نظمت مكتبة قطر الوطنية، يوم الثلاثاء الموافق 18 نوفمبر 2025، النسخة الثالثة من سلسلة ندواتها “من ذاكرة المجموعات الخاصة في قطر”، والتي سلطت الضوء على مكتبة الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري (1914-1989)، باعتبارها واحدة من أبرز المكتبات الخاصة في دولة قطر. وقد أكدت الندوة على الدور المحوري لهذه المكتبات في حفظ الذاكرة الوطنية وإثراء التراث الفكري.

دور ريادي لمكتبة الشيخ عبد الله الأنصاري

احتفت الندوة بإرث الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، أحد العلماء البارزين والمؤسسين لأول معهد ديني في قطر عام 1954، ورائد في صون التراث الإسلامي ونشر المعرفة. وقد ألقى المتحدثون الضوء على جهوده العلمية ودوره في نشر التراث الإسلامي، ومساهمته في تأسيس المعهد الديني، وجهوده في نشر التقويمين الهجري والميلادي وتحديد مواقيت الصلاة في قطر. وقد عُرف الشيخ الأنصاري بتفانيه في خدمة العلم والإرشاد الديني، مما جعله جديراً بلقب “خادم العلم”.

مجموعة من الحضور في قاعة مؤتمرات تتضمن رجالاً ونساءً يرتدون الزي التقليدي. يتواجد في المقدمة رجال يرتدون الغترة والعقال، بينما تجلس النساء في الخلف. القاعة مزينة بأضواء وخلفية فنية، مع وجود مصور في الجهة اليمنى.

وتجسد مكتبة الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، التي كانت محور الاحتفاء، إثراءً كبيراً للتراث الثقافي والفكري لدولة قطر، حيث تضم مجموعة زاخرة من المخطوطات النادرة والكتب والوثائق التاريخية التي تعكس النهضة العلمية والثقافية والفكرية التي شهدتها البلاد في القرن العشرين.

الدكتور إبراهيم الأنصاري: ربط الماضي بالحاضر

كان لمداخلة الدكتور إبراهيم بن عبد الله الأنصاري، عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر ونائب رئيس مجلس إدارة مجمع الشيخ عبد الله الأنصاري، أهمية خاصة في ربط إرث الشيخ بالواقع الأكاديمي المعاصر.

استعرض الدكتور إبراهيم الأنصاري نشأة الشيخ وتعليمه وجهوده في طلب العلم، ومشاركته في بدايات النهضة التعليمية في قطر مطلع خمسينيات القرن الماضي. كما أكد في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية (قنا) على أهمية هذه الندوة في تسليط الضوء على الإرث العلمي للشخصيات في دولة قطر، وحث الأجيال على استلهام هذه الإنجازات والتعرف على تاريخ الدولة وعطاء رجالها.

وأشار الدكتور الأنصاري إلى أن دعم حكام قطر كان له الأثر الأكبر في دعم مجهودات الشيخ الأنصاري، وكان اهتمامهم المنفرد بالكتاب الديني والعلمي حافزاً للكثيرين من أهل العلم ليقدموا إنتاجاً يليق باسم قطر. كما أعرب عن شكره لمكتبة قطر الوطنية على جهودها الكبيرة في خدمة الكتاب والمعرفة.

من جانبه، أشار السيد علي بن عبد الله الأنصاري، نجل الشيخ، إلى الدور البارز للكتاب في حياة والده، حيث كان له اهتمام خاص بالتأليف والتحقيق والطباعة والنشر. وكشف أن الشيخ قدم للمكتبة العربية والإسلامية أكثر من 250 مؤلفاً ما بين مطبوع ومحقق ومنشور، منها حوالي 29 عملاً من تأليفه وتصنيفه، وشارك في تحقيق ما يقارب 60 كتاباً من أمهات الكتب، واهتم بطباعة ونشر حوالي 130 كتاباً في التراث الإسلامي، بالإضافة إلى المصاحف والتقاويم بمختلف القراءات.

الذاكرة الوطنية والتراث الفكري

أكد سعادة الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، وزير الدولة ورئيس مكتبة قطر الوطنية، على أهمية المجموعات الخاصة باعتبارها رافداً أساسياً للذاكرة الوطنية وجزءاً أصيلاً من التراث الفكري. وشدد على أن الاحتفاء بمكتبة الشيخ الأنصاري هو تعبير عن التقدير لرموز النهضة الثقافية القطرية التي شكلت وعي الأجيال، واعتزاز بمكانة قطر ودورها كمنارة للمعرفة وجسر للحوار بين الثقافات.

وأضاف الدكتور الكواري أن تحويل هذه الذاكرة الخاصة إلى معرفة عامة متاحة للباحثين هو جوهر رسالة المكتبة في بناء اقتصاد معرفي مستدام يستمد جذوره وهويته من الحضارة العربية والإسلامية.

امرأة ترتدي عباءة سوداء تقف خلف منصة في مكتبة قطر الوطنية. خلفها شاشة تعرض نصًا باللغة العربية يتعلق بحدث ثقافي. الإضاءة داخل القاعة دافئة والأرضية خشبية.

من جانبها، قالت السيدة عائشة حسن الأنصاري، رئيس قسم المجموعات التراثية في مكتبة قطر الوطنية، إن المكتبة تحرص على إبراز دور المكتبات الخاصة في تشكيل الهوية وتعزيز التراث. وأكدت أن سلسلة “من ذاكرة المجموعات الخاصة في قطر” تؤكد تقدير المكتبة العميق للأفراد الذين أسهمت مكتباتهم الشخصية في إثراء التراث الوطني، مشيرة إلى أن سيرة الشيخ الأنصاري هي نموذج يحتذى به في طلب العلم، وتجسد الجهود التي يبذلها علماؤنا في تعزيز المعرفة في شتى المجالات.

تأتي هذه الندوة ضمن جهود مكتبة قطر الوطنية للاحتفاء بالدور الجوهري الذي يضطلع به الأفراد والعائلات في صون المعرفة والثقافة والحفاظ على الذاكرة الجماعية لدولة قطر، لتنهل منها الأجيال القادمة.