أقامت وحدة البحوث والدراسات الإسلامية في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة قطر، ندوة حول كتاب ” التفسير المفصل .. سورة النساء، بث الحياة الإنسانية وتنظيمها الإلهي الحقوقي وحماية المستضعفين وخاصة النساء والأطفال” للأستاذ الدكتور عبد السلام مقبل المجيدي، وذلك ضمن أنشطتها العلمية.
شارك في هذه الندوة ثلة من أعضاء هيئة التدريس بالكلية، وقدموا قراءات علمية قيمة للكتاب، منهم مدير الجلسة أستاذ اللغة والبيان القرآني الدكتور عبد الله الهتاري، وأساتذة التفسير وعلوم القرآن: الدكتور رمضان خميس، والأستاذ الدكتور أحمد شكري، ومنهم أستاذ العقيدة الأستاذ الدكتور محمد عبد الحليم بيشي، وذلك برفقة مؤلف الكتاب وآخرين من أعضاء هيئة التدريس وطلبة العلم والمهتمين.
قدم الدكتور عبد الله الهتاري في مستهل الندوة بتعريف وجيز بمشروع فعالية قراءة لكتاب الذي يشرف على تنظيمه وحدة البحوث والدراسات الإسلامية في كلية الشريعة جامعة قطر، وبين أن كتاب “التفسير المفصل ..سورة النساء” رابع الكتب التي نالت اهتمام أساتذة الكلية خلال العام الحالي، وأردف ذلك بترجمة مختصرة بمؤلف الكتاب الأستاذ الدكتور عبد السلام مقبل المجيدي، أشاد فيها بإنجازاته العلمية الرائعة في مجال التفسير وعلومه، وأن كتابه المعروض للقراءة يقع ضمن سلسلة مشروع بصائر المعرفة القرآنية والتي صدر منها الإسلام في سبع آيات، والفاتحة منهاج الحياة وغيرها.
أبرز الدكتور الهتاري عدة محاسن منهجية ينوه إليها من منهجية المؤلف في كتاب تفسير سورة النساء، منها سعة المراجع والمصادر والتي من ضمنها كتب التفاسير بأنواعها المختلفة منها التفسير اللغوي والبياني والتفسير المقاصدي والمأثور وغيرها، وهذه تعطي الانطباع على الإطلاع الواسع لدي المؤلف. ومما يشد انتباه الهتاري ما تميز به المؤلف من الذوق البياني الرفيع وتمكنه من استخراج دلالات النص القرآني الذي يعبر عن الوجه المعجز من القرآن الكريم، وأشار إلى مثال لذلك في تفسير قوله تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ؤ [النساء: 105] حيث يلاحظ التذوق البياني عند المؤلف في تحليله دلالة الإنزال، وتفكيكه دلالة الباء في السياق، فقد أعمل باء (بما) لإفادة المصاحبة والاستعانة في وقت واحد، فيكون المراد: أنزلناه مصاحبا للحق ولتستعين بهذا الحق عند الحكم بين المتخاصمين. كما اختار المؤلف في بيان الرؤية في قوله (أراك) أنه متعد إلى مفعولين، الأول الكاف، والثاني مقدر محذوف، دل عليه المقام، وهذا يقتضي الوحي والاجتهاد. وهذا الاختيار عبر عنه الدكتور الهتاري بأنه ذوق بياني بليغ ولطيف من المؤلف.
ومن محاسن هذا التفسير كما أفاد الدكتور الهتاري أنه جمع بين تفسيري الموضوعي والتحليلي ويتمثل ذلك في حسن تقسيم الأسرة الإنسانية الأربعة إلى الأسرة المركزية والمتوسطة والعامة والمؤمنة، وبين معالم كل نوع منها ومرتكزاته في السورة. ثم أحسن المؤلف حيث استخرج المقاصد القرآنية الخمسة من خلال السورة والتي تشمل الهداية والتربية والموعظة والتشريع والإعجاز.
أتى بعد هذا التقديم قراءة الدكتور رمضان خميس للكتاب، وتناول كلامه شهادات على جهود المؤلف وجعلها في إلماعات ثلاث، في البداية ذكر خصالا قيمة التي يتميز بها الدكتور عبد السلام المجيدي والتي سيطرت إلى حد بعيد على مؤلفاته بصفة عامة، وذلك باعتباره رجل القرآن، فالمجيدي ناقد قلق بدا ذلك واضحا في كتاباته وخطاباته واهتماماته، وكان لهذا أثر بالغ في كتاب التفسير المفصل .. سورة النساء، حيث تعرض لتخطيط السورة تخطيطا موضوعايا وموضعيا بصفة رشيقة تؤكد على وضوح الخارطة القرآنية في ذهنه.
ومن مزايا هذا الكتاب أن المؤلف عني ببيان الممصطلحات الواردة في ثنايا هذا الكتاب وتقديم فذلكة السورة بشكل جيد، كما اعتنى بالنظرة الكلية لسياق السورة وترتيبها ترتيبا موضوعيا لا ترتيب موضعي والمزج بين الترتيب المصحفي وترتيب النزول والتناسب بين آي السورة والترابط بينها.
وفي الإلماعة الثانية والثالثة ذكر الدكتور رمضان الخميس اللهب العاطفي والدعوي الذي سيطر على المؤلف في عرضه للأفكار وأثر ذلك على المجال الأكاديمي، وكان من ملامح ذلك طول العناوين، وغياب التفريق بين القواعد والقوانين، وطول الجمل الإنشائية وهذا يؤكد على الشعور الدعوي الجياش لدي المؤلف.
أما قراءة الأستاذ الدكتور أحمد شكري فقد ألمح إلى علاقته بالمؤلف عبد السلام المجيدي وكتاباته قديما حين رمقت عينه كتاب التلقي النبوي للفظ القرآني، وكان أصل رسالة ماجستير للمجيدي، فقد قرأ الكتاب في جلسة واحدة، وأدرك من خلال هذا الكتاب وكتاب التفسير المفصل .. سورة النساء أن المؤلف رجل دقيق في تحقيقاته ومجتهد في أبحاثه وكتاباته، لا يستسلم للشواغل حتى يبلغ الغاية التي يريدها من بحثه، كما أنه يرغب في التجديد سواء في منهاج البحث أو عرض المحتويات، والذي يؤكد على هذا الأمر أن المؤلف أخرج كتابه المفصل لسورة النساء في ثلاث درجات وسماها بالتناصر الثلاثي، وهو بذلك ينسج على منوال الواحدي وابن الجوزي وغيرهما من العلماء.
وذكر شكري ضمن ميزات الكتاب ومؤلفه العمق في البحث وتحرير المسائل بالدقة والترجيح بعد تأمل بهدوء وسلاسة. ومن ميزاته كذلك أن هذا العمل يعبر عن جلد المؤلف وقوة صبره وصرامته في البحث، فقد كان العمل في هذا الكتاب متواصلا امتد إلى سبع سنوات في جهد بلا كلل ولا ملل. ومن ذلك أيضا اهتمامه بمناقشة أصحاب الأفكار المنحرفة والشبهات المضللة، وكان يتوسع فيها ويبين آراءه بكل ثبات.
وختمت هذه الندوة العلمية الرائعة بقراءة رابعة للأستاذ الدكتور محمد عبد الحليم بيشي، الذي أشار بدوره إلى قلة التأليف في التفسير في القرون الماضية وفتوره، ثم ما شهده الطور الحالي من التوسع في الكتابة والنشر، واختار الدكتور بيشي أن التأليف في تفسير القرآن ومنهاجه استقر أكثر بدءا من مدرسة المنار على التفسير الموضوعي، ويصنف “التفسير المفصل ..سورة النساء” للدكتور المجيدي حلقة مهمة من هذا التطور المنعش.
ورأى الدكتور بيشي أن من جماليات هذا الكتاب ومميزاته استثمار مؤلفه كل المعطيات الحقوقية والقانونية والاقتصادية الموجودة والمتاحة في إعداد هذا الكتاب من أجل الدفاع عن مواقف الشريعة وأحكامها في وجه جميع المعترضين، واعتمد مرجعية إسلامية مطلقة لا يعتبر بأي قيود سالفة، فحكم إلى الكليات القرآنية ولا تجد الروايات الإسرائيلية إلا النزر اليسير وهي مذكورة للنقد، وهذا يعد جمالا فائقا في ذاته. بالإضافة إلى حسن الدعوة إلى تدبر القرآن الكريم.
ومما يشد انتباه القارئ لهذا الكتاب الحافل الإضافات النوعية التي ميزته، من ذلك ما سماه الدكتور محمد عبد الحليم بيشي بالتناسبية وذلك من خلال محاولة المجيدي الموفقة في ربط السورة بسورة البقرة وآل عمران، وإظهاره التناسب بين النظم الإسلامية في تنظيم القرابة والأسرة، ثم الواقعية وهي التأصيل الفقهي لقضايا الحقوق والعلاقات الدولية ومحاولة ربط تفسير السورة بالعصر الحديث، كما برز جهد المؤلف في رصد فقه المصالح الحيوي في موضوع حقوق الأمة في الحكم الراشد.