من فضائل النبي : شق له صدره عدة مرات عناية به من رب الأرض والسماوات:

أولًا: شق صدره وهو في سن الرابعة من عمره الشريف ببنى سعد

1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظُّ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأَمه ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه – يعني ظئره – فقالوا: إن محمَّدًا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون، قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره)؛ (رواه مسلم).

2- عن عرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسول الله : (أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى عليهما السلام، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، واستُرضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا في بهم لنا، أتاني رجلان عليهما ثياب بيض، معهما طست من ذهب مملوء ثلجًا، فأضجعاني فشقَّا بطني، ثم استخرجا قلبي، فشقاه فأخرجا منه علقة سوداء، فألقياها، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى انقياه رداه كما كان، ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمته، فوزنني بعشرة فوزنتهم، ثم قال: زنه بمائة من أمته، فوزنني بمائة فوزنتهم، ثم قال: زنه بألف من أمته فوزنني بألف فوزنتهم، فقال: دعه عنك فلو وزنته بأمته لوزنهم)؛ [1].

ثانيًا: شق صدره وهو في السنة العاشرة من عمره الشريف

1- عن أُبي بن كعب أن أبا هريرة كان جريئًا على أن يسأل رسول الله عن أشياء لا يسأله عنها غيره، فقال: يا رسول الله، ما أول ما رأيت في أمر النبوة؟ فاستوى رسول الله جالسًا، وقال: (لقد سألت أبا هريرة، إني لفي صحراء ابن عشر سنين وأشهر، وإذا بكلام فوق رأسي، وإذا رجل يقول لرجل: أهو هو، قال: نعم، فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط، وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم أرها على أحد قط، فأقبلا إليَّ يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي، لا أجد لأحدهما مسًّا، فقال أحدهما لصاحبه: أضْجِعه، فأضجعاني بلا قصر ولا هصر، وقال أحدهما لصاحبه: أفلق صدره، فهوى أحدهما إلى صدري، ففلقها فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له: أخرِج الغل والحسد، فأخرج شيئًا كهيئة العلقة، ثم نبذها فطرحها، فقال له: أدخل الرأفة والرحمة، فإذا مثل الذي أخرج يشبه الفضة، ثم هز إبهام رجلي اليمنى، فقال اغدوا سلم، فرجعت بها أغدو رقة على الصغير ورحمة للكبير)؛ رجاله ثقات[2].

ثالثًا: شق صدره عند البعثة

1- عن عروة بن الزبير، يحدث عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله، كيف علمت أنك نبي؟ قال: «ما علمت حتى أُعلِمت ذلك يا أبا ذر، أتاني ملكان وأنا ببعض بطحاء مكة»، فقال أحدهما: أهو هو؟ قال: فزنه برجل، «فوزنت برجل فرجحته»، قال: فزنه بعشرة، «فوزنني بعشرة فوزنتهم»، ثم قال: زنه بمائة، «فوزنني بمائة فرجحتهم»، ثم قال: زنه بألف، «فوزنني بألف فرجحتهم»، ثم قال أحدهما للآخر: لو وزنته بأُمَّته رجحها، ثم قال أحدهما للآخر: شق بطنه فشق بطني، فأخرج منه فغم الشيطان، وعلق الدم فطرحها، فقال أحدهما للآخر: اغسل بطنه غسل الإناء، واغسل قلبه غسل الملاء، ثم دعا بالسكينة كأنها رهرهة بيضاء فأُدخلت قلبي، ثم قال أحدهما لصاحبه: خِطْ بطنه فخاط بطني، وجعلا الخاتم بين كتفي، فما هو إلا ولَّيا عني كأنما أعاين أو فكأنما أعاين الأمر معاينة)، وزاد ابن معمر في حديثه (فجعلوا ينثرون عليَّ من كفة الميزان)[3].

رابعًا: شق صدره عند الإسراء والمعراج

عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما أن نبي الله حدثهم عن ليلة أُسري به، قال: (بينما أنا في الحطيم، وربما قال: في الحجر مضطجع بين النائم واليقظان، أتاني آت فشق ما بين هذه إلى هذه، قال الراوي من ثغرة نحره إلى شعرته، فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانًا، فغسل قلبي ثم حشِي ثم أعيد)؛ (رواه ابن حبان وصححه الألباني).

حرس الله السماء من استراق الجن السمع عند بعثته الشريفة

عن ابن عباس قال: ما قرأ رسول الله على الجن وما رآهم، انطلق رسول الله في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأُرسلت عليهم الشُّهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأُرسلت علينا الشهب، قالوا: ما ذاك إلا من شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء، فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة وهو بنخل عامدين إلى سوق عكاظ وهو يُصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن، استمعوا له وقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء، فرجعوا إلى قومهم، فقالوا: يا قومنا { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا } [الجن: 1، 2]، فأنزل الله عز وجل على نبيه محمد : { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ } [الجن: 1]؛ (متفق عليه).

قال القرطبي: كان الجن يقعدون مقاعد لاستماع أخبار السماء، وهم المردة من الجن، كانوا يفعلون ذلك؛ ليستمعوا من الملائكة أخبار السماء حتى يلقوها إلى الكهنة، فحرسها الله بالشُّهب المحرقة، فقالت الجن حينئذ: { فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا } [الجن: 9]؛ (تفسير القرطبي (19 /12)).

علم اليهود ببلد مولده وتاريخه من قبل

عن سلمة بن سلامة بن وقش الأنصاري رضي الله عنه – وكان من أصحاب بدر – قال: كان لنا جار من يهود في بني عبدالأشهل، فخرج علينا يومًا من بيته قبل مبعث النبي – – بيسير، فوقف على مجلس عبدالأشهل – وأنا يومئذ أحدث من فيه سنًّا، علي بردة مضطجعًا فيها بفناء أهلي – فذكر البعث، والقيامة، والحساب، والميزان، والجنة والنار، فقال ذلك لقوم أهل شرك، أصحاب أوثان، لا يرون أن بعثًا كائن بعد الموت، فقالوا له: ويْحَك يا فلان، أترى هذا كائنًا؟ أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار؟ يجزون فيها بأعمالهم؟ فقال: نعم، والذي يحلف به، لودَّ أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا، يحمونه ثم يُدخلونه إياه، فيطبق به عليه، وأن ينجو من تلك النار غدًا، فقالوا له: ويْحَك وما آية ذلك؟ قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد – وأشار بيده نحو مكة واليمن – فقالوا: ومتى تراه؟ فنظر إليَّ وأنا من أحدثهم سنًّا، فقال: إن يستنفد هذا الغلام عمره يُدركه، قال سلمة: فوالله ما ذهب الليل والنهار، حتى بعث الله تعالى رسوله – – وهو حي بين أظهرنا فآمنَّا به، وكفر به بغيًا وحسدًا، فقلنا له: ويلك يا فلان، ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى، ولكنه ليس به)؛ (إسناده حسن) [4].

عن عائشة قالت: “كان يهودي قد سكن مكة، فلما كانت الليلة التي وُلد فيها النبي ، قال: يا معشر قريش، هل وُلد فيكم الليلة مولود؟ قالوا: لا نعلم، قال: فإنه وُلد في هذه الليلة نبي هذه الأمة، بين كتفيه علامة، لا يرضع ليلتين؛ لأن عفريتًا من الجن وضع يده على فمه، فانصرفوا فسألوا، فقيل لهم: قد وُلد لعبدالله بن عبدالمطلب غلامٌ، فذهب اليهودي معهم إلى أمِّه فأخرجته لهم، فلما رأى اليهودي العلامة خرَّ مغشيًّا عليه، وقال: ذهبت النبوة من بني إسرائيل، يا معشر قريش، أما والله ليَسْطُوَنَّ بكم سطوةً يَخرُج خبرُها من المشرق والمغرب”، قال ابن حجر: إسناده حسن[5].

أنه أكرم ولد آدم على ربه

عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال لي جبريل: قلَّبت مشارق الأرض ومغاربها، فلم أجد رجلًا أفضل من محمد، ولم أجد بني أبًا أفضل من بني هاشم؛ (صحَّحه ابن حجر، رواه الطبراني والبيهقي وغيرهما، وقال الحافظ ابن حجر: لوائح الصحة ظاهرة على صفحات المتن).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي : (أنا سيدُ ولدِ آدم ولا فخر، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع)؛ (رواه مسلم).

وعن أنس قال: قال رسول الله : ( … وأنا أكرم ولد آدم يومئذ على ربي ولا فخر، يطوف علي ألف خادم كأنهم اللؤلؤ المكنون)؛ (إسناده حسن؛ رواه الدارمي، ورواه الترمذي، وقال: حسن غريب، والبيهقي، واللفظ له).

 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنَّا مع النبي في دعوة، فرفع إليه الذراع وكانت تُعجبه، فنهس منها نهسة، وقال: (أنا سيد القوم يوم القيامة هل تدرون بِمَ؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيُبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس، فيقول بعض الناس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه؟ إلى ما بلغكم، ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس: اذهبوا إلى أبيكم آدم فيأتونه فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلَقك الله بيده ونفخ فيك من رُوحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكَنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول: ربي غضب غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، ونهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبدًا شكورًا، أما ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما بلغنا، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ فيقول: ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، نفسي نفسي، ائتوا النبي ، فيأتوني فأسجد تحت العرش، فيقال: (يا محمد، ارفع رأسك، واشفَع تشفَّع وسلْ تُعطه)؛ (متفق عليه).