غلب اسم صلاة التراويح على الصلوات التي تؤدى في ليالي رمضان لأن الإمام يجلس بعد كل أربع ركعات، ولذا يقال: ويجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحة.

والتراويح جمع ترويحة، أي استراحة، قال في القاموس: ترويحة شهر رمضان سميت بها لاستراحة بعد كل أربع ركعات- يقال: استروح أي وجد الراحة.  وأصل التراويح يظهر كأحد السنن التي داومت عليها  الرسول ، فقد أخرج البيهقي في سننه بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله يصلي أربع ركعات في الليل ثم يتروح فأطال حتى رحمته فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: أفلا أكون عبداً شكوراً .

قال البيهقي عن الحديث: “تفرد به المغيرة بن زياد، وليس بالقوي، وقوله: ثم يتروح إن ثبت فهو أصل في تروح الإمام في صلاة التراويح”. [السنن الكبرى للبيهقي (2/ 700)].

هل صلى الرسول التراويح في رمضان؟

ثبت في أحاديث صحيحة أداء الرسول التراويح في رمضان في لياليه من ذلك:
الحديث الأول: حديث أبي هريرة. قال: “كان رسول الله يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة، فيقول: “من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفِر له ما تقدم من ذنبه”. رواه الجماعة.
هذا الحديث صريح على حرص النبي على صلاة التراويح في رمضان وترغيب الصحابة والأمة على المحافظة عليها، ويفهم ذلك من وراء الأجر الذي يترتب على أدائها.
الحديث الثاني: حديث عائشة. «مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‌يَزِيدُ ‌فِي ‌رَمَضَانَ ‌وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا» [البخاري (1147)، ومسلم (738)].
الحديث الثالث:  حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: صمنا فلم يصل بنا حتى بقي سبع من الشهر فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل فقلنا: يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه فقال:
(إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلاث من الشهر فصلى بنا الثالثة ودعى أهله ونساءه فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح قلت: وما الفلاح قال السحور). [صححه الألباني في «صلاة التراويح – الألباني» (ص15)].

وهذا يدل على فضل أداء صلاة التراويح مع الإمام.

هدي الرسول ﷺ في صلاة التراويح
هدي الرسول ﷺ في صلاة التراويح

جاء في مسائل أبي داود: سمعت أحمد بن حنبل قيل له: يعجبك أن يصلي الرجل مع الناس في رمضان أو وحده؟ قال: يصلي مع الناس وسمعته أيضا يقول: يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه قال النبي : “إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له بقية ليلته [مسائل أبي داود: ص62].

كم عدد ركعات صلاة التراويح؟

نجد في حديث عائشة السابق البيان الواضح عن كيف صلى النبي صلاة التراويح في رمضان، لكن على غرار وضوحه، اختلف الفقهاء في تفسير هذا الوصف من فعل النبي لا سيما مع انضمام الروايات المختلفة التي وردت في وصف تراويح الرسول في رمضان، ولكن نتوقف على شرح حديث عائشة رضي الله عنها .
1 – أن الرسول لم يزد في صلاته بالليل سواء في رمضان أو في غيره على إحدى عشرة ركعة، ويتأكد هذا المعنى إذا أدركنا أن صلاة النبي في الليل مهما اختلفت أسماؤها لا تتجاوز العدد المذكور. قال المباركفوري: التراويح وقيام رمضان وصلاة الليل وصلاة التهجد في رمضان عبارة عن شيء واحد، واسم لصلاة واحدة، وليس التهجد في رمضان غير التراويح لأنه لم يثبت من رواية صحيحة ولا ضعيفة أن النبي صلى في ليالي رمضان صلاتين إحداهما التراويح، والأخرى التهجد، فالتهجد في غير رمضان هو التراويح في رمضان. «مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (4/ 311).
2– أن الرسول لم يكن يدع صلاة الليل قط في رمضان وفي غيره، حضرا ولا سفرا إلا إذا  غلبه نوم أو أصابه وجع، ويدل هذا على أن التراويح داخلة في مطلق صلاة الليل، فكان عليه الصلاة والسلام يداوم عليها. [زاد المعاد: 4/ 380].
3 –  أن الركعات التي صلاها الرسول وهي إحدى عشرة ركعة، تشمل ثماني ركعات من النوافل والتراويح ثم يوتر بثلاث ركعات أخرى، وهذه تمام إحدى عشرة ركعة، ويؤكد هذا المعنى رواية جابر بن عبد الله قال:” صلى بنا رسول الله في شهر رمضان ثمان ركعات وأوتر…” الحديث[1]. وبهذا الحديث مع ما يوافقه من حديث عائشة «أخذ المحققون من علماء أهل الحديث والفقه. فإن أحداً منهم لم يقل بأن النبي صلى أكثر من ثماني ركعات في رمضان أو في غير رمضان، وإنما الخلاف في الطول، والقراءة، والوقت، والجماعة، وغير ذلك.»[2]

4 – أما الأحاديث التي ذكرت أن الرسول صلى أكثر من إحدى عشرة ركعة فالصحيح أنها ضمت إليها سنن أخرى مثل: سنة ركعتي الفجر، فقد جاء عن الشعبي أنه قال: سألت عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر عن صلاة رسول الله – – بالليل، فقالا: «ثلاث عشرة، منها ثمان، ويوتر بثلاث، وركعتين بعد الفجر». أي بعد دخول وقت الفجر.

كيف كان النبي يصلي التراويح؟

كان هدي النبي في إحياء الليل بالصلاة خير الهدي وأكمله فهو الأسوة والقدوة الحسنة التي يجب على المسلمين الاقتداء به، ومقاربة خطواته في أعمال العبادة والقربات والنوافل، وقد نقلت عائشة رضي الله عنها هدي الرسول في القيام من الليل على أتم وجهه.
وكان من أحد هدي رسول الله في صلاة الليل، أن صلاته تبدأ مع أول الليل فيصلي أربع ركعات أو ست ركعات وذلك بحسب ما يتيسر له، ثم ينام فترة، والراجح من هذه الركعات أنها سنة صلاة العشاء لأنه كان يصليها في بيته عقب العشاء، ثم يرقد.
ويستيقظ أحيانا في منتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، فيقوم بعبادة الليل وهي التراويح، وكان إذا استيقظ بدأ بالسواك، ثم يذكر الله بما كان يقوله عند استيقاظه[3]، ثم يتطهَّر، ثم يصلِّي ركعتين خفيفتين، قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله – – إذا قام من الليل افتتح صلاته بركعتين خفيفتين[4].
وكان يصلي ثماني ركعات مع الركعتين الأوليين الخفيفتين في صلاة قيام الليل، وهذا هو النوع الأول الثابت عن طريق عائشة رضي الله عنها، وكان يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة، وتلك إحدى عشرة ركعة.

وهناك هيئات أخرى لعدد الركعات التي صلاها الرسول الله في صلاته بالليل أوصلها ابن القيم بالإضافة إلى رواية عائشة رضي الله عنها إلى سبعة أنواع[5].

وكانت صلاته بالليل ثلاثة أنواع: أحدها وهو الأكثر صلاته قائمًا. الثاني: أنه كان يصلِّي قاعدًا، ويركع قاعدًا. الثالث: أنه كان يقرأ قاعدًا، فإذا بقي يسيرٌ من قراءته قام فركع قائمًا. والأنواع الثلاثة صحَّت عنه.

كيف كانت قراءة النبي وقنوته في التراويح؟

ولم يثبت عن النبي أنه قنت في صلاة الوتر، قال أحمد: ليس يروى في قنوت الوتر عن النبي شيءٌ، ولكن عمر كان يقنت من السنة إلى السنة. واشتهر دعاء القنوت بين الصحابة رضوان الله عليهم أكثر من قنوت الفجر، قال ابن القيم: والقنوت في الوتر محفوظٌ عن عمر وأُبَيّ وابن مسعود، والرواية عنهم به أصحُّ من القنوت في الفجر، والرواية عن النبي    في قنوت الفجر أصحُّ عنه من الرواية في قنوت الوتر. [زاد المعاد: 1/397].
كانت قراءته في صلاة الليل بالترتيل يتدبر كل آية، ويقف على رؤوس الآيات، وإن تعلقت بما بعدها، وقد يقف على الآية الواحدة فيرددها وينعم النظر في معناها حتى الصباح. قال ابن القيم: وهذا هو الأفضل، وذهب بعض القُرَّاء إلى تتبُّعِ الأغراض والمقاصد والوقوفِ عند انتهائها. واتباعُ هدي رسول الله – – وسنَّته أولى. [زاد المعاد: 1/401].

كان رسول الله يُسِرُّ بالقرآن في صلاة الليل تارةً، ويجهر تارةً، ويطيل القيام تارةً، ويخفِّفه تارةً، ويوتر آخرَ الليل ــ وهو الأكثر ــ وأولَه تارة ووسطه تارة.

هذا البيان يعكس هدي الرسول في الأخذ بالأيسر وترك التكلف، فالمسلم يأخذ بما يتيسر له ولا يفوت فضل قيام رمضان بسبب عدم القدرة على الإطالة في القراءة والترتيل، فمن يرد القيام ويطيل فليفعل، ومن يرد أن يخفف فليفعل، فالأمر فيه سعة، ويأخذ كل واحد ما يستطيعه ويداوم عليه. وكان هدي النبي يتسع لجميع ذلك.


[1]  قال الذهبي: إسناده وسط.  وقال الألباني: «صلاة التراويح – الألباني» (ص21): «رواه ابن نصر والطبراني وسنده حسن بما قبله واشار الحافظ في الفتح وفي التلخيص إلى تقويته وعزاه لابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما]».

[2]  الأعظمي، محمد ضياء الرحمن،  صلاة التراويح (ص35)، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الطبعة: السنة الخامسة عشر- رجب – شعبان – رمضان ١٤٠٣هـ.

[3]  جاءت نصوص كثيرة عن أذكار الاستيقاظ من النوم التي كان يدوام عليها الرسول ، ومن ذلك ما أخرجه مسلم من حديث ابن عباس.. وفيه: ‌استيقظ، فتسوَّك، وتوضَّأ، وهو يقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} فقرأ هؤلاء الآيات حتى ختم السورة [آل عمران: ١٩٠ – ٢٠٠]،

[4]  كما في «صحيح مسلم» عن عائشة

[5]  النوع الثاني: رواية ابن عباس:  أن الرسول صلَّى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف، فنام حتى نفخ. ثم فعل ذلك ثلاثَ مرَّات. وهذه ست ركعات.

الثالث: ثلاث عشرة ركعةً ولكن بالهيئة التي ذكرها رواية سيدتنا عائشة رضي الله عنها.

الرابع: يصلِّي ثمان ركعات، يسلِّم بين كلِّ ركعتين، ثم يوتر بخمسٍ سردًا متواليةً، لا يجلس إلا في آخرهن. أخرجه مسلم (٧٣٧/ ١٢٣) من حديث عائشة – رضي الله عنها -.

الخامس: تسع ركعات، يسرُد منهن ثمانيًا لا يجلس في شيء منهن إلا في الثامنة، يجلس يذكرالله ويحمده ويدعوه. ثم ينهض، ولا يسلِّم. ثم يصلِّي التاسعة، ثم يقعد، فيتشهَّد، ويسلِّم. ثم يصلِّي ركعتين بعدما يسلِّم. أخرجه مسلم (٧٤٦)

السادس: يصلِّي سبعًا كالتسع المذكورة، ثم يصلِّي بعدها ركعتين جالسًا

السابع: أنه كان يصلِّي مثنى مثنى، ثم يوتر بثلاث لا يفصل فيهنَّ.