افتتح الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر رسميا الاثنين مكتبة قطر الوطنية، بوضعه الكتاب “المليون” على أحد رفوفها، وهو نسخة نادرة من مخطوط صحيح البخاري يعود تاريخها لعام 1175 ميلادية أي إلى أكثر من 843 عاما. وكانت الشيخة موزا بنت ناصر قد وضعت في 16 ديسمبر 2016 أول كتاب على رفوف هذه المكتبة وهو مخطوط لمصحف بديع ونادر للقرآن الكريم.
حضر الافتتاح أكثر من 700 شخصية دولية بينهم رؤساء دول سابقون ودبلوماسيون ومثقفون من 52 دولة يتقدمهم الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي والرئيس التركي السابق عبد الله جول ورئيس الوزراء الإيطالي السابق ماتيو رينتسي..كما حضره أيضا الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني والشيخة موزا بنت ناصر، رئيسة مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع.
ليست مجرد مكتبة
وقالت الشيخة موزا “إن افتتاح مكتبة قطر الوطنية يستدعي الشعور بالفخر التاريخي والانتماء للريادة في الوطن العربي منذ بدء تاريخ الكتابة والتدوين والمكتبات في وادي الرافدين قبل أكثر من خمسة آلاف عام”.وأضافت “صُممت (المكتبة) في شكلها ومضمونها لتكون ثلاثية الأبعاد، فهي مكتبة وطنية ومكتبة عامة ومكتبة بحثية في آن معا.. وبوصفها مكتبة رقمية متقدمة سوف تتيح لمستخدميها الوصول السريع للمعلومة الدقيقة كما توفر للأجيال الجديدة الأدوات المعرفية الكثيرة من أجل قراءة صحيحة للتاريخ”.
وأكدت الشيخة موزا أن وظيفة المكتبة لم تعد تقتصر على كونها مجرد خزانة للكتب أو أرشيفا للتاريخ ترتادها النخبة الثقافية وتستفيد منها المؤسسات الأكاديمية وطلبة العلم فحسب، بل أمست كيانا ديناميا يصنع حراكا ثقافيا مجتمعيا واسعا ويثري الحوار المعرفي وينمي العقل والخيال الإبداعي.
700 شخصية دولية
من جانبها، قالت المديرة التنفيذية لمكتبة قطر الوطنية سهير وسطاوي إن حضور أكثر من 700 شخصية دولية يعكس أهمية هذه المنارة المعرفية وإشعاعها بقطر وسائر العالم وأبلغ شهادة على استمرار المكانة الرفيعة للمكتبات ودورها الحيوي في حياة الشعوب اليومية.
وعُرض فيلم قصير عن مرافق المكتبة وسمات المبنى وخصائصه المعمارية،وعرف تقديم عرض ضوئي يعكس رحلة قطر مع العلم والمعرفة، كما عرف الحفل تقديم كلمة لمصمم مبنى المكتبة المهندس المعماري الهولندي رِم كولهاس، تحدث فيها عن هندسة المباني وقدرتها على تجسيد المعاني، وكلمة للشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي عن الكتاب ووظيفته بوصفه سلطة معنوية وحاجة الدول إلى المكتبات.
وألقى الرئيس التنفيذي للمكتبة البريطانية رولي كيتينغ كلمة حول أهمية المكتبات، فيما تحدث مؤسس مختبر وسائل الإعلام في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا نيكولاس نيغروبونتي عن “تأثير التكنولوجيا على خدمات المكتبات”.
مليون جليس ومكتبة تراثية
وتعد مكتبة قطر الرقمية الوطنية أحدث مشروع ثقافي في البلاد، تقع على مساحة 45 ألف متر مربع، وهي أحد مشروعات مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع وبدأ العمل فيها في نوفمبر2012. ووضع تصميمها المعماري الهولندي ريمينت كولهاس على شكل ورقة مطوية من الجهات الأربعة، وتضم بجانب قاعات الإطلاع قاعات للمحاضرات والعروض الأدائية والأعمال الفنية.
وبحسب الموقع الرسمي للمكتبة على الإنترنت فإن طاقتها الاستيعابية تبلغ مليونا و200 ألف كتاب. كما تضم هذه المنشأة مكتبة تراثية تحوي مخطوطات نادرة يزيد عدد مقتنياتها عن 50 ألف مادة تاريخية وتراثية، تشمل أربعة آلاف مخطوط و1400 خريطة تاريخية و26 ألف كتاب، بالإضافة إلى عشرات الأطالس و30 ألف صورة فوتوغرافية فضلا عن الآلات الملاحية والفلكية القديمة.
واستقبلت المكتبة منذ افتتاحها التجريبي في نوفمبر الماضي 200 ألف زائر، وسجلت أكثر من 51 ألف عضو جديد.وخلال هذه الفترة، بلغ عدد الكتب المستعارة 300 ألف كتاب منها أكثر من 185 ألفا من مجموعة الأطفال واليافعين وأكثر من 115 ألفا من الكتب العامة.
ومن خلال وظيفتها كمكتبة بحثية لديها مكتبة تراثية متميزة، ستقوم المكتبة بنشر وتعزيز رؤية عالمية أعمق لتاريخ وثقافة منطقة الخليج العربي، وستتيح لجميع المواطنين والمقيمين في دولة قطر فرصاً متكافئة في الاستفادة من مرافقها وتجهيزاتها وخدماتها التي تدعم الإبداع والاستقلال في اتخاذ القرار لدى روادها وتنمية معارفهم الثقافية.
وتتيح المواد التي تم وضعها على البوابة الإلكترونية للمكتبة مراجع مهمة تتوفر مجانا لأول مرة على الإنترنت لكافة المستخدمين.
من اقتصاد النفط إلى اقتصاد المعرفة
وتدعم مكتبة قطر الوطنية مسيرة دولة قطر في الانتقال من الاعتماد على الموارد الطبيعية إلى تنويع مصادر الاقتصاد والحفاظ على استدامته، وذلك من خلال إتاحة مصادر المعرفية اللازمة للطلبة والباحثين وكل من يعيش على أرض دولة قطر على حدٍ سواء لتعزيز فرص التعلُّم مدى الحياة، وتمكين الأفراد والمجتمع، والمساهمة في توفير مستقبل أفضل للجميع.
وقال مدير الشؤون الإدارية والتخطيط بمكتبة قطر الوطنية سعد السعيد أن هذا المشروع الثقافي يتفق مع رؤية قطر 2030، لأنه يدعم فكرة الانتقال من الاقتصاد القائم على النفط والغاز إلى الاقتصاد القائم على المعرفة.
وعبر مئات من القطرييين وكذا مسؤولون من مختلف أنحاء الوطن العربي، في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي عن تدشين مثل هذا الصرح معتبرين أنه يظهر حرص قطر على نشر المعرفة، وتسليح أبنائها بالعلم، كما يوضح الاهتمام الكبير من حكومة قطر بمسيرة العلم والمعرفة.