” إذا كانت العربية هي اللسان وما وراءه، فإن المخطوط هو فكر هذا اللسان وحياته العلمية والإبداعية والشعورية..”

بهذه العبارة التي تمثل خلاصة فكر المهتمين بالمخطوط العربي، بدأ الدكتور عبدالله محارب ، مدير عام المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم كلمته في افتتاح “يوم المخطوط العربي” والذي عقد بالقاهرة في موعده السنوي في الرابع من أبريل.

وأشار محارب إلى أن يوم المخطوط العربي قد اعتمدته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الألكسو” للاحتفال به في الرابع مِن ابريل مِن كل عام، وينظمه اليوم “معهد المخطوطات العربية” المنبثق عن الألكسو للعام الرابع علي التوالي، مؤكدا على أهمية العناية بالتراث العربي عامة والذي يمثل المخطوط موقع القلب منه باعتباره الذاكرة الحافظة والمسجلة لهذا التراث في مختلف العصور.

وقد طالب المشاركون في الاحتفالية بزيادة الاهتمام بالخط العربي باعتباره يمثل اللغة العربية المكتوبة التي تتعرض لمؤامرات كبري لتهميشها في بلدانها، في ظل الغزو الثقافي الذي تعاني منه مختلف الأقطار العربية بدرجات متفاوتة وحتى وصل الأمر إلي كتابة العربية بحروف أجنبية والعكس..

وحث البيان الختامي للاحتفالية مؤسسات التعليم في الوطن العربي على جعل الخط العربي جزء أساسيا في مناهج التربية التعليم، وتخصيص درجة أعلى له وتوفير مدرسين للخط العربي بدلا من تهميشه حاليا، مؤكدين علي أهمية رعاية الموهوبين فيه من مختلف الأعمار وتنظيم مسابقات كبري بينهم.

جدير بالذكر ان الاحتفالية قد شهدت حضورا نخبويا كثيفا لشخصيات سياسية وثقافية مثل الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء المصري الأسبق ، والدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة السابق ، والمفكر الإسلامي الدكتور محمد سليم العوا والسفير عبد الرؤف الريدي ، سفير مصر الأسبق بالولايات المتحدة والعديد من الشخصيات العامة والسفراء المعتمدين بسفارات الدول العربية والإسلامية والأجنبية.

التوعية التراثية

من جانبه أكد الدكتور فيصل الحفيان ، مدير معهد المخطوطات العربية ، أن هذا الاحتفال السنوي بـ” يوم المخطوط العربي” يهدف إلى التوعية بالتراثي العربي والتعريف بجهود الحضارة العربية ومنجزاتها وما خلفه الأسلاف من تراث عريق.

وأوضح أن احتفالية هذا العام تقام تحت عنوان ” قيم الثقافة وثقافة القيم” لنحقق نقلة نوعية في فحوى الاحتفال بالمخطوط، فليس المخطوط وليس التراث معلومة ومعرفة وعلما، وإنما هو أيضا قيمة وخلق وأدب وأمانة .

أمانة المحقق

تضمن الاحتفال تكريم المفكر والمحقق الأردني الدكتور بشار عواد معروف الفائز بلقب “شخصية العام التراثية” نظرا لرحلته الطويلة في تحقيق التراث لأكثر من خمسين عاما ، والذي القي محاضرة عن مواصفات المحقق وضرورة دراسته العليا في العلم الذي يتخصص في التحقيق فيه، مؤكدا على ضرورة اتصافه بالأمانة لأنه اقرب إلي القاضي الذي ينبغي أن يكون محيادا، من حيث لا يتدخل في النص بأي شكل من الأشكال، ناعيا على البعض قيامهم باستبدال جمل أو إبداء رأي أو تحسين ما جاء بالنص مما يفقده الحيادية المطلوبة؛ لأنه ليس بين المحقق والمخطوط إلا الله الرقيب عليه، أما إذا كانت لديه أية توضيحات أو ملاحظات فمكانها الحواشي وليس متن النص.

وطالب عواد مختلف الدول العربية بتوجيه رعاية أكبر للمخطوط العربي باعتباره الحامل الرئيسي لكنوز التراث العربي الذي يجب أن يتم تحقيقه وفق أسس علمية وليس حسب أهواء شخصية أو دوافع ذاتية، مع مراعاة التطورات التي مر بها المخطوط، حيث نجد العديد من الكتب التراثية الشهيرة مرت بمراحل حذف وتبديل وإضافة من جانب المؤلف في نهاية حياته، إلا أن المحقق يتجاهل ذلك ويقدم ما حققه دون الإشارة إلي ما أوصي به المؤلف أو ما قام به بالفعل من إضافة أو حذف أو تبديل وتغيير.!!

وشهدت الاحتفالية الاحتفاء بكتاب “العنوان: حقيقته وتحقيقه في الكتاب العربي المخطوط” للمفكر المغربي الدكتور عباس أرحيلة بوصفه من أبرز كتب العام التراثية، وقد منعته ظروفه الصحية من الحضور، وقد تم إسناد عرض الكتاب إلي الدكتور عبد الرحمن سالم ، الأستاذ بكلية درا العلوم – جامعة القاهرة.

شيخ الخطاطين

وفي الاحتفالية تم تكريم شيخ الخطاطين المعاصرين محمود إبراهيم سلامة الذي يبلغ من العمر 96 عاما وقد كتب المصحف كاملا سبع مرات بمختلف الخطوط العربية ، وسافر إلي العديد من الدول العربية ونقل خبرته إليها، بالإضافة إلي عمله بالعديد من الصحف المصرية حتى وصل إلي رئاسة قسم الخط العربي بجريدة الجمهورية.

وقد عرض شيخ الخطاطين مسيرته مع الخط العربي والتي بدأت من كتاب تحفيظ القرآن بقريته وكان عمره أربع سنوات حيث بدأت موهبته بمحاولة كتابة بعض آيات جزء “عم ” إلي أن وصل إلي العالمية من خلال معارضه التي احتل موقع القلب منها اهتمامه بكتابة القرآن الكريم والأحاديث النبوية.

وفي إطار التكريم كرمت الاحتفالية كذلك ” دار الغرب الإسلامي” وصاحبها الحبيب اللمسي من تونس باعتبارها من أهم  دور النشر المعنية بالكتاب التراثي.

معارض مصاحبة

وقال مدير المعهد د.فيصل الحفيان أن هناك ثلاثة معارض مصاحبة لنشاط الاحتفالية، أحدها لمخطوطات آداب العلم في التراث الإسلامي، وثانيها للوحات خطية (أصلية) لمحمود سلامة، وثالثها عبارة عن معرض مفتوح تشارك فيه المؤسسات والدور المعنية بنشر الكتاب التراثي، ويضم منشورات معهد المخطوطات العربية، ومؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي (لندن)، ودار المأمون للتراث (سوريا)، ودار السلام، وخزانة الأدب (مصر).

وأكد الحفيان، أن يوم المخطوط هذا العام وجد “تفاعلا واسعًا لدى معظم البلاد العربية وعدد من الدول الإسلامية، ومن الدول التي وافت المعهد بمشاركاتها: مصر، الأردن، الإمارات، البحرين، تونس، الجزائر، السعودية، سلطنة عمان، العراق، الكويت، إضافة إلى أذربيجان، وتركيا. وقد بلغ عدد الجهات في هذه الدول نحو أربعين جهة.

أعلن مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي، التابع لمكتبة الإسكندرية، استضافة الاحتفالية في يوم خاص به حيث أكد المهندس محمد فاروق، مدير مركز توثيق التراث، إن الاحتفال بـ”يوم المخطوط العربي” هذ العام 2016، يحمل شعار “قيم الثقافة وثقافة القيم” وذلك كمحاولة للربط بين القيم الثقافية العريقة للحضارة العربية والواقع المعاصر ومشكلاته وتحدياته الراهنة.

وأكد  فاروق، أن مشاركة مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي تأتي بدعوة من معهد المخطوطات العربية، وهي مشاركة دائمة منذ أن بدأت فكرة الاحتفالية في 2013، وتهدف المشاركة إلى إبراز قيمة المخطوط العربي كسجل ثقافي ومعرفي وأخلاقي للحضارة العربية، والتأكيد على ضرورة استلهام القيم الثقافية التي انتقلت إلينا عبر هذا التراث العربي المكتوب، وكيفية توظيفها لحل مشكلات الحاضر.