المعاني الشرعية حول الهجرة النبوية متعددة ومتنوعة وِفْقَ القراءات المنفتحة والروافد الثقافية لدى القارىء والمبدع والمُتَلقي، ولا يمكن استيفاء معاني الهجرة النبوية جُملةً وتفصيلا بأي حال من الأحوال، وهذا من حكمة الله (عزوجل) ألا تنقضي الدروس والعِبَر من الهجرة النبوية المباركة؛ حتى يظل المسلون في تأمل دائم يستخلصون الدروس منها على أمتداد الزمن
إنني في هذه الكلمات المقتضبة لا أحب الاستطراد في ذكر معانٍ للهجرة سبق وأن ذكرها علماء الأمة، وإنما أريد الإيمائة إلى إشارة جديدة، لعلها تفيدنا في مستقبلنا القادم.
هذه الإشارة هي الهجرة من التخلف إلى التقدم والنهوض من جديد، الهجرة لا تعني الانتقال من مكان إلى مكان فقط، وهَجْر مجموعة من البشر أو الأفكار أو غير ذلك، فكل ذلك معانٍ لا يمكن إنكارها، لكن مانريد التأكيد عليه أن هجرة التخلف بكافة صِوَره سواء العلمي أو العملي؛ درس مهم من دروس الهجرة النبوية.
لا يمكن لنا أن نحقق الهجرة الحقيقة ونحن نرزح تحت وطأة التخلف في كافة الميادين والحقول المعرفية، هذا يستوجب علينا القيام بالهجرة العقلية الكبرى من الجهل إلى نور المعرفة، من الظلام إلى النور، ومن الانغلاق إلى الانفتاح، هذا هو معنى الهجرة الذي نحتاجه الآن، لا يمكن لنا ترديد ذكرى الهجرة ونحن نعيش على التقليد والتبعية في كافة الحقول المعرفية على الرغم من أن من معاني الهجرة التمايز والاستقلال الفكري والمعرفي للأمة، وهذه بداية الانتقال من الجهل إلى العلم وهجر التخلف .