سألت طلابي مرة؛ ما الأسماء التي تحفظونها من العصر الجاهلي؟ فتوافق أغلبهم على ثلاثة أسماء وهم؛ عنترة بن شداد، حاتم الطائي، امرؤ القيس.

قلت مالذي تمثله هذه الأسماء؟

قالوا: الشجاعة والكرم والبيان.

قلت: إذن يمكن القول أن هذه هي القيم الأساس في ثقافة العرب في ذلك العصر.

في الإسلام ظهرت رموز أكبر وأوسع، وتحمل دلالات مناسبة لثقافة الأمة وهي في مسار تقدمها ونهضتها، مثل: البخاري ومسلم، أبو حنيفة وأحمد بن حنبل، الجنيد البغدادي وعبد القادر الجيلاني، المعتصم وصلاح الدين ومحمد الفاتح، إضافة إلى جيل الصحابة الفاتحين والسابقين السابقين، ولا شك أن هذه الرموز تعبر عن قيم جديدة مثل: وحدة الأمة وكرامتها، والنبوغ العلمي، والتقوى ..الخ وهي التي كانت تتناسب مع وعي الأمة وطموحها ونبوغها.

اليوم يجنح الشباب باتجاه رموز أخرى في الأغلب ذات طابع فنّي أو رياضي، وهذا يعني أن القيمة الأساس لثقافة الشباب اليوم هي (الترفيه)، حتى العلم أصبح العلم الذي فيه عنصر الترفيه والتشويق والتسويق، فلا تكاد تذكر مخترعا، أو مجتهدا، أو مفكرا إلا في أجواء معينة وضمن أطر محددة سياسيا أو تنظيميا..الخ

صحيح أن السياسات الخاطئة والإعلام الحكومي الموجّه وأنظمة التربية والتعليم ساهمت بصورة مباشرة في إبراز قيم جديدة وبرموز جديدة غريبة عن ثقافة المجتمع وتحدياته وحاجاته، إلا أنه ينبغي أن نعترف أننا كمجتمعات أخفقنا كثيرا في صناعة (نجومنا) التي تليق بثقافتنا وسلّم أولوياتنا.

إن الحضور الجماهيري الضخم لحفلة غنائية أو لعبة رياضية مثلا، مع العزوف الملحوظ عن الندوات العلمية والفكرية ونحوها مؤشر واضح على أن مجتمعاتنا لا تدري ماذا تريد، ولا تسعى لحل مشكلاتها بقدر ما تسعى إلى الهروب منها، وكأنها تنتظر ملائكة السماء لتنقذها مما هي فيه.

وفق هذه المقدمات فإنه لا حل لما نحن فيه إلا إذا لمسنا مؤشرات جدية لتحول في الرأي العام نحو القيم التي تعبّر تعبيرا صادقا عن آمالنا وتطلعاتنا وسلّم أولوياتنا.