط الذي يكون مظنّة لتحقيق الحكمة الشرعية أو المصلحة) فهو القياس، وإن لم يكن شيئاً من ذلك فهو الاستدلال، وهو متنوع إلى أنواع.

والأدلة الأربعة الأولى التي اتفق جمهور المسلمين على الاستدلال بها واجبة الاتباع، وهي المصادر الأصلية للتشريع الإسلامي، وغيرها هي المصادر التبعية، واتفقوا أيضاً على أنها مرتبة في الاستدلال بها على النحو الآتي: القرآن، فالسنة، فالإجماع، فالقياس.

وذلك بدليل حديث معاذ بن جبلt الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضياً إلى اليمن، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: «كيف تقضي يا معاذ إذا عرض لك قضاء؟». قال: أقضي بكتاب الله، قال: «فإن لم تجد في كتاب الله؟» قال: فبسنّة رسول الله، قال: «فإن لم تجد في سنة رسول الله؟» قال: أجتهد برأيي، ولا آلو (لا أقصر في الاجتهاد)، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدره، وقال: «الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله».

والتزم الخلفاء الراشدون بدءاً من أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذا المنهج، وتبعهم الصحابة في ذلك، وكذلك المسلمون من بعدهم ساروا على هذه الخطة المنطقية والشرعية، لقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا{ (النساء 59).

2ًـ الأدلة النقلية والعقلية:

المصادر أو الأدلة الشرعية إما نقلية (أي تعتمد على الحكاية الثابتة والنقل الصحيح) وإما عقلية (مرجعها الاجتهاد العقلي ممن توافرت لديه ملكة الاجتهاد).

والأدلة النقلية: هي الكتاب، والسنة، والإجماع، والعرف، وشرع من قبلنا، ومذهب الصحابي.

والأدلة العقلية: هي القياس، والمصالح المرسلة، والاستحسان، والاستصحاب، وسد الذرائع أو فتحها.

وكل من القسمين مفتقر إلى الآخر، فإن الاجتهاد لا يقبل من دون الارتكاز على أساس الأدلة النقلية، والأدلة النقلية لابد فيها من التعقل والتدبر والنظر الصحيح المعتبر.

3ً ـ الأدلة المستقلة والتبعية:

هذه المصادر أو الأدلة: إما أن يكون الواحد منها أصلاً مستقلاً بنفسه في التشريع؛ وهو القرآن والسنة والإجماع، وما يتعلق بها كالاستحسان والعرف ومذهب الصحابي، وإما أنه ليس أصلاً مستقلاً بنفسه؛ وهو القياس.

ومعنى كون الدليل أصلاً مستقلاً بنفسه في التشريع: هو أنه لا يحتاج في إثبات الحكم به إلى شيء آخر، وأما القياس: فإنه يحتاج في إثبات الحكم به إلى أصل وارد في الكتاب، أو في السنة، أو في الإجماع، ويحتاج أيضاً إلى معرفة علّة حكم الأصل، لكن يلاحظ أن احتياج الإجماع إلى مستند لا يجعله أصلاً غير مستقل بنفسه؛ لأن ذلك مطلوب فقط عند تكوين الإجماع وانعقاده، لا عند الاستدلال به، بخلاف القياس، فإنه عند الاستدلال به على الحكم يحتاج  إلى معرفة الأصل والعلة (أي الوصف الظاهر المنضبط…) إلخ.

التعريف الإجمالي بكل مصدر أصلي أو تبعي ومدى حجيته:

1ًـ القرآن الكريم: 

هو المصدر الأساس للشريعة، وهو كلام الله تعالى المنزل على رسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بوساطة جبريل الأمين؛ لفظاً ومعنى؛ للإعجاز به وبأقصر سورة منه، وإثبات رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه رسول الله؛ ليكون دستوراً للناس يعملون به إلى يوم القيامة، ويتعبّدون بتلاوته، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر (النقل الجماعي) كتابة ومشافهة جيلاً عن جيل، المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة الناس، المحفوظ من أي تغيير أو تبديل، لقوله تعالى: }إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون{ (سورة الحِجْر 9). وهو حجة الله على عباده؛ لأنه من عنده يقيناً، ونقل إليهم عن الله بطريق قطعي لا شك في صحته، فيجب على جميع الناس العمل به والاهتداء بهديه. والدليل القاطع على أنه من عند الله: هو عجز الناس عن أن يأتوا بمثله، مصداقاً لقوله تعالى: }وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{ (البقرة 23)؛ لذا قال تعالى مخاطباً رسوله: }وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُم{ (المائدة 49).

والقرآن قطعي الثبوت، لوروده إلينا بطريق التواتر المفيد للقطع بصحة المنقول كما ذكر، لكن دلالته على الأحكام إما قطعية الدلالة، وإما ظنية الدلالة. والنص القطعي الدلالة: هو اللفظ الوارد في القرآن الذي يتعين فهمه على النحو الوارد، ولا يحتمل إلا معنى واحداً، كآيات فرائض الصلاة والصيام والحج والزكاة، والمواريث والحدود والكفارات.

والنص الظني الدلالة: هو اللفظ الوارد في القرآن الذي يحتمل أكثر من معنى واحد في مجال التأويل، مثل تحريم الميتة في سورة المائدة (الآية 3) يحتمل تحريم كل ميتة في البر والبحر، ويحتمل تحريم ما عدا ميتة البحر؛ لأن اللفظ عام. وكذلك لفظ «الدم» في الآية نفسها يحتمل إرادة جميع الدماء الجامدة والسائلة، ويحتمل تحريم الدماء المسفوحة فقط، فيكون هذا اللفظ المشترك ظني الدلالة؛ لدلالته على معنى، واحتمال دلالته على معنى آخر.

2ًـ السنّة النبوية: 

السنة لغة: السيرة والطريقة المعتادة، وفي الاصطلاح الشرعي: هي كل ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، وهذا يرشد إلى أن السنة ثلاثة أنواع:

1ً) ـ السنّة القولية: وهي الأحاديث التي قالها الرسول صلى الله عليه وسلم في مختلف الأغراض والمناسبات، مثل قوله فيما رواه البخاري ومسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، وقوله فيما رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما: «لا ضرر ولا ضرار».

2ً) ـ السنّة الفعلية: هي الأفعال التي فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم كأداء الصلوات الخمس، وأداء شعائر الحج، وقضائه بشاهد واحد ويمين المدعي.

3ً) ـ السنّة التقريرية: هي ما أقره النبي صلى الله عليه وسلم صراحة، أو سكت عن إنكاره بعد أن حدث أمامه أو في عصره، وعلم به، أو ظهر منه ما يدلّ على استحسانه والرضا به، مثل إقراره أكل الضبّ على مائدته، واستبشاره بحكم القائف (الذي يعرف الآثار) الذي حكم بأن أقدام أسامة من أقدام زيد بن حارثة، فتكون القيافة طريقاً لإثبات النسب.

والسنّة الثابتة حجة، وهي المصدر الثاني للتشريع، وواجبة الاتباع كالقرآن في استنباط الأحكام الشرعية؛ لأن الله تعالى فرض على المؤمنين إطاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه، وجعل طاعة الرسول طاعة له، وأمر المسلمين برد المتنازع فيه إلى الله ورسوله في صريح القرآن في آيات كثيرة، منها: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ…{ (النساء 59) الآية، ومنها: }مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ{ (النساء 80). واتفق الصحابة على وجوب العمل بالسنّة النبوية بعد القرآن المجيد عملاً بالأوامر القرآنية؛ ولأنه في غالب الأحيان لا يمكن العمل بالقرآن في مجمله إلا ببيان السنة كتبيان كيفية الصلاة والزكاة والصيام والحج  وأنواع الربا، أو لتقييد مطلق القرآن كما في تنفيذ الحدود (العقوبات الشرعية) أو لتخصيص العام كحديث أبي داود: «لا يرث القاتل شيئاً» فإنه مخصص لآيات المواريث.

3ً ـ الإجماع: 

في اللغة: هو العزم على الشيء، أو الاتفاق، وفي اصطلاح الأصوليين: هو اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في عصر من العصور على حكم شرعي؛ كاتفاق الصحابة على إعطاء الجدة السدس في الميراث، وعلى منع بيع الطعام قبل قبضه.

 وهو نوعان: صريح وسكوتي، الأول يتطلب الاتفاق الواضح بين المجتهدين على حكم في مسألة معينة، وهو حجة بالاتفاق. والثاني بأن يتكلم بعض المجتهدين في شيء ويسكت الآخرون من غير إنكار، وهو حجة عند الحنفية والحنابلة. والإجماع هو المصدر الثالث من مصادر التشريع.

وأدلة حجية الإجماع كثيرة، منها: قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ{ (النساء 59)، وأولو الأمر في السياسة هم الحكّام، وفي العلم هم المجتهدون وأهل الفتيا الثقات؛ ولأن الحكم المتفق عليه بين المجتهدين بالنيابة عن الأمة؛ هو في الحقيقة حكم الأمة.

4ًـ القياس: 

في اللغة: إما التقدير، وإما التسوية بين الشيئين. وفي اصطلاح الأصوليين: هو إلحاق أمر غير منصوص على حكمه بأمر منصوص شرعاً على حكمه؛ لاشتراكهما في علة الحكم، مثل قياس الوصية على الميراث في حرمان القاتل منهما؛ لاستعجاله شيئاً قبل أوانه، فيعاقب بحرمانه. وهو حجة شرعية في الأحكام العملية، وهو المصدر الرابع في التشريع. ودليل حجيته من القرآن آية }فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ{ (النساء 59).

ومعنى القياس فيه ردٌّ إلى الله والرسول، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الاجتهاد بالرأي، وهو القياس غالباً، وقاس الرسول صلى الله عليه وسلم في مسائل كثيرة، كقياس وجوب أداء دين الله كالحج على وجوب أداء ديون الناس المادية، وقاس الصحابة الخلافة على إمامة الصلاة لمبايعة أبي بكرt بها؛ لتساوي الأصل والفرع في المعنى الجامع المشترك بينهما وهو المعبر عنه بالعلة.

5ً ـ الاستحسان: 

في اللغة: عدّ الشيء حسناً، وفي اصطلاح الأصوليين: هو ترجيح قياس خفي على قياس جلي بدليل، مثل قياس الوقف على الإجارة لإفادة كل منهما حق الانتفاع بالشيء، فتدخل فيه حقوق الارتفاق كالمرور والطريق ولو لم ينص الواقف عليها كالإجارة، وهو قياس خفي في مقابله قياس جلي، وهو قياس الوقف على البيع، فتحتاج إلى النص عليها. أو هو استثناء حكم جزئي من أصل كلي أو قاعدة عامة بناء على دليل خاص يقتضي ذلك، كالحكم بصحة عقود السَّلَم (بيع آجل بعاجل) والاستصناع (استصناع السفن والطائرات والمفروشات ونحوها) والإجارة وعقود استثمار الأراضي الزراعية (المزارعة، والمساقاة، والمغارسة) استثناء من حكم بطلان عقد المعدوم، وهو حجة لاعتماده على نص أو إجماع أو ضرورة أو قياس أو عرف أو مصلحة، ولانسجامه مع مبدأ الشريعة في الأخذ باليسر وترك العسر.

6ًـ المصلحة المرسلة أو الاستصلاح: 

هي في اللغة المنفعة، وفي اصطلاح الأصوليين: هي الوصف الذي يلائم مقاصد الشريعة (الحفاظ على الدين والنفس والعقل والنسب أو العرض والمال)، ولكن لم يرد في الشرع نص خاص على اعتباره أو إلغائه، ويحصل من ربط الحكم به جلب مصلحة أو دفع مضرة عن الناس، كجمع الصحابة المصحف في صحف واحدة، واتخاذ الدواوين، والسجون وصكّ النقود، وهي حجة في رأي أكثر العلماء؛ لأن العمل بها فيه تحقيق مصلحة معتبرة ودفع الحرج عن الناس، ومراعاة تطور الزمان؛ ولأن الشريعة رحمة للعالمين، ولأن الصحابة ومن بعدهم اجتهدوا في أحكام راعوا فيها المصلحة العامة.

7ً ـ العرف: 

هو كل ما اعتاده الناس وساروا عليه من كل فعل شاع بينهم، أو قول تعارفوا إطلاقه على معنى خاص لا تألفه اللغة، ولا يتبادر غيره عند سماعه؛ وذلك بشرط ألا يصادم نصاً شرعياً أو إجماعاً، وهو العرف الصحيح: وهو ما تعارفه الناس دون أن يحل حراماً، أو يحرم حلالاً، كقسمة المهر إلى معجل ومؤجل، وتقديم عربون في عقد الاستصناع. وهو حجة في التشريع لملاءمته حاجات الناس ودفع الحرج والمشقة عنهم، وتحقيق مصالحهم،  ما دام لا يخالف الشرع.

8ً ـ شرع من قبلنا: 

هو الأحكام التي شرعها الله تعالى للأمم السابقة عن طريق أنبيائه كإبراهيم وموسى وداود وعيسى عليهم السلام، وهو يمثل صلة الشريعة الإسلامية بما سبقها من الشرائع المتقدمة. وهو مصدر في التشريع في رأي أغلب العلماء غير الشافعية، فما صح من شرع من قبلنا يكون شرعاً لنا؛ ما لم ينسخ من طريق الوحي لنبينا صلى الله عليه وسلم، لا من جهة كتبهم المبدلة، ويجب على المكلفين اتباعه، كاستدلال الحنفية على جواز قتل المسلم بغير المسلم قصاصاً، وقتل الرجل بالمرأة؛ بقوله تعالى: }النَّفْسَ بِالنَّفْس{ (المائدة 45) وكمشروعية قسمة المهايأة الزمانية (مبادلة الانتفاع بالشيء مدة معينة) بقوله تعالى في شـريعة صالح u: }وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ{ (القمر 28).

9ً ـ مذهب الصحابي: 

وهو مجموع الآراء الاجتهادية والفتاوى الفقهية الثابتة عن أحد الصحابة. والصحابي عند الأصوليين: هو كل من لقي الرسول صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، ولازمه زمناً طويلاً. وهو حجة شرعية في الاجتهاد في رأي جمهور العلماء غير الشافعية – فيما صدر عن الصحابي من رأي واجتهاد خاص لم تتفق كلمة الصحابة عليه – لحديث مسلم: «خير القرون القرن الذي أنا فيه» كاجتهادات ابن مسعود وابن عمر وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم.

10ًـ الاستصحاب: 

في اللغة: طلب المصاحبة.

وفي رأي الأصوليين: هو الحكم بثبوت أمر أو نفيه في الزمان الحاضر أو المستقبل بناء على ثبوته أو عدمه في الزمان الماضي؛ لعدم قيام الدليل على تغييره، مثل: أن يقال: الحكم الفلاني قد كان، ولم يظن عدمه، وكل ما كان كذلك فهو مظنون البقاء؛ لأن الظن حجة متبعة في الشرعيات.

ويعمل به إذا لم يوجد دليل آخر، فهو آخر مدار الفتوى. ويتفرع عليه قاعدة:

“الأصل في الأشياء الإباحة” و “الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما يغيره”.

فالأصل في المفقود (الشخص الغائب) بقاؤه حياً حتى يقوم دليل على وفاته، فلا يورث ماله بالاتفاق. وتكفي الشهادة بالوصية أو الإيصاء وإن لم يصرح بإصرار الموصي إلى وقت الوفاة. وهو حجة مطلقة عند الشافعي وأحمد، وحجة للدفع والنفي لا للإثبات عند الحنفية والمالكية، فالاستصحاب في رأيهم لبراءة ذمة ليس بحجة لبراءتها حقاً، بل لإبطال ادعاء الخصم الذي يدعي شغل هذه الذمة من دون دليل، واصطحاب الملكية الثابتة بعقد سابق ليس حجة لبقاء الملكية، بل حجة لدفع دعوى من يدعي زوال هذه الملكية دون إقامة دليل، والفريق الأول يجعل الحجية مطلقاً سلباً وإيجاباً، أي يثبت الحق، ويمنع ادعاء الآخرين. والواقع أن الاستصحاب من الظواهر الاجتماعية  التي لا يستغنى عنها شرعاً وعقلاً وعادة.

11ًـ سد الذرائع: 

الذريعة في اللغة: هي الوسيلة التي يتوصل بها إلى الشيء، وعند علماء الأصول: هي ما يتوصل به إلى الشيء الممنوع المشتمل على مضرة أو مفسدة.

وهو حجة مطلقاً في رأي المالكية والحنابلة خلافاً لغيرهم، مثل منع قضاء القاضي بعلمه الشخصي في الحوادث؛ لأنه وسيلة للقضاء بالباطل من قضاة السوء المتهمين. وتضمين حملة الطعام لئلا تمتد إليه أيديهم، وتحريم بيع السلاح في الفتنة الداخلية وإبطاله؛ لأنه إعانة على العدوان غالباً. ودليل الحجية: ورود نصوص شرعية في القرآن والسنة تحرّم أشياء مأذوناً فيها في الأصل، ولكنها منعت؛ لأنها تؤدي في كثير من الأحوال إلى مضار أو مفاسد، كتحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية غير المحرم، وسفر المرأة لمدة مسافة القصر فأكثر (86 كم) مع غير ذي رحم محرم، والنهي عن بناء المساجد على القبور وعن الصلاة إليها وعن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في عصمة رجل واحد.


وهبة الزحيلي