في ظل الوتيرة المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم, يبرز مفهوم العولمة وما لها من تأثير على حياة البشر والتي تجلت في إعادة صياغة كل الاصعدة و الافاق المتعددة لهذه الحياة.

وقد شملت هذه العولمة أبعادا اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، كما تعددت أشكالها فمنها العولمة الاقتصادية، والعولمة السياسية وعولمة اللغة وعولمة التعليم والعولمة الثقافية والعولمة الاعلام العولمة العقدية أو الدينية والعولمة العسكرية، والعولمة الفكرية، والعولمة الإدارية والعولمة التقنية.

ولعل الجانب اكثر تأثرا بهذه العولمة هو الجانب الاقتصاد ومن هذا تطرح بعض أسئلة : ماهي أهداف هذه العولمة؟ و ما الادوات التي ارتكزت عليها في انتشارها ؟

من الجلي أن من الاهداف التي تبرز في الواجهة تلك الاهداف البراقة والجذابة مما جعل بعض مفكري الدول النامية يؤيدها ويتحمس لها.

ومن هذه الاهداف المعلنة: زيادة انتاج النمو الاقتصادي على المستويين العالمي والمحلي، وزيادة حجم التجارة العالمية الذي يجلب انتعاشا اقتصاديا وبالتالي زيادة في رأس المال وذلك بالاستعمال الأفضل للعمال ذوي الإنتاج المرتفع.

من ركائز العولمة الاقتصادية تحرير المطلق للأسواق التي تفتح أبواب الطوفان لإغراق الدول بالسلع والخدمات الغربية المتطورة فيؤدي الى عجز خارجي دون مراعاة وضع الداخلي تلك المجتمعات النامية

ومن أكثر الاهداف الرنانة تلك التي تأتي تحت غطاء حل المشاكل الانسانية التي استعصت على الدول حلها كانتشار أسلحة الدمار الشامل وانتشار المخدرات و قضايا البيئة وانتقال اليد العاملة من دولة الى اخرى.

لكن الهدف الاول لهذه العولمة أو بالأحرى هذه السيطرة الاقتصادية هو تقريب الاتجاهات العالمية نحو تحرير أسواق التجارة ورأس المال و من الملاحظ أن هذا يصب في أهداف و أسس النظام الرأسمالي وهذا يعني عولمة الاقتصاديات و صبغها بالصبغة الرأسمالية.

فهذا الأهداف و الأسس تتفق مع اتفاقيات المنظمات الاقتصادية العالمية مثل البنك الدولي ، وصندوق النقد الدولي ، ومنظمة التجارة العالمية، فمن أساسيات صندوق النقد الدولي في التعامل، تسهيل التوسع والنمو المتوازن في التجارة الدولية و ذلك لإسهام في تحقيق مستويات مرتفعة من التشغيل والدخل الحقيقي و هذا طبعا مع الغاء القيود المفروضة على المعاملات المعرقلة لنمو التجارة العالمية.

تبدو هذه الأهداف أنها تحقق مصالح الدول النامية لكن خلف هذا الستار الواهي الذي تخفي تحته الوجه الحقيقي لهذه العولمة، ألا وهو هيمنة الدول الكبرى على اقتصاديات الدول النامية والتحكم في قراراتها السياسية لتحقيق مصالحها وذلك بتعميق الخلافات بين الحضارات و المجموعات البشرية .

ويأتي هذا بفرض سيطرة عسكرية, ثقافية, غربية على هذه الدول لنهب ثرواتها لمحو الهوية الثقافية، وربط الإنسان بالعالم لا بالدولة لأضعاف هيبة الدولة و لعل حقبة الاستعمار في القرن الماضي خير دليل على هذا.

هذه الاهداف المخفية التي تخدم مصالح أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبرى وليست لخدمة مصالح المواطن في الدول النامية، وحتى في داخل الدول المصدرة لهذه العولمة، حيث نجد أن هناك تعارض بين سياسات المنظمات الاقتصادية العالمية عند تطبيقها ،فرفع المستوى المعيشي يتعارض مع الخصخصة و ما يترتب عنها من بطالة.

أما النموذج الغربي المفروضة على هذه الدول والذي هو بعيدا كل البعد عنها سواءا كان ثقافيا وعقائديا أو اجتماعيا , فبهذا تصبغ المجتمع بنموذج غربي رأسمالي, لكن هذه المجتمعات لا تجد بدا سوى الرضوخ لسياسة هذه المنظمات بسبب الديون المتراكمة فتتحول أرباح الاستثمارات الاجنبية الى الخارج بدل الاستفادة منها داخليا .

ومن ركائز العولمة الاقتصادية تحرير المطلق للأسواق التي تفتح أبواب الطوفان لإغراق هذه الدول بالسلع والخدمات الغربية المتطورة، فيؤدي الى عجز خارجي دون مراعاة وضع الداخلي تلك المجتمعات النامية.

و لترسيخ هذه الاهداف كان لها أدوات ارتكزت عليها ويبرز في الصدارة المنظمات الاقتصادية الدولية و التي انشات بعد الحرب العالمية الثانية وابرزها صندوق النقد الدولي البنك الدولي و منظمة التجارة الدولية وهذه المنظمات التي تبرز سيطرة الدول الصناعية وتوجهها لتحقيق مصالحها وعلى رأسها عولمة الاقتصاد الدولي وفي الوقت نفسه إضعاف نفوذ الدول النامية في تلك المنظمات لتصبح عاجزة غير قادرة عن تمثيل نفسها تمثيلا جيدا.

ومن أدواتها أيضا فرض العقوبات الاقتصادية من طرف الدول الغربية الكبرى على الدول النامية، لتحقيق أهدافها في عولمة الاقتصاد العالمي بحجج واهية مثلا انتهاك حقوق الإنسان أو مكافحة الإرهاب أو الحيلولة دون انتشار الأسلحة النووية .

أهم الوسائل التي ساعدت في عولمة الاقتصاد وانتشارها وسائل الاعلام والتقدم المستمر لها، فنتيجة لحملات الإعلان المكثفة أصبح الناس يستهلكون ما لا يحتاجونه

ويأتي دور الشركات متعددة الجنسيات في عولمة النشاط الانتاجي بآليتين : التجارة الدولية والاستثمار الأجنبي المباشر وهذا بدعم من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي شجعت على الخصخصة في العالم وإتباع سياسة السوق الحرة، أدى إلى مشاركة الشركات الدول الكبرى في رأس مال الشركات في الدول الفقيرة ونقل المصانع من المراكز الرأسمالية الغربية إلى أسواق العالم النامي، حيث تكون الأيدي العاملة رخيصة مما يعود بالنفع على الشركات العالمية على المدى البعيد.

التداول لأدوات الاستثمار الاجنبي مثل الاسهم والسندات والعملات التي بواسطتها ينتقل رأس المال بين الدول بالبيع والشراء، وقد تخرج تلك الأموال فجأة نتيجة لفرض عقوبات لسبب عدم الالتزام بشروط العولمة الاقتصادية ومتطلباتها، مما قد يتسبب في أزمات اقتصادية كبيرة.

ولعل أهم الوسائل التي ساعدت في عولمة الاقتصاد وانتشارها وسائل الاعلام والتقدم المستمر لها، فنتيجة لحملات الإعلان المكثفة أصبح الناس يستهلكون ما لا يحتاجونه بل يطلب منهم الزيادة في الاستهلاك حتى تظل عجلة الصناعة الغربية في حركة مستمرة.

إن العولمة الاقتصادية بأدواتها المختلفة التي هي ليست مجرد أدوات فحسب بل هي المحرك والموجه لها وباتت تشكل خطرا كبيرا يهدد خصوصية المجتمعات المختلفة و كيانها فبهذا تسعى للإذابة الحدود وحسرها في دولة واحدة.