أستخدم كأسا زجاجيا معيارا لتحديد أنماط البشر لفترات طويلة من الزمن، يسألك أحدهم : هل أنت متشائم؟ فتجيبه نصف الكأس فارغ .
هذه الإجابة الثنائية الدلالة تعقد المشكلة أكثر، فلا يمكن قياس نظام الاستجابة العاطفية بشكل دقيق عن طريق النظر إلى نصف كأس فارغ !
ولكن كيف نستجيب للظروف التي نواجهها بشكل مؤثر؟
التفاؤل والتشاؤم من السمات التي تحدد جزء من واقعنا. غالبا ما تكون النظرة التفاؤلية للمستقبل أمثل طريقة للنظر نحو الأمام، إلا أن المشككين يطبقون مهارات التفكير النقدي بصورة أفضل من غيرهم، وتساعدهم على تجنب المخاطر المحتملة.
ومثل شأن باقي أمور الحياة؛ الحل يكمن في التوازن.
إذا نظرنا إلى انتشار حالة التشاؤم سنجد أنها تقف خلف أمراض القلق والاكتئاب، في حين لا يوجد سبب معروف أو علاج لمثل هذه النظرة السلبية للحياة.
باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة كيوتو اليابانية قرروا التحقق من مسؤولية منطقة معينة في الدماغ تثير التشاؤم ويعتقدون أنهم وجدوا الحل.
تشير الدراسة المنشورة في مجلة الخلايا العصبية إلى استخدم الباحثين نهج تجنب مواقف الصراع على مجموعة من القرود لتحديد المناطق العصبية المشاركة في اتخاذ قرار متشائم.
ويعتبر هذا الاختبار -تجنب مواقف الصراع- وسيلة مدروسة بعناية لاختبار القلق لدى الحيوانات والاختيار بين أعلى درجات المخاطر و المكاسب.
قام فريق البحث الذي يقوده معهد مكفرن للأبحاث بتحديد موقع هذه الآلية في نواة الدماغ (CN)، افترضنا هنا أن نواة دماغ القرود يمكن أن تشارك بشكل ما في توليد الحالة السلبية المستمرة والمتكررة، وأن النشاط العصبي في منطقة النواة يمكن أن تظهر سمات محددة ترتبط مع هذه الحالات.
تقع نواة الدماغ ضمن الجزء المخطط بجانب منطقة تسمىputamen ، ويعرف بأنه المسؤول عن تنظيم الحركة وعملية التأثير على أنواع معينة من التعلم. وينسق هذا الجزء المخطط جوانب الإدراك والتخطيط واتخاذ القرار والتعزيز لدى الانسان، كما أنه جزء من شبكة المكافأة في المخ، حيث يعتبر الناقل العصبي “الدوبامين” لاعبا أساسيا في هذه العملية (الدوبامين من الناقلات العصبية المهمة في الدماغ، وهو مسؤول عن عدد من الوظائف والأنشطة الرئيسة في جسم الإنسان).
وحدد الباحثون هذا النظام باعتباره السبب الرئيس في تعزيز السلوك المتشائم: “تشير النتائج التي توصلنا إليها أن هذه الدوائر يمكن أن تكون المصادر المسببة لإنتاج حالة التشاؤم المستمرة “.
الصفات المتشائمة لدى البشر تسبب مايطلق عليه “السلوك الطقوسي”. من المرجح أن يركز المتشائم على النتيجة السلبية المحتملة كلما واجه موقفا ما. وبالرغم من ذلك يمكن أن يكون هذا الأمر مفيدا، على سبيل المثال في اتخاذ قرارات مالية، أو قياس ظروف محيطة بمقابلة شخص من عدمه خاصة إذا ظهرت إشارات مريبة في سلوكه.
ولكن هذا النهج يمكن أيضا أن يمنع الإنسان من التقدم في الحياة لأن خيارات المجازفة والمخاطرة التي تدعو إلى الإيمان بقدرات الذات لا تنجح في مسعاها لأن الخيار دائما سيكون للنتائج السلبية، ومن غير المرجح أن نرى تقدما في حياة المتشائمين على مختلف الأصعدة الشخصية أو المهنية.
ترتبط منطقة نواة الدماغ بالنظام الحوفي -جزء من الدماغ مسؤول عن استجاباتنا السلوكية والعاطفية وتنظم الحالة المزاجية- وهنا يقوم الناقل العصبي “الدوبامين” باستدعاء القرارات مع ملاحظة صدور موجات دماغية من منطقة نواة الدماغ لدى المتشائمين تعمل على تغيير سلوكهم وبالتالي تؤثر على إنتاج “الدوبامين”.
وقام الباحثون بمنع نشاط الدوبامين في هذه المناطق ولاحظوا التغييرات وحللوا مردود ذلك على القرود .
يقول كبير الباحثين في الدراسة البروفيسور آن جريبيل من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن تعقيد النظم تتطلب “توازنا دقيقا”.
وأضاف أن جريبيل: يجب أن تتضافر عدة دوائر ذات الصلة بالموضوع. نحن نراعي الدقة والتوازن حتى مجرد إيقاف تشغيل النظام ولو لفترة بسيطة يمكن أن يؤدي إلى تغيير سريع في السلوك.
ويأمل الباحثون أن هذا الأمر يساعد على تحقيق اختراقات في علاج القلق والاكتئاب والوسواس القهري الذي يخلق أيضا “سلوكا طقوسيا” ( يشير هذا المصطلح الى أن الاستجابات تأخذ نمطا ثابتا لايتغير كما هو الحال في الطقوس والشعائر الدينية).
إن كان بإستطاعة التحفيز الجزئي مساعدة المتشائم في كسر الكوب الزجاجي في النهاية، فإنه لم يعد لدينا ما يثير القلق حول كمية السوائل المتبقية.