لو تأملنا أعضاء المصلي في الصلاة من البداية إلى النهاية نجد لكل عضو منه وظيفة تختص به، فوظيفة العين في الصلاة مثلا غير وظيفة اللسان أو الرجل، وكل عضو في مسار عبادة مرسومة له شرعا حتى ينتهى المصلي بالتسليم ملتفيا يمينا وشمالا، وإذا نظرنا إلى هيئة اليدين في الصلاة ندرك أنها بين رفع وإرسال، ووضع وقبض، وبسط وإشارة، وفق الأدلة الآمرة بها والحاثة عليها، وهذا يدخل ضمن معلومات عن الصلاة.
والمباحثة في مثل هذه الجزئيات والمواضع ليست من هوامش البحث أو نوافل العلم بل مما يجدر بالعناية والمدارسة، كما قال الإمام النووي – عند تحريره لمذاهب العلماء في رفع اليدين للركوع وللرفع منه- ” إن هذه مسألة مهمة جدا، فإن كل مسلم يحتاج إليها في كل يوم مرات متكاثرات لا سيما طالب الآخرة ومكثر الصلاة، ولهذا اعتنى العلماء بها اشد اعتناء[1]
وعليه يختصر على أصح هيئة اليدين في الصلاة من خلال هذا الطرح.
أولا: رفع اليدين في الصلاة وما يتعلق به
ثمة مواضع مهمة تتعلق بمسألة رفع اليدين في الصلاة فهي على النحو التالي:
المواطن الأربعة التى يجوز فيها رفع اليدين الصلاة5>
لا يرفع المصلي يديه في الصلاة إلا في المواضع الأربعة:
أ- عنـد تكبيرة الإحـرام
ب – وعند الركـوع
ج- وعند الرفـع من الكوع
د – وعند القيام إلى الركعة الثالثة.
لحــديث ابــن عمــر رضــي االله عنهمــا ” أن رسول الله ﷺ كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع، رفعهما كذلك أيضا، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السجود [2] وفي رواية أن ابن عمر، كان ” إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه “، ورفع ذلك ابن عمر إلى نبي الله ﷺ[3]
وقد توارد الـرواة على نقـل إثبات هذه المواضع الأربعة، بل جرى عليها التوارث العملي عند أكثر الأمة، لا سيما في المواطن الثلاثة، وأمـا رفـع اليـدين عنـد كـل خفض ورفع على الدوام فليس بصحيح الفعل، لعدم ورود الأدلة المقنعة الثابتـة في مشـروعتة، كما قرر ذلك المحققون من أعلام نبلاء المحدثين وغيرهم كابن عبد البر، والنووي، وابـن القـيم، والعراقـي، وابـن رجـب، وابـن حجـر.
ولما سـئل الإمـام أحمـد عـن الرفـع في الـسجود فقيـل لـه:”يا أبا عبد الله، أليس يروى عن النبي ﷺ أنه فعله؟ قال: هذه الأحاديث أقوى وأكثر يا أبا عبد الله.[4]يعني الأحاديث المنفية.
ولأن الأشـبه والأصـح من لفـظ الحديث الوارد في الباب هو ” يكـبر عنـد كـل خفـض ورفـع” وغلـط الراوي وقـال:” يرفـع عند كل خفض ورفع” كما نبه على ذلك الإمام الدارقطني إمام العلل والإمام ابن القيم .
متى يكون رفع اليدين؟
صفة رفع اليدين5>
الصحيح في صفة رفع اليدين هو أن تكون علـى صـفة النابـذ، بـأن يجعـل المصلي يديـه قـائمتين، أصـابعه حـذو أذنيـه وكفـاه حذو منكبيه لحديث أبى هريـرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كـان«إذا دخل في الصلاة رفع يديه مدا»[5]، وأمــا تفريــق الأصــابع في رفــع اليــدين فخــلاف الــسنة، ولا يثبــت في ذلــك شــيء مــن الأحاديث كما صرح بذلك غير واحد من أهل العلم بالحديث.
الحد الذي ينتهي إليه اليدان عند الرفع5>
أما حد رفع اليدين في الصلا ة فعلى ثلاثة الأوجه: إمـا أن يبلـغ بهمـا المـصلي إلى:
1- المنكبـين، وبرهان ذلك ما ثبت عن ابـن عمـر رضـي االله عنهمـا أنه قـال:” رأيـت رسـول االله صلى االله عليه وسلم إذا قـام في الـصلاة رفـع يديـه حـتى يكونـا حـذو منكبيـه وكـان يفعـل ذلـك حين يكبر للركوع…[6]
2- أو إلى الأذنين، وحجة ذلك مارواه مالك بن الحـويرث رضـي الله عنـه «أن رسول الله ﷺ كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع»[7] وفي روايـة:” حتى يحاذي بهما فروع أذنيه”[8]
3- أو إلى الصدر، ودليل ذلك ما رواه وائـل بـن حجـر قـال رأيت النبي ﷺ «حين افتتح الصلاة رفع يديه حيال أذنيه»، قــال: ثم أتيــتهم فــرأيتهم يرفعــون أيــديهم إلى صدورهم فى افتتاح الصلاة وعليهم برانس وأكسية[9]
ما الحكمة فى رفع اليدين؟
1. أنه إشارة إلى التوحيد
2. أن يــراه الأصــم فــيعلم دخولــه في الــصلاة، والتكبــير لــسماع الأعمــى فــيعلم دخولــه في الصلاة
3. أنه إشارة إلى تمام القيام
4. أنه إشارة إلى رفع الحجاب بين العبد والمعبود
5. ليستقبل بجميع بدنه
6. أنــه لتعظـــيم االله واتباع ســنة نبيه صلى االله عليه وسلم.
7. أنه استكانة واستسلام وانقياد، وكان الأسير إذا غلب مد يديه علامة للاستسلام
8. أنه إشارة إلى استعظام ما دخل فيه.
9. أنه إشارة إلى طرح أمور الـدنيا والإقبـال بكليتـه علـى الـصلاة ومناجـاة ربـه سـبحانه وتعـالى كما تضمن ذلك قوله: الله أكبر، فيطابق فعله قوله.
10. أنه إشارة إلى دخوله في الصلاة
11. أنه للاستسلام والانقياد ليناسب فعله قوله االله أكبر
12. قال ابن بطال رحمه االله: ورفعهما تعبد[10]
وجميــع هــذه الأقــوال جيــدة في الجملــة، فمعرفة معانى الأحكام مطلب نبيل، إلا أن مـــا قالــه ابــن بطــال هــو المتجــه والأصـــوب والأنسب، لأن الأصل في الـدين التـسليم لأوامـر الـشرع دون التعمـق في الكـشف عـن الحكـم الكامنة وراءها مع التقصير من العمل.
من أقوال أئمة الإسلام عن رفع اليدين في الصلاة5>
1-قال علي بن عبد االله رحمه الله – وكان أعلم زمانه : – رفع الأيدي حق على المسليمن.
٢ – سئل سـعيد بـن جبـير عـن رفـع اليـدين في الـصلاة، فقـال: هو شيء تزين به صلاتك
3- يقول النعمان بن أبي عياش رحمه االله: لكل شـيء زينـة، وزينـة الـصلاة أن ترفـع يـديك إذا كبرت، وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع.
4- قال الإمام البخاري رحمه االله: وكان ابن المبارك يرفع يديه وهو أكثر أهل زمانه علما فيما نعرف، فلو لم يكن عند من لا يعلـم مـن الـسلف علـم فاقتـدى بـابن المبـارك فيمـا اتبـع الرسـول وأصحابه والتابعين، لكان أولى به من أن يثبته بقول من لا يعلم.
ثم قال الإمام البخاري:” من زعم أن رفع الأيدي بدعة فقد طعن في أصحاب النبي صلى الله عليـه وسـلم والـسلف ومـن بعـدهم وأهـل الحجـاز وأهـل المدينـة وأهـل مكـة وعـدة مـن أهل العراق وأهل الشام وأهل اليمن وعلماء أهل خراسان[11]
قـال الحـاكم أبـو عبـد الله رحمـه الله:” لا نعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول الله ﷺ الخلفاء الأربعة ثم العشرة الذين شهد لهم رسول الله ﷺ بالجنة، فمن بعدهم من أكابر الصحابة على تفرقهم في البلاد الشاسعة غير هذه السنة” وقـال الإمـام البيهقـي معلقا على كلام شيخه: “وهـو كمـا قـال شـيخنا[12] ثم سرد أسماء الصحابة الذين رووا هذا الحديث.
إذن، قـد تجـاوزت هـذه الـسنة قنطـرة الـصحة لتواترهـا بـين عامـة عـن عامـة وجيـل عـن جيـل، فليكن اللوم على من عدل عنها ولم يداوم عليها، وقد قال عمر بن عبد العزيـز رحمـه الله “: إن كنا لنؤدب عليها يعني على ترك الرفع”[13]
ثانيا: صفة قبض اليد في الصلاة
المقصود من قبض اليدين أثناء القيام في الصلاة، هو أن يـضع المـصلي يـده اليمـنى علـى اليسرى، ويأتى هذا في ثلاث صور وكلها جائزة.
الأولى: وضع الكف اليمنى على رسغ اليسرى
الثانية: قبض الكف اليسرى باليمنى
الثالثة: وضع الكف اليمنى على الـساعد
ثالثا: موضع اليدين في البدن أثناء القيام قبل الركوع
للمصلي الخيار في وضع اليدين حال القيام قبل الركوع، إن شاء وضعه فوق الصدر أو فوق السرة، أو تحتها لعدم ثبوت الخبر في تعيين موضع اليدين، وإنما ثبتت السنة في مطلق وضع اليد اليمنى على اليسرى فحسب.
قال ابن المنذر:” وقال قائل: ليس في المكان الذي يضع عليه اليدين خبر يثبت عن النبي ﷺ، فإن شاء وضعهما تحت السرة، وإن شاء فوقها”[14]
ولكن لا يبرر هذا الخيار وضع اليدين في الجنب الأيسر بدعوى أنه جانب القلب، ولا قائل بجواز ذلك أحد من أهل العلم.
رابعا: هيئة اليدين في حال الركوع
يضع المصلي يديه على الركبتين ويمكنهما أثناء الركوع مجافيا عن جنبيه مع تفريج الأصابع على الركبة، لقول عقبة بن عمرو رضي الله عنه:” ألا أريكم صلاة رسول الله ﷺ؟ ” فقام فكبر، ثم ركع، فجافى يديه، ووضع يديه على ركبتيه، وفرج بين أصابعه من وراء ركبتيه، حتى استقر كل شيء منه”[15] .
خامسا: هيئة اليدين بعد الركوع
وأمـا حال اليدين بعـد الرفـع مـن الركـوع ففيـه خـلاف سـائغ، والـصحيح الإرسـال، لعـدم ورود الـدليل الواضـح في خـصوص هـذا الموضـع، فيبقـى علـى الأصـل الـذى هو عدم القبض، وتقرر أن مجال القياس في مسائل العبادات ضيق .
وكذا لم يرد دليل صـحيح مؤيـد لمطلق إرسال اليدين في الصلاة، وما نسب إلى الإمام مالك مـن الكراهـة ونحوها، فإنـه يحمـل علـى حالـة خاصـة وهـي الاتكـاء والاعتماد، وها هو في موطئـه قـد أفـصح عـن مذهبه في المسألة صراحة كالـصبح الأبلـج، إذ يقـول رحمـه االله:” بـاب وضـع اليـدين إحـداهما علـى الأخـرى في الـصلاة” ثم روى عن أبي حـازم بـن دينـار عـن سـهل بـن سـعد أنـه قـال: كـان النـاس يـؤمرون أن يـضع الرجـل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. قال أبو حازم: لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك[16] “.
وتبين أن وضـع اليـدين إحـداهما علـى الأخـرى في الـصلاة هـو اختيـار الإمـام مالـك رحمـه االله، وظاهر من تبويـبه في الموطـأ
سادسا: صفة رفع اليدين في القنوت
الصفة الواردة عن ابن مسعود رضي الله عنه في رفع اليدين عند دعاء القنوت، هو أن يرفع المصلي يديه حتى يحاذي بهما صدره.
سابعا: حال اليدين عند الخرور إلى السجود وعند القيام منه
الصحيح من أقوال أهل العلم هو تقديم اليدين قبل الركبتين عند الخرور إلى السجود وكذا عند القيام من السجود، لقول رسول الله ﷺ: «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه»[17]
يقول شيخ الإسلام :” إن شاء المصلي يضع ركبتيه قبل يديه، وإن شاء وضع يديه ثم ركبتيه وصلاته صحيحة في الحالتين باتفاق العلماء ولكن تنازعوا في الأفضل” .[18]
ثامنا: وضع اليدين في حال السجود
يكون محل اليدين في السجود حذو المنكبين أو حذو الأذنين مع ضم الأصابع نحو القبلة وتنحى اليدين عن الجنبين، لحديث أبى حميد الساعدي في صفة صلاة النبي ﷺ” ثم سجد فأمكن أنفه وجبهته ونحى يديه عن جنبيه ووضع كفيه حذو منكبيه”[19] ولحديث وائل بن حجر في صفة صلاة النبي ﷺ:”ثم سجد ووضع وجهه بين كفيه”[20] ولقوله عليه الصلاة والسلام:” إذا سجدت فضع كفيك، وارفع مرفقيك”[21]
تاسعا: هيئة وضع اليدين حال الجلوس للتشهد
لوضع اليدين في حال الجلوس صورتان:
الصورة الأولى: عند جلوس للتشهد، وفيه أربع حالات:5>
- يكون اليدان فيه على الركبتين مبسوطتين، مع رفع إصبع السبابة اليمنى وقبض بقية الأصابع.
- جعل اليد اليمنى على الركبة اليمنى وقبضها، والإشارة بالإصبع السبابة، وبسط اليد اليسرى على الركبة اليسرى.
- جعل اليد اليمنى مقبوضة على الفخذ الأيمن مع الإشارة بالإصبع السبابة، وبسط اليد اليسرى على الفخذ اليسرى
- جعل اليد اليمنى مقبوضة على الفخذ الأيمن والإشارة بالإصبع السبابة، وبسط اليد اليسرى على الركبة اليسرى.
وكل هذه الأحوال جائزة، والأدلة فيها صحيحة، وحال السبابة فيها إما رافعة متحركة أو رافعة بلا تحرك.
الصورة الثانية: عند جلوس بين السجدتين أو عند جلسة الاستراحة5>
يكون اليدان في هذه الصورة مبسوطتين على الركبتين أو الفخذين
أحوال ممنوعة دخولها في هيئة اليدين أثناء الصلاة
هناك أفعال يجب اجتناب يدى المصلى فعلها في الصلاة، وأشهرها ما يلي:
- تشبيك اليدين عند المشي إلى الصلاة وفيها
- العبث باليدين حال الصلاة
- جعل المصلي يده على خاصرته
- وضع المرفقين مع الكفّين على الأرض حال السجود
- رفع الأيدي كأذناب خيل شمس، أي تحريك اليدين والإشارة بهما ورفعهما يمينًا وشمالًا حال السلام.
وقد ثبتت الأدلة الناهية عن هذه الأفعال حال الصلاة، فينبغى للمصلي مجانبتها لأنها مخلة للخشوع، وإن كانت لا تبطل الصلاة.
[1] شرح المهذب 3/399
[2] رواه البخاري (735)
[3] المصدر السابق (739)
[4] طبقات الحنابلة لأبي يعلى 1 / 235.
[5] رواه أبو داود (753) وصححه الألباني
[6] رواه البخاري (735)
[7] رواه مسلم (391)
[8] المصدر السابق (391)
[9] رواه أبو داود (728) وصحه الألباني
[10] ينظر: فتح الباري 2/213 وعمدة القاري 3/9
[11] ينظر: قرة العين برفع اليدين في الصلاة. ص:32،35،45،،54
[12] الخلافيات بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه (1681)
[13] البدر المنير 3/474
[14] الأوسط 3/ 94
[15] رواه أحمد (17081)
[16] رواه مالك في الموطأ (546)
[17] رواه أبو داود (840) وصححه الألباني
[18] مجموع الفتاوى 22/449
[19] رواه أبو داود (724) صححه الألباني
[20] المصدر السابق (723) وصححه الألباني
[21] رواه مسلم (234)