لم يهتم المسلمون بعلوم الشريعة الإسلامية فحسب، وإنما كان لهم مساهمات عظيمة في شتى العلوم الأخرى، حيث اهتم المسلمون بعلم الحياة، وبرعوا فيه وسجلوا اكتشافات غير مسبوقة لم يصل إليها أحد. وكان لهم الفضل الأول في الكشف عن بعض الأمور التي كانت سببا في تقديم خدمات جليلة للإنسانية جمعاء. فكيف اهتم المسلمون بعلم الحياة؟
تكمن أهمية علم الأحياء في أنه ساعد في دراسة جسم الإنسان ودراسة النباتات والعمليات التي تقوم بها، حيث صنفت البيولوجيا الكائنات الحية وساعدت ذلك في دراسة وفهم خصائصها ومراحل تطورها وكيفية تطورها.
وقد صب اهتمام علم الحياة في دراسة جميع الكائنات الحية الموجودة على الأرض من العصور القديمة إلى عصرنا الراهن، ويعتبر علم الأحياء فضيلة عظيمة في فهم الإنسان للبيئة المحيطة به، وأظهر له كيف ينبغي عليه المضي قدما في استخدام الموارد التي من خلالها لتحقيق المنفعة العظيمة لجميع الكائنات، مثل فك تشفير الطبيعة التي كانت لفترة طويلة غامضة وغامضة.
ما هو علم الأحياء؟
يعرف علم الأحياء بانه علم طبيعي يُعنى بدراسة الحياة والكائنات الحية، بما في ذلك هياكلها ووظائفها ونموها وتطورها وتوزيعها وتصنيفها. والأحياء الحديثة هي ميدانٌ واسعٌ يتألف من العديد من الفروع والتخصصات الفرعيَّة، لكنها تتضمن بعض المفاهيم العامّة الموحدة التي تربط بين فروعها المُختلفة وتسير عليها جميع الدراسات والبحوث.
يُنظر إلى الخلية في علم الأحياء عموماً باعتبارها وحدة الحياة الأساسية، والجين باعتباره وحدة التوريث الأساسية، والتطور باعتباره المُحرّك الذي يولد الأنواع الجديدة. ومن المفهوم أيضاً في علم الأحياء في الوقت الحاضر أنّ جميع الكائنات الحيّة تبقى على قيد الحياة عن طريق استهلاك وتحويل الطاقة، ومن خلال تنظيم البيئة الداخلية للحفاظ على حالةٍ مُستقرةٍ وحيويّة.
ينقسم علم الأحياء إلى فروع حسب نطاق الكائنات الحيَّة التي تدرسها، وأنواع الكائنات الحيَّة المدروسة، والأساليب المُستخدمة في دراستها. فتدرس الكيمياء الحيوية العمليات الكيميائية المُتعلقة بالكائنات الحيَّة، ويدرس علم الأحياء الجزيئي التفاعلات المُعقدة التي تحصل بين الجُزيئات البيولوجية، ويُعنى علم النبات بدراسة حياة النباتات المُختلفة، ويدرس علم الأحياء الخلوي الخلية التي تُعدّ الوحدة البنائية الأساسية للحياة، ويدرس علم وظائف الأعضاء الوظائف الفيزيائية والكيميائية لأنسجة وأعضاء وأجهزة الكائن الحي، بينما يدرس علم الأحياء التطوري العمليات التي أدّت إلى تنوّع الحياة، ويُعنى علم البيئة بالبحث في كيفيّة تفاعل الكائنات الحيَّة مع بيئتها.
المسلمون وعلم الأحياء
أسهم العلماء المسلمون إسهامات مهمة في علم الأحياء، مثل الجاحظ، وأبو حنيفة الدينوري الذي كتب في علوم النباتات، وأبو بكر الرازي الذي كتب في علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء. كما أولى المسلمون الطب اهتماماً خاصاً، فترجموا علوم اليونانيين وأضافوا إليها الكثير. أمّا إسهاماتهم في التاريخ الطبيعي فكانت مُعتمدةً بشكلٍ كبيرٍ على الفكر الأرسطي.
وعلى الرغم من ظهور علم الأحياء بشكله الحالي حديثا نسبيا، إلا أن العلوم التي تتضمنها الأحياء أو تتعلق فيها كانت تُدرس منذ العصور القديمة. فقد كانت الفلسفة الطبيعية تُدرس في بلاد الرافدين ومصر وشبه القارة الهندية والصين. بيد أنّ أصول علوم الأحياء الحديثة ومنهجها في دراسة الطبيعة تعود إلى اليونان القديمة. فكان أبقراط بمثابة مؤسس علم الطب، بالإضافة إلى مساهمة أرسطو الكبيرة في تطوير علم الأحياء، حيث كان لكتبه التي أظهر فيها ميوله للطبيعة أهمية خاصة مثل كتاب “تاريخ الحيوانات”، تبع ذلك أعمال أكثر تجريبية ركّزت على السببية البيولوجية وتنوع الحياة. وكتب ثيوفراستوس بعد ذلك سلسلة من الكتب في علم النبات اعتُبرت الأهم من نوعها في هذا العلم في العصور القديمة حتى العصور الوسطى.
أشهر علماء الحياة من العرب والمسلمين
لعب العرب والمسلمون دورا كبيرا في تطوير علم الأحياء، حيث كانت مساهماتهم في علم الحياة مساهمات سجلها التاريخ لهم واستفادت منها الإنسانية حتى هذا الوقت، حيث أظهر علماء الأحياء العرب والمسلمون الكثير من الغموض الذي لم يكتشفه أحد من قبل. فهل اهتم المسلمون بعلم الحياة حقيقة؟ وكيف كان اهتمامهم؟
هناك العديد من هؤلاء العلماء الذين ساهموا في تطور وتكوين علم الأحياء ومن أشهرهم:
- ابن البيطار: كان رائدا في علم النبات، وله مساهمات كبيرة في مجال الأدوية، ودرس النباتات وتعرف على خصائصها وكل ما يتعلق بها. ولابن البيطار كتابان في علم الأحياء: “كامل مفردات الأدوية والطعام” و “المغني في الأدوية الفردية”.
- ابن سينا: وله الفضل الكبير في تأسيس علم الأحياء، وقد اكتشف العديد من الأمراض. نال شهرة واسعة في عدة مجالات منها علم الأحياء، فهو أول من تعرف على الدودة المستديرة التي تسبب العديد من الأمراض للإنسان، كما اكتشف الدودة الخيطية التي ينتج عنها داء الفيل .
- الجاحظ: يعتبر من أهم علماء الأحياء المسلمين، وله إسهامات كبيرة في هذا المجال مثل كتاب الحيوان الذي اعتمد فيه على الملاحظة والتجربة.
- ابن النفيس: الذي اكتشف ودرس الدورة الدموية الرئوية في جسم الإنسان، وقام بوصف تجاويف القلب وصفا دقيقا، وهو أول صنع أدوات التشريح. يعتبر من أهم علماء الأحياء المسلمين على مر العصور، وهو من أشهر الأطباء في عصره. ألف العديد من الكتب، منها: “الشامل في الطب” و”المختار من الأغذية” .
- الدميري: يعتبر من أهم علماء الأحياء، اهتم كثيرا بعلم الحيوان بشكل كبير وهو صاحب كتاب “حياة الحيوان” الذي وضّح فيه حوالي 900 نوع من الحيوانات مبينا فصائلها وأسمائها وطبائعها، وتُرجم كتابه هذا للغة الإنجليزية. كما ألّف أيضا كتاب “حاوي الحسان في حياة الحيوان”.
- القزويني: عالم مسلم كبير له اسهامات كثيرة في علم الحياة. ألف الكثير من الكتب في عدة مجالات مثل التاريخ الطبيعي والأحياء، وأهتم بشكل كبير بالحيوان والنبات والطبيعة فأصبح من علماء الأحياء ومن أهم أعماله كتاب “عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات” الذي تكلم فيه عن الأبراج والكواكب وفصول السنة والرياح والبحار والجزر والأحياء الموجودة بها من حيوانات أو نباتات. كما ألف كتاب “آثار البلاد وأخبار العباد” الذى تناول فيه موضوعات مختلفة عن المدن والقرى والسلاطين وأيضا عن النبات والحيوان .
- ابن رشد: من أهم وأشهر العلماء المسلمين، اهتم بمجالات عدة فهو من أشهر فلاسفة وعلماء الأندلس بالعصور الوسطى، وقدم إسهامات كبيرة في الطب والأحياء وعلم النفس والفلك والفيزياء. وتجلت براعته في الطب حيث ألف كتاب “الكليات في الطب”، ويرجع إليه الفضل في اكتشاف كيفية الإصابة بمرض الجدري و هو أول من أقترح مصطلح القصور الذاتي .
مميزات وخصائص العلماء المسلمين في دراسة علم الحياة
تميز علماء الأحياء المسلمون بالعديد من المميزات والخصائص التي تميزهم عن غيرهم من العلماء في هذا المجال:
- كان لديهم خاصية لم تكن موجودة في باقي علماء الأحياء وهي شمولية تفكيرهم واتساع طموحاتهم.
- لم يكن هناك سقف للطموحات التي يسعون إلى تحقيقها.
- لم يترددوا في مجال البحث والتنقيب عن المواضيع المتعلقة بعلم الحياة.
- قاموا بتوسيع أي علم ومعرفة بأدق التفاصيل عنه، ولم يقتصر الأمر على علم الأحياء بل امتد في العلوم المختلفة.
- – تمكنوا من تقديم فوائد ملموسة للأمة الإسلامية وللإنسانية جمعاء.
- تفوقوا في مساعيهم بما جعلهم يقومون باكتشافات غير مسبوقة لم يعرفها أحد في علم الأحياء.
لماذا غُيّب علماء الحياة العرب والمسلمون؟
ترك علماء الأحياء العرب والمسلمون بصمات دقيقة وواضحة في علم الأحياء، فقد كانوا مجموعة من العلماء لا يتوقف عن الحديث عنهم في عصور معينة. لكن الغريب في الأمر، لا أحد يتحدث عنهم وعن انجازاتهم واكتشافاتهم في العصر الراهن. على الرغم من أن إسهاماتهم التي قدموها أثبتت -بما لا يدع مجالا للشك- أن المسلمين قادرون على بلوغ مراحل لا يستطيع أحد أن يصل إليها.
كان عالم الأحياء ابن سينا هو المكتشف الرئيسي للدودة المستديرة، قبل أن يكتشفها علماء الأحياء الغربيون، بينما كانت مساهمات ابن النفيس في العلوم الطبية غير عادية، حيث اكتشف دوران الأوعية الدقيقة، وغيرها الكثير. فيما قيل عن عالم الأحياء ابن البيطار: “إنه عالم نباتي حكيم طويل الأمد”.
لكن- للأسف -كثيرا ما يحتفل التاريخ بإنجازات علماء الغرب العظيمة في شتّى العلوم والمعارف، ويتناسى العلماء العرب والمسلمون، فيذكر أرسطو و سقراط ونيوتين وماري كوري و جاليلي وأينشتاين..ولا يذكر ابن سينا وابن النفيس وابن البيطار والدميري والقزويني وابن رشد..
علماؤهم بلغ صيتهم كل الدنى والدروب، حتى أصبحوا مفخرة للشعوب بما فيهم نحن. نحن الذين رفعنا من قيمتهم ودعمناهم وأدخلناهم إلى كلياتنا وجامعاتنا ومناهجنا التعليمية. ونسينا أن تاريخنا العربي والإسلامي يزخر بأمثالهم من العلماء والمفكرين الذين قد يكونوا سبقوا هؤلاء العلماء بإنجازاتهم، وحتى أن بعض علماء الغرب قد استندوا في دراساتهم على أبحاث العلماء المسلمين.