ليسمح لي المشايخ الكرام المتصدّون للإفتاء وإخواني من طلبة العلم بهذه الملحوظات المنهجية اليسيرة فيما يتعلق ببعض الفتاوى الرمضانية.
اطلعت على فتاوى رمضانية باستعمال بخاخ الربو وأنه لا يفطر، وأنا لا أعترض على الفتوى بذاتها، فباب الاجتهاد في هذه المسألة مفتوح، رغم أن لي رأيا آخر، لكن الفتوى التي قرأتها جمعت بين القول أن هذا ضرورة، وبين القول أن هذا هواء “أوكسجين” ليس فيه مادة مفطرة، وبين أن هذا لا يدخل المعدة، والملحوظة التي عندي أن هذه الثلاثة لا تجتمع في التأصيل الشرعي، لأنه إذا كان هو مجرد هواء مضغوط فلا يفطر سواء دخل المعدة أو لم يدخلها، وإن كان مادة علاجية (وهذا هو الصحيح) فدخوله في الرئتين مفطر ولذلك نفتي بإفطار المدخن، ثم إذا كان هو غير مفطر أصلا فما معنى ذكر الضرورة هنا؟ لأن الضرورة عادة تذكر لبيان مناط الاستثناء من حكم الأصل، فالميتة حرام، لكنها تحل للمضطر (ضرورة)، وإذا كان المفتي قد أراد هذا فهو خطأ آخر، لأن الضرورة لا تجعل المفطر غير مفطر، فمن اضطر لشرب الماء في نهار رمضان يشرب لكنه يفطر ويقضي، وكذا لو اضطر لأخذ شراب (الفنتولين) الذي قد يحمل مادة البخاخ نفسها.
اطلعت على فتوى أخرى متعلقة بفدية الصوم وزكاة الفطر، وفحواها: جواز دفعها (بشكل ألعاب لأطفال الفقراء)، وقد استند المفتي إلى الخلاف المعروف بين الفقهاء في حكم دفع القيمة، ثم أن المجوزين للقيمة قد اختلفوا في تحديد هذه القيمة بالنقود أو يصح إطلاقها بأي عوض كالملابس والأشياء العينية الأخرى.
ملحوظتي هنا أن دور المفتي لا ينبغي أن يكون مقتصرا على البحث في أقوال الفقهاء ثم انتقاء أي قول منها، بل المفتي ينبغي أن يكون كالطبيب أو كالقائد الموجه والمربي، الذي ينظر في مآل الفتوى وانعكاسها في شخصية المستفتي وفي المجتمع بشكل عام، وما إذا كانت هذه الفتوى تحقق مقاصد التشريع، وعلى سبيل المثال؛ ألا يخشى من هذه الفتوى أن تستغل لتصريف البضائع الكاسدة؟ ومن المعلوم أن بعض الفقهاء الذين خالفوا الجمهور بقولهم بجواز دفع القيمة قد لاحظوا مصلحة الفقراء -وهذا حق-، لكن هل هذه الفتوى من الناحية العملية قد راعت مصلحة الفقراء أو مصلحة الأغنياء على حساب الفقراء.
هل ستبقى هيبة دينية لهذه الزكاة وحتى للفدية في نفوس الناس إذا تحولت إلى لعب أطفال، أو “مبايلات” أو ستائر للنوافذ؟ فكل هذه أعيان تشملها الفتوى.
أؤكد هنا إخواني أن البحث عن مآلات الفتوى في الواقع العملي لا يقل أهمية عن البحث في أقوال الفقهاء واستدلالاتهم العلمية.
كما أؤكد أيضا أن هذه الملحوظات متعلقة بطريقة التأصيل وطريقة التفكير (المنهجية) بغض النظر عن صواب الفتوى ذاتها أو خطئها.