سلط الله على بني إسرائيل عدواً قوياً – الفلسطينيين – استعمر أرضهم ونهب ثرواتهم وعاث فساداً في ممتلكاتهم ، وذلك بسبب بعدهم عن منهج الله وانحرافهم عن شريعة موسى عليه السلام  – وهذه سنة الله في عباده كلما حادوا عن هدي أنبيائهم – .

لكنهم أرادوا عيش العزة والكرامة والحرية ، وأبوا حياة الذلة والمهانة والخنوع للمستبد الظالم ، ولا حل إلا القتال والقوة – هذا المنطق السائد – ، فبادر أعيانهم ورؤساؤهم بالذهاب لنبي زمانهم طالبين قائداً فذاً يصلح لمعركة التحرير يقاتلون تحت لوائه :

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}  ( البقرة:246)

جاء أمر الله بتعيين طالوت ملكاً عليهم وهو ذو موهبة وحنكة ودراية بالقتال ..، لكن فساد مقاييس القوم وجهلهم بقوانين النصر وسنن الله في الاجتماع .. دفعهم للاعتراض – كعادتهم –

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ }  . إنها اللجاجة المعهودة عنهم ، والجدال الأجوف الذي هو ديدنهم ..مع العلم أن الأمر من الله !! .

إن سنة المدافعة بين الحق والباطل التي ختمت بها القصة، تقتضي أن يبرز ذوو الخبرة والملكة والموهبة المتخصصين المبرزين من أهل الحق لقيادة الأمم والشعوب في مواجهة الباطل

فهم يرون – الملأ أي الرؤساء – أنهم الأحق بذلك ظانين أن الملك بالوراثة والنسب أو بكثرة المال – كما هو حال الأمم عندما تفسد ويصيبها الغبش والانحراف تتوارث الملك كابراً عن كابر – ، لكن الله الحكيم سبحانه وتعالى لم يكتف بذكر الاصطفاء  لطالوت من بين بقية الرجال  ، إلا أنه علل أمر اختياره لهذه المهمة بصفتين بارزتين هما الفصل في الموضوع: { قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}  ( البقرة:247 )

– البسطة في العلم : وتعني المعرفة الدقيقة بأمور القتال و أسباب القوة وإدارة الحرب والرأي السديد في التدبير العسكري الناجح اللازم للتحرير والنصر .

– البسطة في الجسم : وتعني الشجاعة والإقدام والبأس ورباطة الجأش والصلابة في المعارك والقدرة على التحمل والثبات .

tallot2

فالقيادة ليست تشريفاً وتسلطاً على رقاب الشعوب واستضعافها ونهبها ، كما إنها ليست بقوة إلهية كهنوتية يفرضها نص مقدس يستعبد بها الناس ، وإنما القيادة تكليف ومسؤولية عظيمة وفق مواصفات وركائز وسنن و قوانين وضوابط يحكمها نظام لا يتخلف ولا يتبدل في الأمم والشعوب.

وهذا ما جعل القائد الفذ طالوت يحسن إدارة المعركة ، ويهزم عدوه هزيمة نكراء ، ويقود شعبه نحو التحرير { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } ( البقرة : 251 )

إن سنة المدافعة بين الحق والباطل التي ختمت بها القصة، تقتضي أن يبرز ذوو الخبرة والملكة والموهبة المتخصصين المبرزين من أهل الحق لقيادة الأمم والشعوب في مواجهة الباطل ، حتى يستطيعوا مدافعته ومناجزته وأهله ،وإلا فسدت الأرض بسيطرة الباطل وغلبته حتى يكون لهم السلطان والصولة والجولة .