بعد أن بنى الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام الكعبة والبيت الحرام أمره الله أن يبني بيت المقدس فبناه، وقيل إن يعقوب عليه السلام هو الذي أسسه، وقد كان بين البناءين أربعون عاما، فعن أبي ذر- رضي الله عنه- قال:«قلت يا رسول الله، أيّ مسجد وضع في الأرض أولا؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أيّ؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، وأينما أدركتك الصلاة فصلّ فهو مسجد» (رواه البخاري ومسلم ).
ولكن قد يشكل على هذا ما اشتهر من أن باني المسجد الأقصى هو سليمان بن داود عليهما السلام وقد روى النسائي بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن سليمان بن داود لما بنى البيت المقدس سأل الله عز وجل خلالا ثلاثا: سأل الله عز وجل حكما يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد ألايأتيه أحد، لا ينهزه- أي لا يدفعه- إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه فأوتيه» وبين إبراهيم وسليمان ما يزيد عن ألف عام.
والحق أن ما حدث من سيدنا سليمان لم يكن تأسيسا من الأصل، وإنما كان تجديدا وتوسعة لما أسس قبل، ويكون الخليل بعد أن بنى الكعبة بأربعين سنة بنى بيت المقدس، أو بناه حفيده يعقوب كما قيل.
وإذا كان كذلك فلا يكون الحديث مخالفا للتاريخ، ولا للواقع، لأنه صلّى الله عليه وسلّم عنى المؤسس الأول لبيت المقدس لا المجدّد، واستعمال البناء في التجديد مستساغ ووارد في اللغة العربية. (زاد المعاد).