9 – السلوك المنطقي
في زماننا هذا تعددت الأعباء التي على الواحد منا أن يقوم بها، وصار في الحقيقة في داخل كل واحد منا عدد من الشخصيات المخبوءة. فانت مثلاً موظف ورب أسرة وعضو في جمعية خيرية، وتمارس الكتابة،وتطمح إلى أن يكون لك عمل تجاري، تزيد من خلاله دخلك… كل هذه الأعمال والانتماءات تحتاج إلى فكر وجهد ووقت.لا خيار لك في بعض ما ذكرناه،لكن حين تختار أعمالاً إضافية، فإن عليك أن تسأل نفسك : هل تستطيع أن تنجح في كل هذه الأعمال، أو أن المنطق يحتم عليك أن تعرض عن بعضها، لأنك لا تستطيع إعطاءه حقه، وبالتالي فسيظهر تقصيرك أو إخفاقك.
الرؤية المنطقية، هي التي ستساعد الإنسان على الحكم الصحيح في مثل هذه المسائل.
إذا كنت وكيلاً لمصنوعات ألمانية، فإن المنطق يرشد إلى أن تتعلم اللغة الألمانية. وإذا كنت مديراً لمستشفى وأنت لست طبيباً، فإن من المنطق أن تلمَّ بشيء مما يثير النزاع بين الأطباء عادة، وبينهم وبين المرضى، مما يتعلق بالأنظمة المتعلقة بالخطأ الطبي ومعايير الكفاءة المهنية، وما شاكل ذلك.
إذا كنت مديراً لمدرسة، فإن من عوامل النجاح أن يكون لديك إلمام بأصول إدارة المؤسسات التربوية، ودرجة من الاطّلاع على سير المديرين الناجحين، إلى جانب نوع من الدُّربة على حلّ المشكلات وإصلاح العلاقات بين الأساتذة والطلاب.
السلوك المنطقي سلوك قائم على إدراك عميق للإمكانات الشخصية والظروف المحيطة، وفهم جيد الأشياء ومنطق تطورها. وإذا دققنا النظر في الكثير من حالات الإخفاق في كل مجالات الحياة، فإننا سنجد نوعاً من التجاهل لبعض هذه الأمور أو جلّها. السلوك المنطقي يكتسب كل يوم وظائف حيوية في حياتنا المعاصرة، نظراً لأن العلاقات الإنسانية والتجارية والتنظيمات الجديدة للمعرفة والتقنية، تقوم جميعاً على التسلسل المنطقي والاعتبارات المنطقية. وفهم ذلك كله قد غدا شرطاً مهماً من شروط عيش الحياة المعاصرة.
10 – الحرص على النجاح مهما يكن صغيراً
ليس في هذه الدنيا نجاح نهائي، فالنصر في أية معركة- أيّاً كان نوعها-يضعنا في مواجهة معركة جديدة، قد تختلف في متطلباتها، لكنها على أي حال، تستدعي جهداً جديداً. والوقوف عند أي نجاح مهما يكن ضخماً، والتقاعس عما بعده،هو أول خطوة على طريق تضاؤله وخسرانه. تلك هي سنَّة الله – تعالى- في الابتلاء. العمل المقبول عند الله – جلَّ وعلا- هو العمل الذي اشتمل على عنصرين أساسين :عنصر الإخلاص و عنصر الصواب. النجاح في الأعمال الدنيوية مرتبط ب (الصواب) أكثر من ارتباطه ب (الإخلاص). أما في الأعمال الأخروية، فالإخلاص هو الأساس، لأن الصواب قد ينعدم، أو ينقص بسبب وجود ظروف قاهرة أو اجتهاد خاطئ. إن الإصرار على النجاح سِمَة مهمة للمسلم المعاصر، فالعالم كله متورط في سباق محموم للاستحواذ على أي شيء وكل شيء، ولا نستطيع تجاهل ذلك. وإن كانت نجاحات المسلم، تظل مقيدة بقيود معينة، كما أن أهدافه تظل مؤطرة بهدف رفيع خاص.
الخطوة الأولى في طريق النجاح هي الأهم،إنها بمثابة شرارة الإشعال الأولى،ثم بعد ذلك يشكل التدرج التراكمي في تحقيق النجاح نوعاً من الدعم المتلاحق للبواعث،كما أنه يولّد الرضا والسرور من خلال العمل. وهكذا النجاح الأول-مهما كان ضئيلاً- يمهد الطريق للنجاح التالي؛ول شيء يغري بالنجاح كالنجاح نفسه.
إن الناجحين في الحياة لا يشكلون أكثر من (5%) من الناس، وأكثر الباقين من العاديين والمخفقين، مع أن هناك إمكانات ووسائل كثيرة، تُيسَّر سبل النجاح،لكن مشكلة الإنسان أنه طالما وقع ضحية لقصوره الذاتي، وللأوهام التي تكبل عقله ووجدانه!.
النجاح ثمرة الفكر النير والجهد الوفير والإمكانات الجيدة. هو لا يحدث نتيجة امتلاك صاحبه بعض السمات الخاصة التي يتسم بها الناجحون عادة فحسب، وإنما هناك توفيق الله – تعالى- إلى جانب الظروف المواتيه.
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى
فأول ما يقضي عليه اجتهاده
ولا أريد هنا أن أذكر الصفات التي يحملها الناجحون، وإنما أريد التذكير بأهمها، وربما شرحنا بعضها في مواضع أخرى.
الرجل الناجح يتوقع لنفسه النجاح، وذلك التوقع، يلقي في عقله الباطن- على نحو خفي- الخطط والرؤى التي تساعده على النجاح، تماماً كما هو شأن الذي يتوقع لنفسه الإخفاق.
الرجل الناجح يمتلك قدرة على خوض نوع من المخاطر، فكثير من السكون، والرضا بالقليل من الإنجاز، سببه الخوف من المغامرة. نعم من الواجب على كل عاقل أن يقلل نسبة المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها، لكن لا بد في النهاية من الإقدام على الرغم من وجود بعضها.
الإنسان الناجح، يبحث عن الفرص؛ إذ إنه يعلم أنه في أسوأ الظروف، وفي أشد حالات الركود، تبقى هناك مجالات وفرص للنمّو والكسب، لكن معظم الناس ينتظرون أن تطرق الفرص أبوابهم. أما الناجحون، فهم الذين يعرَّضون أنفسهم لها، ويتحسسونها.
روح الاستقلالية، سمة مهمة من سمات الناجحين ، فهم يثقون في أنفسهم، ويمتلكون القدرة على التجاوز،على حين يشعر العاديون من الناس ينوع من التبعية لغيرهم، ويخافون من القيام بأعمال منفردة.
الإنسان الناجح، يمتلك القدرة على الاحتمال، وهو بطبعه صابر على بذل تكاليف النجاح.
إنه يصبر على بذل الجهد، كما يصبر على ضبط إيقاع نفسه ورغباته، ويسيطر على الزمن فلا يفلت منه.
الخلاصة: أن الناجحين، هم أشخاص غير عاديين، ولذلك فهم قلة. وأمة الإسلام، لا تشكو اليوم من انعدام الكفاءات وأصحاب الاختصاصات في أي مجال، لكن تشكو من فقر مُدقِع في العناصر المتفوقة والكفاءات النادرة التي تشق طرقاً جديدة للممارسة، وتعثر على حلول ناجعة حين يشعر الأشخاص العاديون بانسداد الآفاق وانقطاع الحيلة.
11- الوضــــــع الإيجابي
من السمات المهمة التي ينبغي أن يتحلى بها (المسلم المعاصر) سمة (الإيجابيّة) وهي مغايرة لصفة (السلبية)، فماذا نعني هنا بالإيجابية أو الوضع الإيجابي؟.
تعني الإيجابية أموراً عديدة منها:
– القدرة على التحكم بالعواطف، حيث يتم بذلك تجاوز خطوط الغريزة، وهذا التجاوز،يعبر في اتساعه عن مدى استطاعة صاحبه تحقيق إنسانيته من خلال بعده عن (الحيوان) الذي لا يستطيع السيطرة على غرائزه ولا تأخير رغباته، والذي لا يقوى أيضاً على المخاطرة… ونعني بالسيطرة على العواطف أن يلبس المسلم لكل حالة لبوسها، فليس من الإيجابية أن يحمل الموظف هموم بيته ومشكلاته الخاصة إلى مكتبه أو مصنعه،فالأداء الكفء، يتطلب موظفاً في أحسن أحواله،وفي أعلى درجات لياقته النفسية والبدنية.
كذلك ليس من الإيجابية أن يزعج المرء أهل بيته بمشكلاته مع طلابه أو زملائه أو مراجعيه… الحصول على هذه الوضعية يتطلب تدريب العاطفة وتقوية آلية الضبط الداخلي لديه.
– الفهم العميق لتحديات العصر ومطالبه وأشكال الاستجابة المطلوبة للعيش فيه،إلى جانب الشعور بالقدرة على التغيير: تغيير النفس وتغيير المحيط وتغيير الرؤية للأشياء.
وينطلق الشعور بإمكانية التغيير وضرورته من خلال إدراك أن الله -تعالى- قضى على الكون بالتقلّب والتحوّل وأن يظل في حالة من الصيرورة المستمرة؛كما ينطلق من مبدأ الاستفادة من التجارب السابقة التي خضناها،والتي رأيناها،ومن مبدأ ضرورة الانتقال إلى مرحلة استلهام الحق والخير والفضيلة وتمثلها في السلوك الجيد.إن الرتابة نوع من العدم،وإن الاستسلام للأخطاء،والقنوع بالحالة الحاضرة،نوع من الخروج من المحيط الحي إلى محيط الجماد.
– الصحة النفسية ركن أساسي من أركان الإيجابية؛ إذا لا يمكن أن يكون المرء في وضع إيجابي وهو سيشعر بنوع من (السأم الوجودي) أو الحسد أو الغيرة أو الخمول النفسي،أو الحقد على الناس.. ومن ثم كان لتزكية النفس وتنقية السرائر المكانة العظمى في الإسلام.
ما من إنسان إلا قد تعتريه أوضاع يفقد فيها لياقته النفسية، لكن المهم ألا يستمر ذلك، ويصبح صفة ملازمة. وللخلاصة من تلك الأحوال شرع الله -سبحانه- التوبة الغسل الشعور بالذّنْب، وشرع النوافل وأعمال البر من أجل الإحساس بتجاوز المصالح الضيقة إلى أفق أرحب،ولتجديد المعاني الروحية ونفض غبار التقاعس والخمول عن نفس المسلم.
12 – التقييم الذاتي
التقييم الذاتي هو في الأصل مفهوم الإنسان لذته، من حيث مظهره وأصوله وقدراته ووسائله واتجاهاته… وهذا المفهوم حين يترسخ، ويبلغ ذروة وضوحه يصبح قوة موجَّهة للسلوك. ويتكون مفهوم الإنسان لذاته من خلال الخبرات التي يكتسبها، ومن خلال الاحتكاك والاتصال بالآخرين. بل إن الناس كثيراً ما يكوَّنون المرآة التي يرى فيها الإنسان ماذا يمكن أن يكون عليه، والآفاق التي يمكن أن يرتادها،أي مجالات نموه الشخصي، وحدود ما يمكن أن ينجزه.
هذه الوضعية تحتم على الواحد منا أن يعيد تقييم نفسه من جديد؛ إذ إن من الوارد أن تكون المفاهيم التي كوّنَّاها عن أنفسنا مغلوطة أو مشوَّهة، بسبب رداءة البيئة العامة،أو بسبب المربية التي فهمنا ذاتنا بواسطتها. على المسلم اليوم أن يمتلك القدرة على إعادة فهم ذاته، وإعادة تقويم إنجازاته، وكشف الطاقات الكامنة لديه .
إعادة التقييم هذه ضرورية للتحرير من حتميات البيئة والمفاهيم الخاطئة السائدة، وضرورية أيضاً لكشف جوانب القصور في ذواتنا وأنشطتنا. وفي ظل التحديات المتصاعدة، وظل المتغيرات السريعة، تصبح هذه المسألة أكثر إلحاحاً، ويصبح إهمالها أشد خطورة.
مشكلة المراجعة أنها في أكثر الأحيان، تنتهي إلى اتهام النفس وازدراء الإنسان لإنجازاته الماضية؛ مما يجعلها تولَّد نتائج عكسية. ولذا فإن من المهم أن يحتفظ الإنسان بنوع من التقدير لذاته، وبالثقة في قدراته على التحسن والاستفادة من دروس الماضي. وله أن يعد مجرد المراجعة وإعادة التقييم إنجازاً جيداً.