نتاج جديد لفضيلة العلامة الشيخ إبراهيم النعمة العراقي الأصل الموصلي الهوى يتناول سيرة الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، يضاف الى سلسلة إنتاجاته العلمية والفكرية التي جاوزت الثمانين مؤلفاً بين كتيب صغير وكتاب كبير.

 

الكتاب يصنف ضمن خانة (التراجم) المناطقية التي أحصت وعدت من دفن من الصحابة في أرض العراق، وهو بهذا يشكل إضافة جديدة للمكتبة العربية والإسلامية، ناهيك عن تصنيف العمل ابداعيا في خانة من لم يتطرق له أحد فيما سبق.

 

الكتاب يقع في 309 صفحات من القطع الكبير تناول ترجمة 164 صحابيا دفنوا في ارض العراق، وتنوعت زاوية تناول كل واحد منهم حسب منزلته من جهة، ومواقفه من جهة أخرى، فوق ترجماته المتوافرة في أمهات الكتب، بدءً من سيرة أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب، مرورا بالحسين، انتهاء بعمرو بن عبد الله رضي الله عنهم جميعاً.

 

اهتمام المؤلف بالصحابة لأنهم خير القرون بنص المصطفى ، ومن هنا كانت ضرورة تدريس الأجيال هذه السيرة العطرة لأنها تمثل تاريخ البلد وهويته.

 

أمثلة كثيرة حفل بها الكتاب يفتخر بها أتباعها مثل: عمار بن ياسر، وسليمان بن صرد رضي الله عنهما، استشهدا في المعارك وقد تجاوزا التسعين من العمر.

 

كما أن الكتاب يبين الفضل بعد الله عز وجل للصحابة في فتح العراق.

 

الترجمة الذاتية والحركية للصحابي تتباين من واحد لآخر حسب المتوفر والمتاح مما أثبته أهل السير فيما دبجوه عن هذا الصحابي أو ذاك.

 

(سيرة صحابة دفنوا في أرض العراق) هكذا عنون الشيخ النعمة لمؤلفه الذي يأتي بعد سلسلة ممتدة من مدونات كانت تركز على جانب سيرة الصحابة الكرام بدءً من: صحابة رسول الله، صور من صحابة رسول الله في القرآن والسنة، شعراء الرسول، في صحبة الخلفاء الراشدين، ستة مبشرون بالجنة، ما ينبغي أن يعرفه المسلم عن الصحابة، من أعلام الصحابة، من روائع القصص في تضحيات الصحابة، وأغلبها من منشورات دار الفرقان في المملكة الأردنية الهاشمية، ثم جاء الكتاب الأخير الذي نحن بصدد الحديث عنه وهو:(سيرة صحابة دفنوا في أرض العراق).

 

الكتاب جاء في وقت نحن بأمس الحاجة إليه في حين يتهافت شبابنا على الاقتداء بشخصيات غربية لم تقدم شيئاً للأمة، ويهرعون لمعرفة تفصيلات سيرتهم التي قد تكون مليئة بالخراب واليباب، ويتركون النبع الصافي، والشخصيات التي قدمت للإنسانية خدمة عجزت المدنية الحديثة أن تأتي بمثل ما أتى به أولئك.

 

إن الناظر في واقعنا المعاصر ليتعجب أشد العجب وهو يقلب في المكتبة العربية ليقرأ عن شخصيات ما قدمت للإنسانية شيئاً وحسبها أنها من الغرب وكفى بالغرب شهرة، ويترك سيرة أصحاب أعظم شخصية في التاريخ حسب شهادة الغربيين أنفسهم رسول الله .

 

الكتاب أيضاً حاول الإجابة على سؤال: حركية الصحابة الكرام وتركهم أطهر البقاع مكة والمدينة، والمضي قدماً في تبليغ شريعة الله، ونشر سماحة الإسلام.

 

يقول في المقدمة(من حجّ مع رسول اللهr حجة الوداع، فكان عددهم ما يقرب من أربعة عشر ألفاً ومائة ألف (114000) كما قدّر ذلك بعض الصحابة ممن حجّ مع النبيr، ولكن لننظر كم من هؤلاء دُفن بالمدينة المنورة مركز الخلافة الإسلامية؟

 

وقد يعجب بعض من الناس إذا علم أنّه لم يُدفن فيها سوى ما يقرب من عشرة آلاف منهم فقط (10000).!! أين ذهب الباقون؟ وأين دُفنوا؟ لقد فهموا معنى الدعوة إلى الله كيف يكون، فانطلقوا في الآفاق يبشرون بهذا الدين، ويجاهدون في سبيل الله، فماتوا في شتى البقاع…).

 

لقد حاول الشيخ النعمة في مؤلفه أن يقوم بترجمة مختصرة لحياة الصحابة الذين دُفنوا في أرض العراق، ثم ذكر في نهاية كل ترجمة عدد الأحاديث التي رواها كل صحابي عن رسول اللهr، أو سمعها ممن سمعها من النبي الكريم ـ إنْ كانت له رواية أو روايات ـ  وقام بالشرح والتعليق على قسم من تلك الأحاديث، فوق تخريجه الأحاديث من صحيحي البخاري ومسلم ومشاهير كتب الرواية.

 

أما الصحابة الذين لم يكتب عنهم المؤرخون غير سطرين أو ثلاثة، فاكتفى بما ذكروه عنهم، ثم ذكر ضابطا مهماً في منهجه وهو أنه لم يكن كل واحد من الصحابة الذين دُفنوا في أرض العراق قد استشهد في المعارك، فمنهم من جاهد وأكرمه الله بالشهادة، ومنهم من جاهد ومات على فراشه، فله أجر الشهداء.

 

وقد التزم في بعض الأحيان عبارات كُتّاب السير، وتصرف في قسم منها بعض التصرّف بما يخدم النصّ، وثمة ممن ترجم لهم قد اُختلف في صحبتهم، وقد بيّن ذلك في الكتاب.

 

وقد ختم كتابه بفهرس ألفبائي للصحابة الذين تناولهم في الكتاب تسهيلاً للقارئ فيما إذا أراد الرجوع إلى هذا الصحابي أو ذاك.

 

ومن العبارات التي استوقفتني في ختام المقدمة قوله: (والله أسأل أن يجعل عملي هذا وغيره من الأعمال خالصاً لوجهه الكريم، وألا يعذبني بنار الجحيم، فقد كُنت أذبُّ عن حديث رسول اللهr، وأنتصر لصحابته من كيد الكائدين، وافتراء المفترين..).

 

الكتاب إضافة جديدة، وأسلوبه يأخذك في عالم آخر لتعيش لحظات من الصفاء والصحبة مع صحابة رسول الله ، وينقلك حيث كانوا، وكأنك بينهم، رضي الله عنهم جميعاً، ووفق العلامة الشيخ إبراهيم النعمة للمزيد من العطاء الفكري.