قال تعالى: { ولَنبلونكم بشيءٍ مِنَ الخوفِ والجوعِ، ونقصٍ مِنَ الأَموالِ والأَنفسِ والثمراتِ، وبشّرِ الصابرينَ الذينَ إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا: إنّا للهِ وإنّا إليهِ راجعونَ} (البقرة: 155- 156 )

ولَنبلونكم: الضمير يعود على أمة محمد .

البلاء: الامتحان، الاختبار

قال القاسمي 325/1: «إنما أخبر بالبلاء قبل الوقوع، ليوطّنوا عليه نفوسهم، ويزداد يقينهم عند مشاهدتهم له، حسبما أخبر به، وليعلموا أنه شيء يسير، وأن عاقبته حميدة، إذا صبروا».

قال في المنار 34/2: « لما في الفتن من التمحيص الذي يتميز به المؤمن الصادق من المسلم المنافق، فهي تُظهر الثابت على الحق المطمئن به، وتَفضح المنافق المرائي فيه، بما تُظهر من زلزاله واضطرابه فيما لديه، وانقلابه ناكصًا على عقبيه».

قوله تعالى: (بشي):

قال القاسمي: « إنما قال: ﴿ بشيء﴾ ليؤذن أن كل بلاء يصيب الإنسان، وإن شعر أنه كبير، إلا أنه يعدّ صغيرًا بالنسبة لما هو فوقه».

نقص:

معطوف على: (شيء). والتقدير: “بشيء من الخوف، وبنقص من الأموال”. – أو: معطوف على: ﴿الخوف﴾، والتقدير: “بشيء من الخوف ومن نقص الأموال.

قال في الدر المصون 185/2: « والأول أولى».

 وقال البقاعي في نظم الدرر 255/2: «ولمّا كان ﴿الجوع﴾ قد يكون عن رياضة، بيَّن أنه عن حاجة بقوله: ﴿ ونقص﴾، وهو التقاصر عن الكفاف. ولمّا كان قد يكون عن إفراط في الكثرة، قال: ﴿ والأنفس﴾». الأموال والأنفس والثمرات: لماذا قدّم الأنفس على الثمرات؟ الثمرات: هي ثمرات الأموال والأنفس. ثمرات الأنفس: الأولاد. قال أبو حيان: « الثمرات تندرج تحت الأموال»!

لو كان الأمر كما قال لكان حقها التقديم على الأنفس: الأموال والثمرات والأنفس.

المراد بالخوف والجوع

وقال ابن عاشور 54/2: « المراد بالخوف والجوع … ما أصاب المسلمين من القلّة، وتألّب المشركين عليهم بعد الهجرة، كما وقع في يوم الأحزاب، إذْ جاءوهم من فوقهم، ومن أسفل منهم، ﴿وإذ زاغتِ الأبصارُ، وبلغتِ القلوبُ الحناجرَ﴾ سورة الأحزاب 10.

وأما الجوع فقد أصابهم من قلة الأزواد في بعض الغزوات، وأما نقص الأموال فهو ما نشأ عن قلة العناية بنخيلهم بسبب خروجهم إلى الغزو، وأما نقص الأنفس فقد كان بسبب قلة الولادة، لبعدهم عن نسائهم … ولاستشهادهم في سبيل الله».

قال بعض العلماء: «المراد في هذه الآية: مؤن الجهاد وكلفه» (تفسير الطبري 40/2، والرازي 149/4، وأبي حيان 55/2).

الأموال والأنفس والثمرات

قال ابن عباس: نقص الثمرات: قلة النبات وانقطاع البركات.

وقال آخرون: الجوائح في الثمار.

ولم يقل:

  • الأموال والثمرات والأنفس.
  • أو الثمرات والأموال والأنفس.

فقد يقال: (الثمرات) أقرب إلى (الأموال)، فلماذا جاء ذكرها بعد (الأنفس) ولم يجئ بعد (الأموال)؟ عن هذا إجابتان عند العلماء:

الإجابة الأولى: قال الشافعي: نقص الثمرات: موت الأولاد. فولد الرجل: ثمرة قلبه.

الإجابة الثانية: قال أبو حيان: (الثمرات): تخصيص بعد تعميم، لأنها تندرج تحت (الأموال). أقول: (الثمرات): قد يقصد بها ثمرات الأموال والأنفس معًا.

والتفسير الإجمالي للآية الكريمة:

أقسم الله تعالى فقال: والله لنصيبنكم أيها المؤمنون بشيء قليل من خوف العدو في القتال، والجوع بالجدب والقحط، ونقص الأموال بضياعها، والأنفس بموتها بسبب الاشتغال بقتال الكفار وغيره، والثمرات بقلتها، وقال الشافعي: بموت الأولاد، وولد الرجل: ثمرة قلبه، كما جاء في الخبر، وذلك لتهدأ قلوب المؤمنين، وتطمئن لما قد يفاجئهم به المستقبل من أحداث، وليرضوا بقضاء الله وقدره، إذا تعرضوا لمصيبة..  وبشر الصابرين الذين يؤمنون بالقضاء والقدر

ولا تتحقق البشار:

إلا بالصبر عند الصدمة الأولى، وهم يحتسبون الأجر عند الله قائلين: {إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ} وتلك بشارة بحسن العاقبة في أمورهم، فيوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، ولهم من ربهم مغفرة لسيئاتهم، ورحمة خاصة بهم يجدون أثرها في برد القلوب وسكينة النفس عند نزول المصيبة.