خصصت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر الجلسة الثالثة من برنامجها الرمضاني الحواري “وآمنهم من خوف” لقضية تجديد الخطاب الديني في محاولة لاستقراء واقع هذا الخطاب والوقوف على طبيعة الدعوات المطالبة بالتجديد وبحث دواعيه وضوابطه.
واستضافت الجلسة الحوارية كلا من الشيخ الدكتور ثقيل الشمري نائب رئيس محكمة التمييز والشيخ الدكتور عبد الكريم بكار الداعية والمفكر الإسلامي وأحد المؤلفين البارزين في مجالات التربية والفكر الإسلامي.
ومن خلال هذا البرنامج الرمضاني الحواري “وآمنهم من خوف “، ناقشت الجلسة الدعوات المطالبة بتجديد الفكر الإسلامي حيث وقفت على نمطين من الدعوات الأول يدعو إلى التجديد المطلق والنظر الى النصوص الإلهية بالنظرة ذاتها الى النصوص البشرية واستعارة منطق النظر الغربي في تحجيم الدين في الحياة العامة، فيما ينادي النمط الثاني بتجديد الخطاب الديني وفق الحديث الشريف ” إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”.
وأكد المتحدثان خلال الجلسة الحوارية أن تجديد الخطاب الديني ضرورة ملحة في كل عصر واعتبروه جزءا أساسيا من عملية إصلاحية متواصلة تنفي عن الدين كل الشوائب والأفكار التي تشوه جوهره وتسيء إلى منابعه الأصيلة.
وفي تأصيلهما لمفهوم التجديد رأى الدكتور عبدالكريم بكار أن التجديد في الخطاب الإسلامي ينصب على المتغير وليس على الثابت..وقال “الإسلام فيه الثوابت القطعية التي لا يجوز قطعا الخروج عنها أو التجديد في محتواها وفيه متغيرات”.
وغير بعيد عن هذا المفهوم رأى الشيخ الدكتور ثقيل الشمري أن الخطاب الديني يتعلق بأمرين الأول له علاقة بالثوابت والقطعيات كالعقيدة والشريعة وضرورة طرحها بالطريقة التي طرحها النبي ﷺ وصحابته الكرام فيما يتصل الثاني بالخطاب المتعلق بإيصال الفكرة إيصالا صحيحا سليما سواء كانت عقيدة أو شريعة أو أخلاق أو أفكارا اجتماعية ونحوها .
ونبه إلى أن فكرة التجديد التي وردت في الحديث الشريف ” إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ” تعني إعادة الناس إلى الأصل كتاب الله وسنة نبيه ﷺ وتخليص الدين مما قد يلحق به من أفكار وشوائب وبدع تشوه صفاء ونقاء هذا الدين.
ولفت الدكتور عبد الكريم بكار إلى أن التطوير في الفكر الإسلامي يقوم به العارفون والراسخون في علم قواعد الشريعة وأصولها، مؤكدا أن الخطاب المؤثر هو الخطاب المنضبط المتجدد المستوعب للعصر وحضارته .
وشدد على أهمية تجديد الخطاب الإسلامي في ظل الفضاءات المفتوحة والمزدحمة بالخطابات والأفكار والرموز، مبينا أن فكرة وضع ضوابط للخطاب في ظل الفضاءات المفتوحة غير مجد .
وأضاف ” في ظل هذه الفضاءات المفتوحة لن تطغى وتبقى وتؤثر سوى الخطابات الواضحة المعاصرة”.
بدوره، قال فضيلة الشيخ ثقيل الشمري إن العلماء والدعاة والوزارات والجهات المعنية بالشؤون الإسلامية هي المسؤولة عن ” الخطاب الإسلامي الراشد والمستنير وانتاجه ونشره ” كونها الأكثر قدرة ومعرفة بواقع الناس وأحوالهم .ودعا إلى إعطاء هذه المؤسسات والجهات الثقة فيما تنتجه وعدم التشكيك في رسالتها بدعوى خضوعها لهذه الجهة أو تلك ..كما نبه في الوقت ذاته إلى ضرورة ان تكون هذه الجهات متحررة من الضغوط أيا كان نوعها وأن تنحاز للحق فقط.
ووصف الدكتور الشمري خطاب الغلو والتكفير بأنه بلاء وفساد كبير وحذر من مخاطره وتداعياته قائلا “خطاب الغلو والتكفير والتفجير بلاء ابتليت به الأمة للأسف ويغذيه أناس وجهات وإعلام فاسد”.
ودعى إلى محاصرة هذا الفكر المنحرف ومواجهته بالخطاب الراشد المستنير عبر مختلف الوسائل.
من جهته، أرجع الدكتور بكار “الفكر المنحرف” إلى ضعف الدعم المعنوي والمادي للفكر المعتدل والوسطي سواء من قبل الحكومات او الجهات او المحسنين إلى جانب استشراء الفساد والاستبداد في أجهزة الحكم وعدم استجابة الحكومات لدعوات الإصلاح والتغيير وإتاحة الحريات والمشاركة الشعبية في صناعة القرار.
ولفت إلى أن القضاء على الفكر المنحرف والمتطرف لن يكون إلا بدعم الخطاب الديني المعتدل بالتوازي مع عملية إصلاح شاملة سياسية واقتصادية وتنموية مواجهة كل أشكال الفساد، مؤكدا أنه بدون تلازم هذين الأمرين فلن يكتب النجاح للخطاب المعتدل .
ودعا إلى بث الأمل في نفوس الناس وفتح أبواب الابداع والابتكار والتقدم، محذرا من الخطاب التشاؤمي التوبيخي الذي يفسد ولا يصلح، كما دعا إلى الانفتاح على الواقع وفهمه فهما سليما دون رتوش بهدف تطويره نحو الأفضل من خلال خطاب يراعي هذا الواقع ويستفيد من وسائله وأدواته.
وفي إطاربرنامج “وآمنهم من خوف” فيما يتعلق بتوظيف الإعجاز العلمي لتجديد الخطاب الديني أوضح الدكتور بكار أن هذا العلم وسيلة جديدة في الخطاب الديني لكنه حذر من اقحام آيات القرآن في مسائل علمية قد تكون بعضها غير دقيقة .
وقال ” ينبغي أن يكتب في هذا العلم أهل الاختصاص كل في مجاله ولا يترك لغير المتخصصين”.
يشار إلى أن البرنامج الرمضاني “وآمنهم من خوف” تنظمه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر خلال شهر رمضان ويستضيف نخبة من العلماء والمفكرين والدعاة لمناقشة أهم القضايا المطروحة على الأمة الإسلامية في الوقت الراهن.