تطل علينا مطلع شهر أكتوبر 2025 مبادرة ثقافية رصينة هي ملتقى “كتاب الأمة” السلسلة الشهيرة التي شكلت مشروعا ثقافيا إسلاميا رائدا، أطلقته إدارة البحوث والدراسات الإسلامية (التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة قطر) في فبراير 1982م. وتُعدّ من أبرز المبادرات الفكرية التي سعت إلى إعادة بناء الوعي الإسلامي وتشكيل الشخصية المسلمة المعاصرة على أسسٍ من الوحي والاجتهاد المتوازن.

ملتقى “كتاب الأمة” ليس مجرد تجمع أكاديمي أو ندوة عابرة، بل هو مشروع فكري استراتيجي، ينبع من رحم تجربة ثقافية عميقة تمتدّ لأكثر من أربعين عاما، حملت خلالها سلسلة “«”كتاب الأمة” مشعل الوعي الإسلامي، وسعت إلى إعادة تشكيل العقل المسلم وبناء شخصيته على هدى الوحي وضوابط العقل.

اليوم، وبعد عقود من العطاء، يُطلِق الملتقى نداءه الأول ليُعيد قراءة هذا الإرث، ويحييه، ويجدّده، ويعدّه سلّما نرتقي به نحو فهم أعمق لرسالتنا، وتحديات عصرنا، وآفاق مستقبلنا.

على مدار أربعة عقود، شكّلت سلسلة “كتاب الأمة” منارة فكرية أضاءت العقل المسلم، ورسمت ملامح الوعي الثقافي الأصيل. اليوم، يتجدد هذا العطاء في “ملتقى كتاب الأمة”، وهو ليس مجرد حدث، بل محطة استراتيجية لمراجعة المسيرة، واستشراف المستقبل، وتجديد العهد مع رسالة السلسلة العريقة.

وتجدر الإشارة إلى أننا أمام مبادرة مزدوجة، حيث أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ممثلة في إدارة البحوث والدراسات الإسلامية، وجامعة قطر ممثلة في مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، تنظم في مطلع أكتوبر، مؤتمرين عالميين، أحدهما يناقش العلاقة بين القرآن والمعرفة الإنسانية، تحت شعار: ﴿يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾، والآخر يبحث إسهامات سلسلة “كتاب الأمة” في المجالات الثقافية والمعرفية المختلفة، وذلك في إطار مسيرة ممتدة من التعاون والتنسيق المشترك بين المؤسستين.

فلسفة تمتد لأجيال

ينطلق ملتقى “كتاب الأمة” الأول كمشروع ثقافي استراتيجي من إدارة البحوث والدراسات الإسلامية، بهدف تقييم مسيرة السلسلة الممتدة منذ عام 1402هـ. يبحث الملتقى في مدى التزامها بأهدافها، ويعيد تسليط الضوء على اعتمادها الراسخ على “الكتاب والسنة” كمرجعية أساسية، مع التركيز على خطابها المعتدل والوسطي الذي نأى بنفسه عن أي انحياز.

ملتقى كتاب الأمة، يهدف إلى تعزيز القراءة والثقافة، ويعرض إصدارات متميزة في مجالات مختلفة. يعكس أهمية الكتاب في المجتمع ويشجع على الاطلاع والمعرفة.
ملتقى كتاب الأمة

يجسّد “ملتقى كتاب الأمة” رؤيةً ثقافيةً شاملة، تطرحها إدارة البحوث والدراسات الإسلامية انطلاقاً من مسؤوليتها الفكرية تجاه الأمة.
ويقوم على ركيزتين أساسيتين:

الركيزة الأولى: التأمل النقدي البنّاء في إنتاج السلسلة منذ صدور عددها الأول في جمادى الأولى 1402هـ،

الركيزة الثانية:الاستشراف المستقبلي لدورها في مواجهة القضايا المعاصرة.

ويُركّز الملتقى على مدى التزام السلسلة بمرجعيتها الأساسية: الوحي – الكتاب والسنة – كمصدر وهاد ومرجعٍ في معالجتها للمشكلات الفكرية والاجتماعية والسياسية التي تواجه الأمة، دون انحيازٍ لمدرسةٍ أو تيارٍ على حساب آخر، محافظاً على نهجٍ وسطيٍّ متوازنٍ يعكس روح الإسلام السمحة.

إحياء التراث تجديد الوعي وبناء المستقبل

لا يكتفي الملتقى بعرض الإنجازات، بل يسعى إلى إعادة إنتاج الوعي من خلال:

  • تسليط الضوء على التراث الثقافي الغني لسلسلة “كتاب الأمة”،
  • تحليل منهجها في طرح القضايا ومعالجتها،
  • استدعاء تجربتها لتكون مِعْياراً يُحتذى في العمل الفكري الإسلامي المعاصر.

كما يهدف إلى وضع لبنة ثقافية جديدة في مسيرة إعادة تشكيل العقل المسلم، وبناء شخصية مسلمةٍ معاصرة سوية، قادرة على التفاعل مع عصرها دون أن تفقد هويتها، ومستعدة للاستخلاف بوعي وإيمان.

ويمكن تلخيص أهداف الملتقى فيما يلي:

  • إحياء التراث: تسليط الضوء على التراث الفكري للسلسلة وتجديده.
  • بناء الشخصية: المساهمة في إعادة تشكيل العقل المسلم وبناء شخصية معاصرة متوازنة.
  • مواجهة التحديات: تبصير المسلم بالتحديات المعاصرة وتوجيهه لكيفية التعامل معها.
  • تأهيل وتمكين: تأكيد أهمية تأهيل الشخصية المسلمة لتكون فاعلة ومستثمرة لطاقاتها.

بصمة لا تمحى في الساحة الفكرية

يكتسب الملتقى أهميته من كونه:

  • مرآةً صادقة لمسيرة ثقافية لم تسجّل عليها أي ملاحظة شرعية أو فكرية سلبية.
  • منارة وسطية في زمن الانقسامات، حيث التزمت السلسلة الحياد والاعتدال.
  • جسراً معرفياً بين العلوم الشرعية والإنسانية، سعياً لتحقيق التكامل المعرفي.
  • صوتاً موحداً يُنبّه الأمة إلى تحدياتها، ويُرشدها إلى فرصها، ويُعدها لرسالتها.

وقد تركت “كتاب الأمة” بصمات واضحة في الأوساط العلمية والأكاديمية والثقافية على اختلاف توجّهاتها، مما يجعل هذا الملتقى فرصة نادرة لتوحيد الرؤى وتجديد العزائم.

كتاب "الاستراتيجية" من إصدار مجلة الكتب، يتناول مواضيع تتعلق بتطوير الاستراتيجيات. يحتوي على غلاف مميز بتصميم بسيط، ويظهر شعار المجلة. الكتاب يمثل عددًا خاصًا ويضم مواضيع مهمة للقارئ العربي المهتم بالاستراتيجيات.
أحد إصدارات سلسلة كتاب الأمة

رؤية واضحة ورسالة مستمرة

يستمد الملتقى أهدافه من روح السلسلة نفسها، ويحدّدها في:

  1. تقييم مدى نجاح السلسلة في تحقيق أهدافها منذ تأسيسها،
  2. دراسة إسهاماتها في “استرداد الوعي” و”إعادة بناء الشخصية المسلمة”،
  3. تحليل دورها في تحقيق التكامل بين العلوم الشرعية والمعاصرة،
  4. التفاكر حول مستقبل السلسلة من خلال:
  • اقتراح موضوعات جديدة للإصدارات
  • إعادة طرح قضايا جوهرية تستدعي مراجعة أو توسعا
  • إعادة طباعة إصدارات نافدة أو بالغة الأهمية
  • توسيع دائرة الاستفادة من تراثها عبر وسائل رقمية وتعليمية مبتكرة.

الموعد لقاء مع التاريخ .. ووعد بالمستقبل

ملتقى كتاب الأمة الأول سيُعقد في 1-2 أكتوبر 2025م، ليكون محطة فكرية رائدةً تجمع الباحثين، والمفكرين، والدعاة، وأهل الرأي، حول طاولة واحدة تُعيد تعريف العمل الثقافي الإسلامي في القرن الحادي والعشرين.

ويكتسب ملتقى “كتاب الأمة” أهميته من كونه:

  • كاشفا للبعد الفكري والثقافي الذي أرسته السلسلة.
  • معرّفا بالبصمات الواضحة التي تركتها في الساحة الثقافية الإسلامية.
  • مؤكدا على أصالة النهج المعرفي الذي اتبعته السلسلة طوال مسيرتها.

لأن الأمة بحاجة إلى كُتّابها

في عالم يُعاد فيه تشكيل القيم والهويات، لا يكفي أن نملك إرثا عظيما، بل يجب أن نُجيد قراءته، ونُجدّده، ونُخرجه إلى الناس بلغةٍ تلامس واقعهم.
“ملتقى كتاب الأمة” هو دعوةٌ صريحة إلى هذا التجديد، وإعلان عن عودة واعية للتفكير الإسلامي الجاد، الذي لا يهرب من الحاضر، ولا ينفصل عن الماضي، بل يبني المستقبل على أسسٍ من الوحي والعقل معًا. فهل نحن على أعتاب نهضة فكرية جديدة؟ الجواب يبدأ من هنا .. من “ملتقى كتاب الأمة”.

1000 صفحة وثلاثة مجلدات توثيقية

للتذكير، كانت إدارة البحوث والدراسات الإسلامية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قد أصدرت إصدارا خاصا في ثلاثة مجلدات، يوثق علميا لمسيرة سلسلة “كتاب الأمة” التي تجاوز عمرها أكثر من أربعين عاما، في مشروع ثقافي ومعرفي رائد في العالم الإسلامي.

وذكرت وزارة الأوقاف أن الإصدار الذي تجاوزت صفحاته الألف صفحة من القطع الكبير، جاء ليشكل أول دليل ثقافي شامل ومرشد علمي إلى عالم إصدارات السلسلة، متضمنا توثيقا تحليليا لأفكارها، ومذكرات ومضامين مختارة من إصداراتها، إضافة إلى تسليط الضوء على النخب الفكرية التي شاركت في تأليفها وكتّابها من مختلف أنحاء العالم الإسلامي وخارجه.

وأكد الشيخ الدكتور أحمد بن محمد بن غانم آل ثاني، مدير إدارة البحوث والدراسات الإسلامية، في تقديمه للكتاب، أن “كتاب الأمة”، سجل فكري وثقافي شكّل علامة فارقة في الساحة الثقافية الإسلامية، وشارك في بنائه نخبة من المفكرين والعلماء والباحثين، وقدم إسهامات نوعية في معالجات فكرية وثقافية لمشكلات المجتمع والأمة، مستمدا مرجعيته من الكتاب والسنة.

ويتناول المجلد الأول، تحت عنوان: “من الفكرة إلى الحقيقة”، الجذور التاريخية للسلسلة وتطور هويتها ومعايير النشر فيها، ويُرصد من خلاله التحولات التي طرأت على شكل ومضمون الإصدارات منذ انطلاقها في العام 1402هـ حتى صدور العدد 200 في عام 1445هـ.

كتاب الأمة، إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، يتناول موضوع الفكر الإسلامي. الكتاب مصمم بشكل جذاب مع غلاف مزخرف باللون الأخضر، ويظهر مجموعة من الكتب مكدسة.
ثلاثة مجلدات توثق مسيرة سلسلة “كتاب الأمة”

أما المجلدان الثاني والثالث، فقد حملا عنوان: “إضاءات حول إصدارات السلسلة”، وخصصا لتقديم خلاصات علمية وتحليلية للإصدارات من العدد الأول وحتى العدد 200، وفق منهجية علمية دقيقة تشمل التعريف بالكتاب، والسيرة الذاتية للمؤلف وقت النشر، ومكونات الكتاب المنهجية، وأبرز الأفكار والرؤى الواردة فيه.

وتسعى الوزارة من خلال هذا العمل إلى ترسيخ القيمة الثقافية والفكرية للسلسلة، وتحفيز الباحثين وطلبة الدراسات العليا على العودة إلى محتواها المعرفي والاستفادة من منهجها في الطرح والمعالجة، خاصة وأن “كتاب الأمة”، بات يشكل مكتبة معرفية متكاملة وموسوعة فكرية ذات أثر عالمي، تُرجم عدد من إصداراتها إلى لغات متعددة.

يُشار إلى أن سلسلة “كتاب الأمة”، تعتبر من أقدم وأهم سلاسل النشر الثقافي الإسلامي، وقد أسهمت خلال أكثر من أربعة عقود في إثراء المكتبة الإسلامية والعربية بأعمال فكرية تعالج قضايا العصر من منظور معرفي مستنير يستند إلى الوحي.