أفادت الدكتورة كلثم الغانم، المستشارة القطرية في التنمية الاجتماعية والأسرية، بجامعة قطر، أنه رغم حدوث تغيرات كبرى في المجتمعات العربية والإسلامية مثل زيادة السكان الحضريين، وانتشار العلم، وتغير أنماط الحياة الاقتصادية وبنية الأسرة العربية .. فإن الإحصاءات تشير إلى أن ظاهرة زواج الأقارب لا تتراجع.
أشارت كلثم خلال مداخلتها في إحدى جلسات مؤتمر “تزاحم القيم في العالم المعاصر: إسهامات إسلامية”، والذي نظمه مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق في قطر يومي 2 و 3 أبريل 2016م إلى عدد من الدراسات الاجتماعية التي تدعم بقاء ظاهرة الزواج من الأقارب في المجتمع العربي بشكل معنوي دون أن يطرح عليها شيء من التغيرات.
ففي المجتمع اليمني مثلا أظهرت دراسة أن أكثر من 85% من الزيجات بين الأقارب من الدرجة الأولى.
وكشف مسح الصحة الوطنية العمانية لعام 2000م أن نسبة 52% من السكان متزوجين من الاقارب. كما أظهرت دراسات أخرى انتشار هذا النوع من الزواج في فلسطين المحتلة، والأردن، وبعض القرى السعودية، والإمارات وباقي الدول العربية .
واعترفت الغانم أن واقع دراسات علمية أثبتت عددا من الآثار الصحية المترتبة على زواج الأقارب، منها: انتشار نسب عالية من الامراض الوراثية، اضطرابات التعلم بين الاطفال، والامراض السيكولوجية، واعتلالات الجهاز العصبي المركزي، وتكرر حالات سقوط الأجنة .. وغيرها مما تناولته الدراسات، لكن الدكتورة الغانم ترى أن هذه الآثار المذكورة غير مؤكدة، كونها لا تبلغ درجة الجزم.
بل تشير دراسات أخرى أن زواج الأقارب تساعد على انتقال بعض صفات وراثية جيدة، كالذكاء، وسمات جسمانية، والجمال، واستمرارها، كما أنه يقوي العلاقات الاجتماعية، والتماسك الاجتماعي، والعلاقات القرابية.
وبناء على هذه النتائج غير المؤكدة عن آثار زواج الأقارب فإن الدكتورة الغانم أعربت عن عدد من التساؤلات حول هذه الظاهرة، هل زواج الأقارب ظاهرة لها علاقة بالدين الإسلامي الذي لا يحرم هذا الزواج؟ أم أنه ظاهرة أفرزتها البنية القبلية؟ وهل هو نتاج لعدم قدرة عناصر مثل التحضر والتعليم على التغيير البنية العائلية ومفاهيم الزواج؟ أم هو نتاج لثقافة مجتمعية موروثة؟
رجحت كلثم أن الموقف الشرعي في إباحة زواج الأقارب يتلاءم مع النتائج الطبية التي لا تجزم بحتمية زيادة الأمراض الوراثية بسبب زواج الاقارب، من أحد العوامل المعززة له ولكن ليس في كل الحالات.
كما أن البنية القبلية تفرض التزواج الداخلي بين أبنائها لضمان استمرار سلالة القبيلة، لذلك أصبح زواج الأقارب وسيلة ضرورية لتقوية واستمرار وبقاء القبيلة او العشيرة أو العائلة.
ونوهت كلثم أن عوامل التحضر بما فيه التعليم والتوسع الاقتصادي والاجتماعي لم ينجح بعد في الوقوف أمام هذه الزيجات من الانتشار، لأنها لا تزال في إطار المرحلة الانتقالية ولم تستكمل دورها في التأثير على المجتمع، لهذا كانت هذه الزيجات رغم التمدن تنتشر في المدن العربية، وهي أكثر انتشارا في أريافها. كما أن الأسباب السياسية ساعدت من جانب آخر في بقاء هذه الزيجات واستمرارها.
ثم تطرقت كلثم الغانم لأهم نتائج التي وصلت إليها دراستها المسحية على عينة من القطريين، فقد أظهرت هذه الدراسة أن نسبة تأييد زواج الاقارب من هذه العينة تصل إلى 52%، كما أفادت الدراسة على عينة (195) حالة من المتزوجين من الأقارب أن الاختيار كان من قبل الزوجين، بل بعضهم قال: تزوج من يرضى عنها أهلك ثم تزوج من تريد!
أظهرت الدراسة كذلك أن الإناث أكثر ميلا لمعارضة تأثير الأهل على قرار زواجهن من أبناء العمومة، في حال أن الشباب والمتعلمين لا يعارضون هذا النوع من الزواج.
وختمت الدكتورة كلثم هذه المداخلة بالنظر في تحالف البنية الاجتماعية، وتعزيز القيم الثقافية لزواج الأقارب، فإن الدراسة تثبت انتشار تعبيرات وقيم متوارثة تعزز من استمرار زواج الأقارب في قطر، من ذلك مقولة: “عليك ببنت العم ولو بارت”، “خذ بنت عمك بتشيل همك”، “مالك الاخشمك لو هو أعوج”.. ونحوها.
وحيال ذلك طرحت الباحثة قضايا تستحق التأمل، منها: هل زواج الأقارب قابل للاستمرار مع تزايد الاعتماد على الفحص المبكر للزواج؟ هل نحن بحاجة إلى تقليل انتشار زواج الاقارب رغم دوره في تقوية العلاقات الاجتماعية؟ هل يمكن أن نعتبر الزواج ضمن القرابة يقلل من الاندماج الاجتماعي بين باقي المجموعات السكنية؟ هل التعليم والتغير الاجتماعي يمكن ان يؤدي إلى تغيير ثقافة زواج الأقارب؟ هل نحتاج إلى سياسة أو استراتيجية معينة تساهم في تغيير ثقافة زواج الأقارب المتأصلة؟