عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال كأني: (أنظر إلى رسول الله : يحكي نبيًّا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)؛ متفق عليه، وذلك فيما وقع له يوم أحد لما شج وجهه وجرى الدم منه.

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله يقسم غنيمة بالجعرانة؛ إذ قال له رجل: اعدل فقال له: (لقد شقيت إن لم أعدل)؛ رواه مسلم.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله من اليمن بذُهيبة في أديم مقروظ، لم تحصل من ترابها، قال: فقسمها بين أربعة نفر، بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع: إما علقمة وإما عامر بن الطفيل، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء، قال: فبلغ ذلك النبي ، فقال: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء»، وفي رواية: فغضبت قريش، والأنصار، قالوا: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا، قال: «إنما أتألَّفهم»، قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال يا رسول الله، اتق الله، قال: «ويلك، أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله», وفي رواية: فقال: «من يطع الله إذا عصيت؟ أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنوني»، قال: ثم ولى الرجل، قال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال: «لا، لعله أن يكون يصلي»، فقال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه، قال رسول الله : «إني لم أومر أن أنقِّب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم»، قال: ثم نظر إليه وهو مُقَفٍّ، فقال: « نه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبًا، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»، وأظنه قال: «لئن أدركتهم لأقتلنَّهم قتل ثمود»، وفي رواية: “يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد”؛ صحيح البخاري (4351), (3344)، صحيح مسلم (1064).

وعن عبد الله بن سلام قال: (إن الله عز وجل لما أراد هدي زيد بن سعنة، قال زيد بن سعنة: ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد – – حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا، قال زيد بن سعنة: فخرج رسول الله – – يومًا من الحجرات ومعه علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – فأتاه رجل على راحلة كالبدوي، فقال: يا رسول الله، لي نفر في قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام، وكنت حدثتهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغدًا، وقد أصابتهم سنة وشدة وقحط من الغيث، فأنا أخشى يا رسول الله، أن يخرجوا من الإسلام طمعًا كما دخلوا فيه طمعًا، فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء تغيثهم به فعلت، فنظر إلى رجل إلى جانبه – أراه عليًّا – فقال: يا رسول الله، ما بقي منه شيء، قال زيد بن سعنة: فدنوت إليه فقلت: يا محمد، هل لك أن تبيعني تمرًا معلومًا في حائط بني فلان إلى أجل معلوم، إلى أجل كذا وكذا ؟ قال: “لا تسمي حائط بني فلان”، قلت: نعم، فبايعني، فأطلقت همياني فأعطيته ثمانين مثقالًا من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا، فأعطى الرجل وقال: “اعدل عليهم وأغثهم بها”، قال زيد بن سعنة: فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاث، خرج رسول الله – – ومعه أبو بكر وعمر وعثمان في نفر من أصحابه، فلما صلى على الجنازة ودنا إلى الجدار ليجلس إليه، أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه، ونظرت إليه بوجه غليظ، قلت له: يا محمد، ألا تقضيني حقي؟ فوالله ما علمتم بني عبدالمطلب إلا مُطل، ولقد كان بمخالطتكم علم، ونظرت إلى عمر وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره، فقال: يا عدو الله، أتقول لرسول الله – – ما أسمع وتصنع به ما أرى؟ فوالذي نفسي بيده، لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله – – ينظر إلي في سكون وتُؤدة، فقال: “يا عمر، أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا، أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن اتباعه، اذهب به يا عمر، فأعطه حقَّه، وزده عشرين صاعًا من تمر مكان ما رعته”، قال زيد: فذهب بي عمر فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعًا من تمر، فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر؟ قال: أمرني رسول الله – – أن أزيدك مكان ما رعتك، قال: وتعرفني يا عمر؟ قال: لا، من أنت؟ قلت: أنا زيد بن سعنة، قال: الحبر؟ قلت: الحبر، قال: فما دعاك إلى أن فعلت برسول الله – – ما فعلت، وقلت له ما قلت؟ قلت: يا عمر، لم يكن من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفت في وجه رسول الله – – حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا، وقد اختبرتهما، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًّا، وأشهدك أن شطر مالي – فإني أكثرها مالًا – صدقة على أمة محمد – ، قال عمر: أو على بعضهم، فإنك لا تسعهم؟ قلت: أو على بعضهم، فرجع عمر وزيد إلى رسول الله – – فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وآمن به وصدقه وبايعه، وشهد معه مشاهد كثيرة، ثم توفي في غزوة تبوك مقبلًا غير مدبر، رحم الله زيدًا)، رجاله ثقات[1].