جذبت مكتبة قطر الوطنية أنظار الخبراء والمتخصصين من مختلف دول العالم إلى دورها الرئيسي في الحفاظ على التراث والوثائق والمخطوطات في منطقة الخليج والعالم العربي.
على مدار شهر يونيو الماضي، نظم مركز الحفظ والصيانة بمكتبة قطر الوطنية أربع محاضرات تعليمية عبر الإنترنت (بسبب تفشي وباء كورونا) أبرزت جهود المكتبة في التعاون مع المؤسسات الشريكة في المنطقة من أجل صون التراث الثقافي الفريد للعالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط وتعزيز الوعي بالحفاظ على الكتب والمخطوطات والوثائق النادرة. وقد شارك في هذه المحاضرات نحو 300 خبير ومتخصص.
وتتسق هذه المحاضرات مع الدور الريادي الذي تضطلع به مكتبة قطر الوطنية في محيطها العربي باعتبارها مركز الإفلا الإقليمي لصيانة مواد المكتبات والحفاظ عليها في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، ومع أهداف المركز الذي يسعى لتطوير الخبرات والكفاءات في مجال حفظ التراث وصونه، وإنشاء شبكة مهنية تعاونية توفر سبل تبادل المعرفة بما يخدم جهود ومبادرات حفظ التراث الوثائقي في جميع دول المنطقة.
ضرورة صيانة المخطوطات
من هذه المحاضرات ورشة عن بعد بعنوان «صيانة المخطوطات وحفظها: مقدمات تأسيسية»، شارك فيها 85 متخصصًا من قطر ومنطقة الخليج و32 دولة أخرى. وفي هذه المحاضرة، انضم خبراء مركز ترميم المخطوطات بمكتبة العتبة العباسية المقدسة في العراق إلى خبراء المكتبة في تعريف المشاركين بالخطوات العملية لترميم الوثائق ذات القيمة التاريخية لمنطقة الخليج والعالم العربي وصونها، وكذلك الاستعداد للكوارث وخطوات الصيانة الأولية التي يجب إجراؤها للتراث الوثائقي المهدد بالخطر.
للإشارة فقط، فإن مكتبة العتبة العباسية المقدسة هي مكتبة عامة ضمن العتبة العباسية المقدسة في مدينة كربلاء القديمة بالعراق. وتحتوي على العديد من مصادر الكتب والكتب الإلكترونية والمخطوطات والكتب النادرة في تخصصات متنوعة وبلغات مختلفة. وتحتوي المكتبة على نحو 250 ألف مصنف.
يقول مكسيم نصره، أخصائي صيانة الكتب في المكتبة: «من الناحية التاريخية، كان للعراق دور بارز في إنتاج المخطوطات في مجالات الفلسفة والعلوم الطبيعية، وكذلك تدوين قواعد اللغة العربية والبلاغة والنحو والأدب العربي. وكنا سعداء للغاية بالاستفادة المشتركة وتبادل المعرفة مع مكتبة العتبة العباسية المقدسة فيما يخص جهودهم الأخيرة في ترميم المواد التراثية، وكذلك تبادل الخبرات مع عدد كبير من أخصائيي الحفظ والصيانة من خلفيات وثقافات متنوعة حول العالم».
ورش تعليمية وقائية
كما شاركت المكتبة في ندوة دولية عبر الويب حول أخطار استئناف العمل بالمكتبات في ظل وباء فيروس كورونا، وكانت الندوة الإلكترونية التي نظمتها لجنة العلاقات الدولية في الجمعية الأمريكية للمكتبات على غرار المائدة المستديرة بهدف تبادل المعلومات بين مكتبات العالم، مع التركيز على مناهج المكتبات في التعقيم في العالم العربي واستراتيجيات استئناف التشغيل على المستوى العالمي. وسينشر مركز الإفلا الإقليمي لصيانة مواد المكتبات والحفاظ عليها في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، بالتعاون مع كلية لندن الجامعية في قطر، تقريرًا في وقت لاحق هذا العام حول تعقيم المواد والمرافق في المكتبات.
وفي شهر يونيو الماضي قدم فريق الحفظ والصيانة في المكتبة ورشًا تعليمية عن بعد للمكتبات والمراكز الأرشيفية في الشرق الأوسط حول إجراءات الوقاية قبل إعادة فتح المكتبات للجمهور على خلفية جائحة كورونا. كما نظم خبراء المكتبة في الشهر نفسه بالتعاون مع المكتبة البريطانية محاضرتين عن بعد، تناولت الأولى تاريخ التسجيلات الصوتية العربية من تسجيلات الفونوغراف في منتصف القرن التاسع عشر إلى الصِيَغ الرقمية في القرن الحادي والعشرين. أما الثانية فقد ناقشت الأخطار التي تهدد عمليات الحفظ والصيانة لمختلف أشكال التسجيلات الصوتية العربية، بالإضافة إلى مقدمة موجزة عن عمليات الحفظ والصيانة للمجموعات السمعية والبصرية.
يضيف مكسيم نصره قائلًا: «التراث هو أهم محرك للسلام في مناطق الصراعات، ويسهم في بناء المجتمعات الشاملة التي تحتضن الجميع، ويسرد على فئات المجتمع قصة هويتهم والقواسم المشتركة التي تجمع بينهم».
قطر مركز لصيانة المكتبات
وتأتي فعاليات المكتبة في يونيو في إطار دورها الريادي في الحفاظ على تراث المنطقة العربية باعتبارها مركز الإفلا الإقليمي لصيانة مواد المكتبات والحفاظ عليها في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، وهو الدور الذي لا تزال تضطلع به منذ 2015، وتتعاون المكتبة في نطاقه بصورة وثيقة مع المؤسسات الخليجية والأرشيفية في المنطقة لتزويد الخبراء بالمهارات المطلوبة للحفاظ على التراث الثقافي الغني في قطر والمنطقة العربية وصونه للأجيال القادمة.
من جانبه، صرح ستيفان إيبيغ، مدير إدارة صيانة مواد المكتبة والمحافظة عليها بالمكتبة ومدير مركز الإفلا الإقليمي: «إننا نشعر بالرضا الكبير ونحن نلمس مثل هذا التقدير الدولي المستمر لدور المكتبة وريادتها في مجال حفظ المواد التراثية وصونها، وقدرتنا على الإجابة على تساؤلات واستفسارات عدد كبير من ممثلي المكتبات والأرشيفات حول صيانة الكتب النادرة والمخطوطات والوثائق في الشرق الأوسط في هذه الظروف العصيبة غير المسبوقة إنما تعزز سمعة المكتبة وترسخ مكانتها في هذا الفضاء النادر المتخصص، أي مجالات حفظ الوثائق والتراث وصيانته».
وكان ستيفان إيبيغ قد شارك في مارس الماضي في الاجتماع السنوي لمنظمة الجمارك العالمية في بروكسل في بلجيكا، حيث قدم عرضًا تقديميًا سلّط فيه الضوء على جهود المكتبة ودورها كمركز الإفلا الإقليمي في مكافحة الاتجار غير الشرعي بالمخطوطات والأرشيفات والكتب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ويختم إيبيغ حديثه قائلًا: «رغم الحجر الصحي المنزلي، فإننا نبذل جهدًا أكبر من ذي قبل ولا ندخر وسعًا من أجل الحفاظ على تراث المنطقة وتوفير فرص التدريب العملي للخبراء بالتنسيق مع شركائنا».