لقد جعل الله تعالى نبيه محمداً – صلى الله عليه وسلم– أسوة حسنة لنا، فأدبه  وأحسن تأديبه، حتى كان من العظمة والقدوة بالمحل الأعلى، فهو المعلِّم الصبور الشفيق،والزوج الرفيق، والأب الحنون، والمربي الناصح الأمين، الذي يتسع صدره للجميع، ويحرص على تعليم كل شخص من رعيته بالليل والنهار، لا يصده في ذلك ملل، ولا يوقفه إرهاق، ولا يصرفه كثرة الأخطاء أو تكررها، ولا يَثنيه طول السنين عن مواصلة المسير.

وإن الواجبَ على كل مسلمٍ ومسلمة، أن يتأسَّى برسول الله- صلى الله عليه وسلم- في كل جوانبِ حياتهم، فإن ذلك هو الطريق الوحيد لنيل الأمن والسعادة في الدنيا، والفوز والنعيم في الآخرة.

ومن أعظم ما نتأسى به برسول الله – صلى الله عليه وسلم – هو علاقته بأصحابه – رضى الله عنهم-، فعلاقته بهم ترتكز على المحبة والمودة وحسن التآلف وجميل العشرة ، فقد كان في مجلسه يعطى لكل جليس نصيبه حتى يظن كل رجل في المجلس أنه أحب الخلق عنده .

مواقف من معاملات النبى – صلى الله عليه وسلم – مع أصحابه:

1- مزاحه مع أصحابه:
لا شك أن من مكارم الأخلاق إدخال السرور على المسلم ، ومن ثم فقد كان مزاحه – صلى الله عليه وسلم – تأليفا ومداعبة ، وتفاعلا مع أهله وأصحابه ، وإدخالا للسرور عليهم ، وكان مشتملاً على كل المعاني الجميلة ، والمقاصد النبيلة ، فصار من شمائله الحسنة ، وصفاته الطيبة – صلى الله عليه وسلم -، فلم يمنعه صلى الله عليه وسلم مقام النبوة والرسالة أن يكون منبسطا مع أصحابه، يمزح معهم، ويضاحكهم ويمازحهم، ومن المواقف الدالة على ذلك:

–   قدم صهيب على النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين يديه تمر وخبز قال: أدن فكل، فأخذ يأكل من التمر، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن بعينك رمداً)، فقال: يا رسول الله: إنما آكل من الناحية الأخرى. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم (مسند أحمد 371/33).

كان مزاحه صلى الله عليه وسلم تأليفا ومداعبة وتفاعلا مع أهله وأصحابه وإدخالا للسرور عليهم وكان مشتملاً على كل المعاني الجميلة والمقاصد النبيلة

–   وعن أنس أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهراً كان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية فيجهزه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يخرج فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن زاهر باديتنا ونحن حاضر وهو كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحبه وكان رجلاً دميماً فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره فقال الرجل: أرسلني. من هذا؟ فالتفت فعرف النبي – صلى الله عليه وسلم – فجعل لا يألوا ما ألصق ظهره بصدر النبي -صلى الله عليه وسلم- حين عرفه، وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من يشتري العبد؟) فقال: يا رسول الله إذاً والله تجدني كاسداً، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (لكن عند الله لست بكاسدأو قال: )لكن عند الله أنت غالٍ(.(مسند أحمد 233/25).

فمزاحه – صلى الله عليه وسلم – معهم لم يكن إلا حقاً، وكان سببا رئيسيا فى التلاحم والقرب من الصحابه ، فهو –صلى الله عليه وسلم- يكسب قلوبهم بأبسط المواقف.

2- مشاركته لأصحابه فى البلاء والشدة والفرح:
كان –صلى الله عليه وسلم- يشارك أصحابه فى افراحهم وأحزانهم فيبدلها فرحاً، ويواسيهم، فيشعرون أنهم ليسوا واحدهم في محنتهم، حتى يخفف عنهم ما هم فيه من البلاء، ومن صور ذلك:

– كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهَلَكَ فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ فَحَزِنَ عَلَيْهِ فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَالِي لَا أَرَى فُلَانًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ هَلَكَ فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ يَا فُلَانُ أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّإِلَيْكَ أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ قَالَ فَذَاكَ لَكَ.(سنن النسائى 231/7).

3- قيامه صلى الله عليه وسلم بحماية أصحابه:
لم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم – من أولئك الرؤساء الذين يحتمون بجندهم وحاشيتهم، بل كان أشجعهم، يتقدمهم وقت الخوف والفزغ، فيحتمون به لا أن يحتمي هو بهم.

ومن أدلة ذلك عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَأَجْوَدِ النَّاسِ وَأَشْجَعِ النَّاسِ قَالَ وَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً سَمِعُوا صَوْتًا قَالَ فَتَلَقَّاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ فَقَالَ لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا .(سنن الترمذى 266/6).

فهنا نرى كيف سبقهم – صلى الله عليه وسلم- إلى مصدر الصوت حتى يطمئن أصحابه ، ويهدئ من روعهم.

4- استشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يُكثِر مِن مُشاورة أصحابه في قضايا الحروب والسِّلْم؛رغم أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يحتاج لرأيهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان مؤيدا بالوحي من عند الله تعالى، لكنه كان يستشير أصحابه؛ ليعلمهم الشورى في حياتهم، حتَّى قال أبو هريرة – رضي الله عنه -: “ما رأيت أحدًا أكثر مُشاورةً لأصحابه مِن رسول الله – صلى الله عليه وسلم-. (صحيح ابن حبان 217/11).

5- رفضه صلى الله عليه وسلم استهزاء أحد الصحابة بالآخر:
ومن حسن صحبته -صلى الله عليه وسلم – بأصحابه، أنه كان يعلم أصحابه أن يحترم بعضهم بعضا، وأن من الصحبة أن لا يستهزئ أحد بصاحبه، بل يحبه ويقدره ويحترمه، ويظهر ذلك أمام الجميع، حبا لصاحبه.

لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم من أولئك الرؤساء الذين يحتمون بجندهم وحاشيتهم بل كان أشجعهم يتقدمهم وقت الخوف والفزغ فيحتمون به لا أن يحتمي هو بهم

فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنْ الْأَرَاكِ وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ فَجَعَلَتْ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّ تَضْحَكُونَ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ. (مسند أحمد 327/8).

فهنا نرى كيف أنكر-صلى الله عليه وسلم- هذا الموقف من الصحابة ، وبين لهم انه ربما الذى يتهزئون به عند الله أفضل منهم.

هذه بعض صور الصحبة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف كان يتعامل مع أصحابه، عسانا أن نقتدي بها في صحبتنا مع الآخرين.