نظمت جامعة قطر بالتعاون مع شبكة زدني للتعليم ندوة علمية بعنوان:”القرآن وخطاب الحرية والآيات المتشابهات” قدمها الدكتور محمد عياش الكبيسي عضو هيئة التدريس بقسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وأدارتها الأستاذة أروى التل من مؤسسة شبكة زدني للتعليم، وحضرها عددٌ كبير من طلبة ومنتسبي الجامعة والمهتمين.
وتناولت الندوة العلمية عددًا من المواضيع الخاصة بخطاب الحرية في القرآن الكريم ومنهجية التفكير في الآيات القرآنية المتشابهة.
عرض الدكتور محمد عياش الكبيسي جملة من القضايا كان أبرزها: المحكم والمتشابه في القرآن الكريم، وضح فيه مفهوم المحكم والمتشابه، والأسباب الموضوعية واللغوية لوجود التشابه، مقدما لعدد من النماذج حول التصورات الخاطئة عن الآيات المتشابهات، ومبينًا المنهج الصحيح لتدبر هذه الآيات.
حاول الدكتور محمد عياش الكبيسي، أستاذ كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، أن يسلط الضوء على قضية المتشابهات في القرآن الكريم وذلك في سعيه للتجاوب على تساؤلات تعيق تدبر الآيات القرآنية من أجل الفهم والتطبيق، سواء على مستوى الأفراد أو المجتمع.
وكان من تلك التساؤلات: ما هي الآيات المتشابهة، وما سر وجودها في القرآن الكريم؟ وهل يصح القول بأن في القرآن الكريم آيات غير قابلة للفهم؟ وما معنى الآية: (أفلا يتدبرون القرآن)؟
وعلى وفق هذه التساؤلات ناقش الكبيسي المقصود بالمتشابه مبينا الفرق بين المحكم والمتشابه في إطار الاستعمال القرآني.
وأضاف الكبيسي : ورد وصف آيات القرآن بالمحكم في قوله (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) والإحكام هنا يفيد أعلى الاتقان، كما وصفت آياته مرة أخرى بالمتشابهة وذلك في قوله تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا)، ويقصد بالتشابه هنا الانسجام والاتساق بين آيات القرآن بما لا يداخله تعارض ولا تناقض، وهو هنا كذلك للدلالة على الغاية من الاتقان.
وأما الاستعمال الثالث للتشابه في القرآن جاء في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ…) وقسم القرآن الكريم بين آياته إلى محكمات ومتشابهات، والمقصود بالمحكمات من خلال هذه الآية أنها أصول الدين العامة ومبادئه مثل: أصول العقائد لذلك عبر عنها بقوله (هن أم الكتاب)، والمتشابهات هي القضايا التفصيلية التي تنبثق من أصول الدين العامة.. وهذا القسم هو الذي يحتاج إلى الرسوخ في العلم.
وفي المحور الثاني اختار الدكتور الكبيسي أن سبب وجود المتشابهات في القرآن الكريم يرجع إلى حقيقة نزول القرآن باللغة العربية، وكانت من طبيعة اللغة العربية أنها حمالة الأوجه بمفرداتها وتركيباتها، فلأن يوجد المتشابه في القرآن بحيث يحتمل أكثر من معنى لا يمكن إنكاره، فقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)، فإن اختلاف الفقهاء في تحديد معنى القرء راجع إلى اختلافهم في معنى كلمة القرء.
ومن الاحتمال التركيبي الذي يقع في جملة قوله : (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا) والاشتباه هنا جاء من التركيب الإضافي، هل إضافة الروح إلى الضمير (نا) يجوز حمل الجملة على إضافة البعض إلى الكل – وهو باطل قطعا -، ويحتمل أن تكون إضافة الصنعة إلى صانعها وهو الصحيح، فلا تعتبر هذه الآية من المتشابهات.
ثم وضح الدكتور الكبيسي بعض تصورات خاطئة حول التفكير في الآيات المتشابهة، واعتبرها شبهات لا يمكن اعتمادها، ومن تلك التصورات:
– القول باختناب المتشابهات لأنها من آيات القرآن التي لا يمكن فهمها، وهذا القول حسب رأي عياش الكبيسي يهدم الهدف الذي نزل من أجله القرآن، فهو كتاب البصائر والنور.
– وكذلك القول بأن تفسير المتشابهات يؤدي إلى الزيغ والضلال: فهذا يناقض كل أوصاف القرآن عن نفسه، فإن المتشابهات في القرآن قابلة للفهم والتدبر حتى ولو احتملت المعاني، وهذا في غاية الخطورة لأن القرآن كتاب الهداية.
– أما القول بأن وجود المتشابهات في القرآن دليل على إعجاز القرآن، فهذا مردود كذلك لأن هدف الإعجاز هو إثبات عجز الخصم، والأخبار عن الله تعالى، والأمور الغيبيات .. لا يتصور فيها تحد أصلا، كما أنها غير قابلة للنسخ والتكذيب.
– والقول إن وجود المتشابهات في القرآن الكريم التي لا يمكن فهمها ابتلاء من الله، فهذا الكلام لا يسلم به لأنه لو ثمة أمرا لا يجوز السؤال عن معناه لحدده الكتاب نفسه أو حدده النبي ﷺ، أو نقل إلينا الكف عن السؤال في معاني بعض الآيات، بل الصحيح أن القرآن (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ).
وأنهى الدكتور عياش مداخلته العلمية ببعض أصول التفكير في النصوص المتشابهة، وذلك تحقيقا للتدبر العام للقرآن الكريم لدي الفرد والمجتمع، ومما ذكر:
– استحضار أسماء الله الحسنى مثل العليم، الحكيم، الرحيم.. فالعلم صفة متمكنة فيه سبحانه، فلا بد أن يكون كلام الله منسجما مع هذه الصفات، فحين يسأل أين حكمة الله ورحمته في وجود المتشابهات، فهنا يسقط الدعوى منع التفكير في المتشابهات.
– استحضار رسالة الإسلام الكلية ومبادئه العامة
– استحضار وظيفة الرسول ﷺ
– استحضار وظيفة العلماء التي هي التبيين لما استغلق أمام القارئ
– استحضار السياق التاريخي، حيث كان المشركون حين يسمعون القرآن كانوا يقفون أمام هذا الكلام الجليل بالانبهار، ولو كانت ثمة آيات متشابهة لا يجوز تفسيرها كانوا أول المعترضين على الرسول الله ﷺ فيها.
وهنا يظهر لنا أن القرآن الكريم قابل للفهم والتدبر والإفهام بمحكماته ومتشابهاته على السواء، لا سيما حين توضع هذه الأمور المقترحة في المدركات. وامتثل الدكتور محمد عياش بشجرة لها أصول وغصون، إذ شبهت الأصول بالمحكمات والغصون بالمتشابهات، فكما لا يتصور بقاء الغصن دون أصول الشجرة، كذلك لا بد من الرد المتشابهات من القرآن إلى محكماته من أجل التبين والفهم، وهنا ينطبق كلام السلف حين يقولون: “إنما يعرف المتشابه من القرآن برده إلى المحكم”، وإنما المشكلة حين تقطع النصوص من محكماتها.