(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ . وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) التحريم : 1- 4
ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي – ﷺ – كان يمكث عند زينب بنت جحش – رضي الله عنها – فيشرب عندها عسلا ، قالت – عائشة – : فتواطأت أنا وحفصة أن أيتنا ما دخل عليها رسول الله – ﷺ – فلتقل : إني أجد منك ريح مغافير ! أكلت مغافير ؟ -(المغافير صمغ شجر العرفط وله رائحة مختمرة كريهة ) – فدخل على إحداهما فقالت له ذلك . فقال:” بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له ” . فنزل) : لم تحرم ما أحل الله لك ) إلى قوله ( إن تتوبا ) : لعائشة وحفصة . الجامع لأحكام القرآن . للقرطبي .
فالسيدة عائشة وحفصة – رضي الله عنهما وأرضاهما – كادتا برسول الله وتواطأتا معا – كعادة الضرائر – على شأن من شؤون حياتهم الخاصة بزوجهم رسول الله – ﷺ – ، وتحالفتا عليه في أمر مبعثه الغيرة من إحدى أزواجه ، ومع ذلك كانت النتيجة وكان الأمر الإلهي ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) !!
فالمعركة ضد رسول الله خاسرة والكيد به بائر زائل لا قيمة له ، ومحاولات التظاهر عليه والكيد به هي في مهب الريح ، فلا قلق عليه – عليه السلام – ولا على سنته
فالنتيجة : التوبة مما فعلتا ، واليقين بأن أي تظاهر وكيد برسول الله – عليه السلام – مهما كان سببه وهدفه – حتى في شؤون أسرية وزوجية خاصة – ، فإن الله سيتولى المعركة و رد الكيد عنه فهو وليه وناصره و كافيه ، وليس هذا فحسب بل هناك جند آخرون ، فجبريل من ورائه يناصره وصالحو المؤمنين وعموم الملائكة ، جيوش لا يعلمها إلا الله !!
إنه والله لأمر مريع وخطب جلل !! فإذا كان الكيد برسول الله – عليه الصلاة والسلام – في مثل هذه الشؤون الزوجية الخاصة ، ومن قبل أقرب المقربين إليه وأحبهم إلى قلبه ( عائشة وحفصة ) – رضي الله عنهما – لا يعد مقبولا ولم يسكت عنه رب العزة ولم يسلم به ، فكيف بمن كاد و يكيد برسول الله من غيرهم ، أو من أعداء وخصوم الدين ، الذين يقصدون الطعن و التشويه والانتقاص من شخصه وسنته ونهجه ، هل بالله عليكم سيتركهم الله ويسلم رسوله ولا ينصره ؟!! معاذ الله !
قال القاسمي – رحمه الله – ” وإن تظاهرا عليه – أي: تتظاهرا وتتفقا على ما يسوؤه – فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير أي: متظاهرون على من أراد مساءته، فماذا يفيد تظاهر امرأتين على من هؤلاء ظهراؤه؟ ولما كانت الملائكة أعظم المخلوقات وأكثرهم، ختم الظهراء بهم ليكون أفخم في التنويه بالنبي صلوات الله عليه، وعظم مكانته، والانتصار له؛ إذ هي هنا بمثابة جيش جرار، يملأ القفار، يتأثر أميره وقائده، ليحمل على عدوه ومناوئه.” تفسير القاسمي .
فالمعركة ضد رسول الله خاسرة والكيد به بائر زائل لا قيمة له ، ومحاولات التظاهر عليه والكيد به هي في مهب الريح ، فلا قلق عليه – عليه السلام – ولا على سنته ، ما دام الله تكفل به وجنود آخرون لا يعلمهم إلا الله !
” ومن هذه الحملة الضخمة الهائلة ندرك عمق الحادث وأثره في قلب رسول الله – ﷺ – حتى احتاج الأمر إلى إعلان موالاة الله وجبريل وصالح المؤمنين. والملائكة بعد ذلك ظهير! ليطيب خاطر الرسول – ﷺ – ويحس بالطمأنينة والراحة من ذلك الأمر الخطير! ولا بد أن الموقف في حس رسول الله – ﷺ – وفي محيطه كان من الضخامة والعمق والتأثير إلى الحد الذي يتناسب مع هذه الحملة..” في ظلال القرآن . سيد قطب
والمهم في هذه القضية موقعنا نحن معاشر المؤمنين ، حيث نص الحق سبحانه على حصتنا من موالاة النبي – عليه السلام – حيث قال : ( وصالح المؤمنين ) – ونسأل الله أن نكون منهم – مشيرا إلى جنديتنا في المعركة و في الوقوف الدائم في وجه التظاهر ضده والكيد والمكر به ، هذا ما يجب أن يشغلنا ويقلقنا و يطرح التساؤل : هل كنا كما أراد الله لنا ؟ وهل عرفنا دورنا والمطلوب منا ؟ وماذا خططنا وكم شغلنا هذا الموضوع ؟
إنه لمن التشريف لنا حقا معاشر المؤمنين أن يذكرنا الله سبحانه في سياق ذكر به نفسه العلية وملائكته الكرام و غرتهم جبريل عليه السلام ، نعم إنه لتشريف لكن فيه – والله أعلم – من التكليف والعبئ ما فيه . فهل نكون عند حسن الظن والثقة ؟